يتساءل لاجئون سوريون عما إذا كانت السلطات التركية تنوي إعادتهم إلى المناطق التي أمنتها على الشريط الحدودي في شمالي سوريا في إطار عملية «درع الفرات»، في الوقت الذي تُثار فيه التكهنات حول موقف اللاجئين السوريين أنفسهم من فكرة العودة إلى مناطق سكنهم الأصلية أو إلى المناطق الآمنة داخل سوريا.
وبينما تثير هذه الأنباء الكثير من المخاوف لدى شريحة واسعة من اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم الثلاثة ملايين في تركيا، تعتبر هذه الأنباء بمثابة بارقة أمل وتحقيق لحلم العودة إلى الوطن، وذلك بحسب سلسلة من اللقاءات والمقابلات التي أجرتها «القدس العربي» مع عينة من اللاجئين.
وفي الوقت الذي أبدى البعض عدم رغبته في العودة إلى سوريا نتيجة ظروفه الحياتية والمادية الجيدة التي بات يتمتع فيها بتركيا، أعرب آخرون عن رغبتهم في العودة إلى مناطق الأصلية في حال تأمينها وليس إلى المناطق التي تعمل الحكومة التركية على تأمينها في شمالي سوريا.
جرابلس نموجاً
تسعى الحكومة التركية ومنذ بدء عملية «درع الفرات» قبل نحو أسبوعين إلى تقديم مدينة جرابس على أنها نموذج لحل مشكلة اللاجئين لتركيا وأوروبا، حيث عملت منذ انتهاء العمليات العسكرية وتأمين المدينة إلى دعم الخدمات الإنسانية والحياتية فيها لتشجيع سكانها على البقاء فيها وعودة سكانها الذين غادروها إلى مناطق أخرى في سوريا وحتى الذين يعيشون في تركيا.
ولاية غازي عنتاب التركية، قالت إن 321 سورياً عادوا طواعية إلى مدينة جرابلس التابعة لمحافظة حلب، شمالي سوريا، بعد تطهيرها من مسلحي تنظيم «داعش»، لافتاً إلى أنهم تقدموا إلى إدارة الهجرة بطلب العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، وأنهم عادوا من خلال معبر «قارقاميش» المحاذي لجرابلس.
وأوضحت نورسل جاكير أوغلو، منسقة المساعدات الإنسانية في الولاية، أن الجهات التركية المعنية تواصل إعادة تأهيل كامل البنى التحتية لمدينة جرابلس، فيما قال نائب رئيس الوزراء التركي نورالدين جانكلي إن بلاده ستزود جرابلس بالطاقة حتى السبت المقبل والمياه حتى الاثنين.
كما أنشأت وزارة الصحة التركية، خيمة طبية في المدينة مزودة بسيارة إسعاف وفريق طبي مختص في الإنقاذ، فضلاً عن أطباء أتراك وعاملين صحيين لتقديم الرعاية الطبية للسكان، في حين تواصل هيئات إغاثة تركية تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية للسكان.
هل توجد منطقة آمنة؟
لم يتحدث أي مسؤول تركي رسمي حتى اليوم عن نية أنقرة فرض العودة إلى الأراضي السورية على اللاجئين في أراضيها، في الوقت الذي تعمل فيه الماكينة السياسية التركية ليل نهار ومنذ سنوات في محاولة للحصول على دعم دولي لإقامة منطقة حظر طيران «منطقة آمنة» في شمال سوريا، لتأمين اللاجئين فيها كما تقول.
وعقب محاولات جديدة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأمريكي باراك أوباما على هامش قمة العشرين في الصين قبل أيام، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن موقف بلادهـا لـم يتغـير بعد من المـقترح التركي وأنها لا ترى في «المنـطقة الآمـنة» حـلاً للأزمـة في سـوريا.
لكن تركيا وعقب انطلاق عملية «درع الفرات» باتت تطلق مصطلح «المنطقة الآمنة» على الأجزاء التي تتمكن من طرد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ومسلحي الوحدات الكردية منها، وقال نائب رئيس الوزراء التركي، نورالدين جانيكلي، إن عملية «درع الفرات» أسفرت حتى الآن عن تطهير مساحة 772 كم مربع في شمالي سوريا.
وتسعى تركيا إلى تعميق هذه المساحة الممتدة على طول قرابة 100 كيلومتر من جرابلس حتى أعزاز إلى الداخل حيث يعمل الجيش السوري الحر بغطاء بري وجوي تركي على التقدم نحو مدينة الباب ومن ثم إلى منبج لتصبح هذه المنطقة بعمق أكثر من 30 كيلومتر في حال نجاح تأمينها وفرض السيطرة عليها، بجانب الحديث المتزايد خلال الساعات الأخيرة عن مخطط لعملية برية تركية أمريكية لتحرير الرقة من تنظيم «الدولة».
هل ستعيد تركيا اللاجئين؟
مصدر تركي مقرب من الحكومة نفى في تصريحات خاصة لـ «القدس العربي» أن تكون بلاده تنوي إجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلادهم، مؤكداً أن الأمر سيكون طواعية وستعمل الحكومة التركية على تسهيل طريق أي لاجئ يسعى للعودة إلى بلاده.
وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه: «تواصل الحكومة العمل مع المجتمع الدولي من أجل دعم مقترح المنطقة الآمنة، ولكن فعلياً اليوم توجد مناطق آمنة صغيرة في سوريا، يديرها الجيش الحر بدعم من الجيش التركي، ومن يرغب بالعودة إلى هناك من اللاجئين سنسهل مسعاه ولكن لن نجبره على ذلك».
ويعيش في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، يقطن قرابة 300 ألف منهم في مخيمات خاصة أنشأتها الحكومة التركية قرب الحدود مع سوريا وتقدم لهم خدمات صحية وتعليمية وإنسانية كاملة، بينما يتوزع الجزء الأكبر منهم في جميع المحافظات التركية وخاصة مدن غازي عنتاب وأنطاكيا وإسطنبول.
وجزء كبير من هؤلاء اللاجئين مر على وجودهم في تركيا قرابة 5 سنوات، وقام جزء منهم بتأسيس شركات وأعمال حرة ومطاعم ومحلات تجارية ويقولون إن عودتهم إلى سوريا ستكون صعبة حتى ولو توقفت الحرب كونهم أسسوا مصالح تجارية في تركيا.
وتحدث الرئيس التركي في العديد من المناسبات عن ترحيب بلاده باللاجئين السورين، وأعلن أن بلاده ستعمل على منح الجنسية التركية لمن يرغب من اللاجئين، في خطوة أثارت شريحة واسعة من الشعب التركي وولدت هجوماً كبيراً من المعارضة على أردوغان.
فادي أحمد (31 عاماً)، من مدينة حمص السورية، يعمل صحافياً في مدينة إسطنبول التركية، يقول لـ «القدس العربي»: «لا يمكن العودة إلى سوريا في الوقت الحالي، أفضل البقاء هنا في إسطنبول أعيش في مكان آمن مع عائلتي وأعمل بعائد مادي جيد جداً مقارنة بسوريا، حتى لو استتب الأمن في سوريا فأنا لا أنوي العودة للاستقرار هناك، سأعود لزيارة مدينتي فقط عندما تعود لها الحـياة».
لكن موقف محمد سعد الدين (27 عاماً) الذي يعمل في محل سوري لبيع الشاورما في إسطنبول يبدو مختلفاً، حيث يقول: «بالتأكيد نتمنى العودة إلى الوطن، ليس أمامي خيار آخر، الحياة في تركيا صعبة، واللجوء إلى أوروبا بات معقداً، عندما تتوفر الظروف أنا مستعد للعودة إلى حلب لأبني حياتي من جديد هناك»، لكنه اشترط أن تكون العودة إلى مكان سكناه في حلب وليس إلى مناطق آمنة قرب الحدود.
من جهته، اعتبر أبو حاتم (52 عاماً) والذي يعيش في مدينة غازي عنتاب التركية القريبة من الحدود السورية أن العودة إلى مناطق أخرى غير مدنهم الأصلية بمثابة «لجوء جديد»، مطالباً «إما أن نبقى هنا في تركيا أو نعود إلى مناطق سكنانا الأصلية عقب تأمينها من القصف والغارات الجوية»، بينما أكد آخرون على أنهم يأملون تمكن تركيا من تحقيق الهدوء في حلب من أجل العودة إليها.
«أردان زين تورك» الإعلامي والمذيع الإخباري لدى قناة 24 التركية، قال أن السوريين غير مستميتين للبقاء في البلدان التي لجأوا إليها، معطياً مثالاً عن مدينة جرابلس، وعودة اللاجئين إليها فور تحريرها.
وقال الإعلامي التركي المعروف: «هناك من عارض وجود السوريين في تركيا، ونحن قلنا لهم مراراً: هؤلاء غير مستميتين للبقاء هنا، أو في البلاد التي يلجئون إليها، بطبيعة الحال لم يصدقوا ذلك، انظروا إلى جرابلس، بعملية عسكرية بسيطة، وبتحريرها عاد السوريون إلى ديارهم، أرأيتم ذلك؟»، مضيفاً: «هؤلاء كانوا يكسبون رزقهم في بلادهم بشكل أو بآخر، سواء كانت أوضاعهم جيدة أم تعيسة، إلا أنهم كانوا يعيشون في سوريا، ولذلك ما إن استقرت أوضاع بلادهم سيعودون إليها».
إسماعيل جمال_القدس العربي