بينما تشتد وطأة المعارك على الأرض السورية، تتزايد أعداد السوريين الطامحين في الهجرة إلى الدول الأوروبية التي قدمت لهم تسهيلات كبيرة ولم تستثن أحدا منهم بمنحها حق اللجوء على أراضيها. إلا أن هجرة بعض فئات الشعب السوري أثارت جدلا واسعا بين السوريين أنفسهم الذين انقسموا في تحديد أولوية اللجوء خوفا من أن يوصد الحلم الأوروبي أبوابه في وجههم.
يثير تزايد أعداد المهاجرين السوريين القادمين من دول الخليج إلى الدول الأوربية انتقادات واسعة على وسائل التواصل الإجتماعي. فعلى الرغم من غياب إحصاءات محددة لأعدادهم، إلا أنهم باتوا يشكلون نسبة كبيرة من أعداد المهاجرين المتكدسين في الدول الأوروبية نظرا لقدراتهم المادية وسهولة تنقلهم، مما دفع الكثير من السوريين المتضررين بشكل مباشر من أتون الحرب الدائرة في بلادهم إلى انتقاد هجرة المقيمين في دول الخليج. فهذه الهجرة بحسب وصفهم «تزاحم» الذين يملكون الأحقية بالهجرة ممن يقطنون في الداخل السوري أو في مخيمات دول الجوار المكتظة باللاجئين.
في الطرف المقابل يرى البعض أن هجرة السوريين المقيمين في دول الخليج لا تنم عن حب انتهاز الفرصة بقدر ما تخفي وراء كواليسها واقع مرير يعيشه عشرات الآلاف من السوريين في شتى البلدان الخليجية. فهم، بحسب ما يرى محمد الفرحان، وهو شاب سوري مقيم في السعودية منذ ست سنوات: «مرتبطين برضى الكفيل، فالسوريون لا يستطيعون السفر إلا إن سمح لهم بذلك، وللكفيل صلاحيات تصل إلى طرد المقيم من البلد في بعض الأحيان».
ويضيف محمد: «لا يوجد شعور بالأمان. فمجرد إصابة المقيم بعارض طبي، أوعجز عن العمل قد يصبح في الشارع، كما أن السوري في دول الخليج مقيد بقوانين كثيرة. فهو لا يستطيع أن يجلب أي أحد من عائلته ولو بزيارة بعد أن دُمر بلدهم فأصبح التواصل مع العائلة أشبه بالمستحيل». ويضيف أنه إلى الآن لم يهاجر ولكن إن تيسر الأمر له فإنه لن يتردد.
أما المهندس جمال المقداد، وهو مستثمر سوري في الخليج، فيرى أن مزاجية القرارات في الدول الخليجية وتغيرها المستمر أصبح يشكل هاجسا لدى المقيمين من المستقبل الوظيفي الذي قد يتنهي بالمقيم خارج البلاد. ولم يخف «المقداد» رغبته في الهجرة أيضا ونقل استثماراته إلى إحدى الدول الأوروبية.
ويتفق الناشط الإعلامي، أبو غياس الشرع، والناشط محمد الدرعاوي، على أن معضلة لم الشمل بين المقيمين وعوائلهم هو سبب رئيسي للهجرة إضافة إلى غلاء المعيشة في الدول الخليجية.
أصوات معارضة
يرى فادي الصيداوي، وهو سوري مقيم في لبنان، أن هجرة السوريين من دول الخليج هي هجرة اقتصادية بحته وليست لجوءا من الحرب والكوارث. فدول الخليج بنظره تنعم بالأمان وفرص العمل وهو ما يتمناه ملايين السوريين.
أما نابغ سرور، المقيم في دولة الإمارات، فيرى أن على السوريين بشكل عام أن يتحملوا الواجب الأخلاقي تجاه بلدهم الأم سوريا بالدرجة الأولى. ومن المعيب، حسب وصفه، أن تصبح الهجرة إلى الدول الأوروبية مفاخرة وإن المهاجرين السوريين من ذوي الإقامات الخليجية يتبجحون بحجج واهية متناسين القوانين التي تحمي الجميع في هذه البلدان، كما أن معظم الدول الخليجية تتساهل مع السوريين المخالفين على أراضيها تماشيا مع الوضع الإستثنائي في بلدهم.
وبينما ينقسم السوريين بين مؤيد لهجرة المقيمين وبين معارض، تستمر حشود اللاجئين بالتوافد إلى أوروبا من شتى أصقاع العالم، مستغلين المأساة السورية ليناهز عددهم المليون لاجئ مع نهاية العام الحالي وفق تقديرات الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى مؤخرا إلى ترحيل كل من لا يتم قبول طلب لجوئه بعد أن تعالات الأصوات من داخل الدول الأوربية التي تدعو إلى الحد من عمليات الهجرة غير الشرعية رغم التعاطف الإنساني الواسع في الكثير من هذه الدول حيال أزمة اللاجئين السوريين الذين لم تتجاوز نسبتهم 25% من مجمل طالبي اللجوء.
«القدس العربي»: عبد الحي الأحمد