ليس هناك أدنى شك بأن إسرائيل تتمنى ليل نهار، لا بل تعمل جدياً على تحويل كل أعدائها في المنطقة العربية إلى صحارى قاحلة وشعوب متخلفة فقيرة هائمة على وجوهها.
ولو كنا بقوة إسرائيل ونخشى من جيراننا، لتمنينا لهم مصيراً مشابهاً لحالنا الآن، فكل القوى عبر التاريخ حاولت أقصى جهدها كي تبقى في القمة على حساب تخلف الآخرين وخراب أوطانهم، فما بالك إذا كانوا يعادونها.
حتى الأشقاء في البيت الواحد يغارون من بعضهم البعض أحياناً، وبعضهم يريد أن يكون أفضل من بقية الأشقاء، فما بالك بالأعداء.
وكذلك الدول، فهي تحاول أن تكون أفضل وأقوى من غيرها، حتى على حساب شقاء الآخرين وكوارثهم. لاحظوا أن أمريكا مستعدة أن تدوس العالم أجمع من أجل المصالح الأمريكية.
باختصار، لا يمكن أن نبرئ إسرائيل من التآمر على سوريا. لكن تعالوا ننظر إلى ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا.
هل إسرائيل هو السبب؟ أم إننا استسهلنا أن ننسب كل مصائبنا وكوارثنا وفشلنا وأخطائنا القاتلة إلى إسرائيل؟
لا يمر يوم إلا وتسمع أبواق حلف المماتعة والمقاولة بزعامة النظام السوري وهي تتهم إسرائيل بالتآمر على سوريا. صحيح أن تدمير الجيش السوري يصب في مصلحة إسرائيل.
لكن من دمره؟
هل فقد جيشكم «الباصل» ثلاثة أرباع جنوده ومعداته في حرب تحرير القدس من إسرائيل؟ هل واجه جيش إسرائيل منذ أربعين عاماً؟ هل خسر رصاصة واحدة باتجاه الحدود الإسرائيلية؟ هل سمح لجندي سوري بأن ينظر باتجاه حدود إسرائيل، فما بالك أن يعكر صفوها؟
هل استنزف احتياطي الوقود المخصص للجيش والقوات المسلحة في حربه مع إسرائيل؟
أم إنه دمر جيشه، وخسر مئات الألوف من جنوده، واستهلك ملايين الليترات من الوقود لتشغيل آلته العسكرية ضد الشعب السوري بالدرجة الأولى؟ ألا يخوض جيش الأسد مئات المعارك يومياً، وكلها على الأرض السوريا ضد السوريين؟
كم معركة خاض ضد العدو الصهيوني وكم معركة خاضها ضد الشعب؟
هل إسرائيل يا ترى من اتخذت قرار إنزال الجيش السوري إلى الشوارع وتوريطه في حرب مع الشعب بعد أربعة أسابيع فقط على انتفاضة الشعب السوري من أجل أبسط حقوقه الإنسانية؟ بالطبع لا.
إن من اتخذ قرار توريط الجيش السوري وتدميره هو صاحب قرار إنزال الجيش إلى شوارع المدن والقرى السوريا الثائرة.
ولو افترضنا أن الذي دفع باتجاه هذا القرار هو الجناح الإسرائيلي داخل القيادة السوريا، فهذه مشكلة النظام الذي سمح لإسرائيل باختراقه على أعلى المستويات العسكرية والأمنية، وليست مشكلة إسرائيل.
لا بد أن نؤكد ثانية أن إسرائيل جارة عدوة، وتتربص بأعدائها ليل نهار. لكن لماذا يا بشار الأسد سمحت لبعض الضباط العسكريين والأمنيين الكبار أن ينفذوا المخطط الإسرائيلي في سوريا المتمثل بتوريط الجيش واستنزافه في حرب داخلية بدل محاربة إسرائيل؟
من الذي دمر المدن السوريا، وسوّاها بالأرض؟ الطيران الإسرائيلي، أم الطيران السوري؟ من الذي جعل مشاهد تدمير مدينة القنيطرة السوريا وبيروت اللبنانية وغزة الفلسطينية على أيدي الصهاينة تبدو أقل بشاعة بكثير مقارنة بمناظر تدمير حلب وحمص وإدلب ودير الزور وداريا وريف دمشق ودرعا ومئات القرى والمدن الأخرى؟
أيهما أكثر بشاعة: منظر شوارع مدينة غزة التي قصفها الطيران الإسرائيلي، أم مخيم اليرموك الفلسطيني في دمشق الذي اضطر ساكنوه أن يأكلوا أوراق الشجر بسبب الحصار الفاشي الذي فرضه الجيش السوري وأجهزة المخابرات عليه؟ كم مدينة وقرية سوريا دمر الطيران الإسرائيلي في كل حروبه مع سوريا، وكم دمر الطيران السوري؟
كم عدد الغارات التي شنها الطيران الإسرائيلي على السوريين، وكم شن طيران الأسد على المدنيين في سوريا؟ ألم يسمع بشار الأسد الشعب السوري وهو يطالبه بأن يعامله كما عاملت إسرائيل أعداءها؟
ألا يتمنى الكثير من السوريين أن يكونوا فلسطينيين بعدما وجدوا أن إسرائيل أرحم مع أعدائها من النظام السوري الفاشي مع شعبه؟ هل إسرائيل من دمر ألوف المدارس والمشافي والمخابز السوريا على مدى الخمس سنوات الماضية؟
هل إسرائيل من عذب عشرات الألوف من المتظاهرين السوريين حتى الموت لمجرد أنهم طالبوا بقليل من أوكسجين الحرية؟
أم فروع الأسد الأمنية التي تفوقت على النازيين والفاشيين كما أظهرت ألوف الصور المسربة من السجون السوريا؟
من الذي جعل السوريين طعاماً للأسماك والحيتان في عرض البحار؟ أليس الذي شردهم من ديارهم بوحشيته الهمجية؟ هل إسرائيل حرضت الطوائف السوريا على بعضها البعض على مبدأ فرق تسد، أم المخابرات السوريا كي تعيش على تناقضات الشعب السوري وتناحره الطائفي؟ كم قتل جيشكم «الباصل» من الإسرائيليين في كل حروبه، وكم قتل من السوريين؟
كم قتل الجيش الإسرائيلي من السوريين على مدى عقود، وكم قتل الجيش الأسدي؟ من الذي شرد نصف الشعب السوري: الجيش الإسرائيلي أم الجيش الأسدي الفاشي؟
ستقولون إن الذي دمر سوريا وشرد شعبها الجماعات الإرهابية التي أرسلتها إسرائيل وأمريكا، لا بأس: يعني تعترفون بهزيمتكم أمام الجماعات العميلة لإسرائيل؟
طيب لماذا بقيتكم في السلطة إذا كانت هذه الجماعات العميلة لإسرائيل فعلت بكم وبسوريا الأفاعيل؟
وإذا كانت الجماعات المتطرفة عميلة لإسرائيل، فلماذا أخرجتم شقيقاتها من سجونكم وزودتموها بالسلاح كي تدخل في معارك استنزاف مع الجيش السوري لتخويف الداخل والخارج من الخطر الإسلامي المتطرف؟
هل من فعل ذلك التآمر الإسرائيلي، أم مخابرات الأسد؟ كيف تتهمون تلك الجماعات المتطرفة بأنها صنيعة إسرائيلية وفي الآن ذاته تخرجونها من سجونكم لتقاتلكم؟ من المتآمر إذاً؟
صحيح أن إسرائيل سعيدة بدمار سوريا وتشريد شعبها وتآكل جيشها وبقاء إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة. لكن هل كانت إسرائيل ستكون سعيدة لو أن الحاكم في دمشق تصرف بحكمة، ولم يدمر البلاد، ويشرد العباد؟ لقد كان بمقدور الحاكم أن يتصرف بطريقة أخرى، ويجعل إسرائيل العدو اللدود لسوريا حزينة، لكنه جعلها سعيدة جداً دون أن يكلفها فلساً واحداً.
لا شك بأن الدمار والخراب الذي حل بسوريا وأعادها نصف قرن إلى الوراء يصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، لكن هل إسرائيل هي من ضغط عليكم لتدمير بلدكم رغماً عنكم، أم أنكم دمرتم سوريا بأيديكم وبقراركم «الوطني المستقل» أيها الأوباش؟
ثم هل نسيتم يا من تتهمون إسرائيل بالتآمر عليكم بأن أقوى حليف لروسيا التي تحمي النظام في سوريا هي إسرائيل؟
بعبارة أخرى إسرائيل حليفة النظام إذا ما عملنا بالمبدأ السياسي الشهير: حليف حليفي حليفي. وبالتالي من حق السوريين أن يتهموا نظامهم بأنه دمر سوريا بعد أن فشل في السيطرة عليها من أجل عيون إسرائيل.
القدس العربي – د. فيصل قاسم