أسفرت الثورة السورية عن تشكل هيئات ومكاتب ومؤسسات إعلامية كثيرة وواسعة تراوح عددها بين 40-50 مؤسسة في تركيا فقط، وساهمت هذه المؤسسات بتشغيل عدد كبير من الشباب السوري الذي اضطر إلى العمل معها رغم اختلافه مع توجهاتها بسبب المطاردات الأمنية التي بات يتعرض لها، فيما لم يتمكن آخرون من مغادرة سوريا بسبب خشيتهم من الاعتقال أثناء هروبهم، في حين آثر آخرون البقاء في الداخل بغرض نقل صورة الحدث إلى الخارج.
ويقول ناشطون أن الكثير من هذه الشبكات الإعلامية تستغل وجود هؤلاء الناشطين في سوريا للحصول على صور أو فيديوهات أو تقارير خاصة تكون حصرية باسم الشبكة أو المؤسسة، بدون إعطائهم مقابلاً لها الأمر الذي اعتبره هؤلاء الناشطون استغلالاً لجهودهم الشخصية.
«حسان تقي الدين» مراسل من مدينة دوما في ريف دمشق، اضطر للعمل في إحدى هذه الشبكات، لكن بعد تقاعس الشبكة عن إعطائه مستحقاته لمدة تزيد عن 14 شهراً؛ أصدر وزملاؤه بياناً يعلنون فيه إضرابهم عن العمل مع الشبكة حتى تأدية مستحقاتهم لكن أحداً لم يجب على متطلباتهم بحجة انعدام التمويل لديهم، وبأن الرابط الذي يجمعهم في الثورة أقوى من أي رابط مادي.
وفي تصريح خاص لـ «القدس العربي» يقول حسان «بدأت العمل مع الشبكة بشهر 11 من العام 2013 والقصة بدأت من المماطلة بإرسال الرواتب من قبلهم دفعوا لي شهرين ثم انقطعوا عني ستة أشهر، وكان الراتب المقرر 400 دولار مع تكاليف الكهرباء والاتصـالات والمداخلات والتقارير التلفزيونية إلى أن باتـت الشـبكة ترسل 200 دولار أي نصف الراتب المتفق علـيه، وعندمـا كنا نـعود للشبكة للمطالبة بمستحقاتنا يتذرعون بحجة عدم وجـود دعم، إلى أن اتفقنا على تنفيذ إضراب في أيار 2015 وطالبنا فيه الشبكة بشهادات خبرة على الأقل إن رفضت إعطاءنا مستحقاتنا، إلا أنها امتنعت عنها أيضاً معلنة أنها لا تعطي أحداً من المراسلين شهادات خبرة إلا في حال لجوئه أو إصابته، والشبكة ليست تجارية لتقوم العلاقات بينها وبين مراسليها على أساس مادي بل أساس العمل عندهم هو الرابط الثوري».
ويتابع: «المؤسسة أخذت تصريحاً أمريكياً بالعمل ثم تصريحاً تركياً للعمل في اسطنبول وتدفع أيجارا شهريا لمكتبها في اسطنبول ألف دولار ولازال الموظفون هناك على رأس عملهم ولم تنقطع رواتبهم، إلا أنها بدت عاجزة عن تزويدنا بمستحقاتنا، ثم رفضت أي حل لمشكلتنا حتى لجأنا إلى رابطة الصحافيين السوريين، كما قدمنا حلولاً بخصم نسبة من المستحقات إن كان وضع الشبكة كما يزعمون إلا أنهم رفضوا أي حل، حتى بلغت كافة مستحقاتي 5400 دولار كنت أدفع تكاليف الانترنت والكهرباء مني أو بالاستدانة من الأصدقاء».
ومن الشبكة نفسها انبثقت قصة الناشط الإعلامي «محمد العبد الله» الذي رأى في هذه المؤسسات تسلقاً واضحاً على مأساة وحياة من هم في الداخل ويقول محمد لـ «القدس العربي»: «باشرت العمل مع الشبكة في 2013 وبت أعرض تقارير تلفزيونية باسمهم وفعلاً كان الاتفاق يومها على 200 دولار راتباً شهرياً و 200 دولار بدل انترنت وكهرباء التزمت الشبكة بإرسال الرواتب لمدة شهرين ثم بدأوا بتقطيع الأشهر حتى بلغ مجموع التراكمات من قبلهم 12 شهراً وبلغت مستحقاتي 4800 دولار، يئسنا من تحصيلها من الشبكة رغم دخول وساطات متعددة بيننا، إلا أن الشبكة رفضت أي حل يجعلها تدفع لنا أجورنا، أعيش اليوم بعدما استدنت ما يزيد عن ألف دولار بسبب اضطراري لتزويد الشبكة بالتقارير والصور حتى وصلت إلى مرحلة لم أعد أريد فيها أجوري بل فقط أطالب ببدائل الكهرباء والانترنت».
وردت الشبكة في بيان لها على إضراب مراسليها «ما لدينا قدمناه للجميع، ولكل عضو من أعضاء الشبكة الحرية في اتخاذ ما يراه مناسباً كون العقد الناظم بين الشبكة ومراسليها هو عقد رابطته الثورة وخدمتها وليس عقد توظيف ومستحقات، والمبالغ التي توفرها الشبكة لأعضاء فريقها هي من باب التضامن ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها».
ويقول عامر وهو صحافي سوري مقيم في دمشق أنه اضطر للعمل مدة ثلاثة أشهر مع إحدى المؤسسات الإعلامية المصرح لها من فرنسا لكنه فوجئ بسياسة محددة لاستمرار العمل معهم وإرسال الأجور له ويقول: «آثرت ترك المؤسسة وقدمت استقالتي بها، لأني ما قمت بثورة على الأسد لنرث أسداً جديداً بهيئة معارضة وفي خارج سوريا».
وفي غازي عينتاب تحديداً يجد الشباب السوري الهارب من ملاحقة الأسد صعوبة في البحث عن عمل، فيلجأ إلى هذه المؤسسات التي باتت تضع شروطاً للعمل اعتبرها البعض بأنها «تعجيزية» واسـتغلت بعضها حاجة هؤلاء لمأوى وعمل حال وصولهم إلى تركيا فعملت إلى تشغليهم بأجور زهيدة حيث يقول عصام صحافي في غازي عينتاب «اضطررت للعمل في إحدى الإذاعـات الثـورية لـقاء أجـر 300 دولار أدفع نصفها أجرة غرفة والنصف الآخر أعيش فيـه على ما تيسر من طعامي وشرابي، طالبنا الإذاعة مراراً بزيادة الرواتب إلا أنها في كل مرة تؤكد أنها لا تقدم هذه الأجور كراتب شهري وبعقد عمل بل تقدمه لتسيير أمورنا الحياتية».
القدس العربي