يعبر مقتل المتحدث الرسمي والمخطط الإستراتيجي لتنظيم «الدولة» أبو محمد العدناني الشامي عن الأزمة التي يمر بها التنظيم وسط خسائر وتراجعات مستمرة في العراق وسوريا وقتال مع أعداء يضمون الولايات المتحدة وروسيا وتركيا، بالإضافة لجماعات محلية من فصائل «الجيش السوري الحر» والأكراد.
وتبدو «الخلافة» التي سيطرت على نسبة 70% من أراضي سوريا وثلث مناطق العراق في عام 2014 في حالة التقهقر اليومي، فعاصمتها شبه محاصرة ومدينة الموصل تواجه حملة باتت قريبة بعد خسارة التنظيم معظم المدن الكبرى في العراق وكانت آخرها مدينة الفلوجة، أولى المدن التي سيطر عليها بداية عام 2014.
ويعد العدناني من مؤسسي التنظيم ويبلغ من العمر 39 عاما وظل المتحدث الرسمي ومسؤول الدعاية حيث أشرف على عملية إعلامية متقدمة هزت العالم ودفعت بالعديد من المتطوعين جاؤوا من بلدان مختلفة للإنضمام إلى التنظيم.
وجمع العدناني في خطاباته بين البلاغة والحماسة والإخراج الإعلامي المتقن الذي كان وراء تدفق الآلاف من الناشطين حول العالم إلى مناطق الدولة.
ومن لم يصل استمع إلى تعليمات العدناني التي وردت في آخر خطاب له في أيار/مايو ودعا فيه الناشطين للتحرك وضرب العدو ـ الصليبي/الصهيوني- في عقر داره.
وحمل خطابه ذاك بعض الإشارات عن حالة الضعف التي يعيشها الجهاديون في العراق وسوريا.
وفي ضوء هذه الحالة يعتبر رحيل العدناني نكسة جديدة نظرا لموقعه البارز فهو من المقربين لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
ويعد الرجل الثاني حيث رأى مراقبون فيه الزعيم المقبل حال رحل البغدادي أو قتل. ولهذا السبب وضعت الولايات المتحدة على رأسه مبلغ 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه. فهو مسؤول عن العمليات الخارجية للتنظيم، وهو فرع مهم يقوم باختيار العناصر الجديدة وتجنيدها وتنظيمها وتوفير التدريب والتمويل وتزويدها بالأسلحة.
واستجابت عدة فروع للحركة أو «الذئاب المتوحدة» لنداءاته التي كانت تنقل بسرعة على مواقع التواصل الإجتماعي. فقد كان له حضور واسع في العالم الإفتراضي.
ويبدو أثره في العمليات التي جرت في بروكسل وباريس وداكا في بنغلاديش وكذا في الهجمات التي نفذت في رمضان الماضي بشكل جعله أكثر الشهور دموية.
وكانت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم قد أعلنت عن مقتل العدناني قائلة إنه قتل في أثناء تفقده مواقع الجهاديين قرب حلب. فيما قالت مصادر في البنتاغون أن طائرة من دون طيار أطلقت قذيفة محددة قرب بلدة الباب قرب حلب واستهدفت يوم الثلاثاء العدناني.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أمريكيين طلبا عدم الكشف عن اسميهما قولهما إن طائرة أمريكية من دون طيار استهدفت عربة كان يعتقد أن العدناني فيها وتم تحديد مكانه بعد تعاون وتنسيق بين وكالة الإستخبارات المركزية- سي آي إيه وقوات العمليات الخاصة لتحديد مكانه.
موقع قيادي بارز
وتقول الصحيفة إن شهادات عدة قدمها عناصر من التنظيم اعتقلوا أكدت دور العدناني في قيادة عمليات الدعاية وإشرافه على فرع العمليات الخارجية.
ومع أن مقتله يعتبر ضربة موجعة إلا أن الصحيفة تقول إن علينا الإنتظار ومعرفة إن كانت العملية الأخيرة وجهود أمريكا في استهداف القادة ستترك أثرا على قدرة التنظيم شن هجمات في الخارج، خاصة وأنه يتمتع بمرونة عالية في وجه الهجمات. وكما يقول سيث جونز، المتخصص بالإرهاب في مؤسسة راند «لو أخذنا مقتل العدناني كحالة معزولة فإنه يمثل نهاية لزعيم حركي واستراتيجي في تنظيم الدولة- إلا أنه يظل فردا»، مشيرا إلى أنه سيتم استبدال العدناني بآخر «وسيعين التنظيم مكانه شخصا آخر كما فعل مع بقية الناشطين الذين قتلوا». وتقول إن العدناني نظرا للمركز الرفيع الذي تولاه ظل محلا للشائعات. ففي كانون الثاني/يناير أعلن مسؤولون عراقيون عن إصابته بجراح خطيرة بعد غارة جوية بمحافظة الأنبار وتبين فيما بعد أن التقارير غير صحيحة.
ومن هنا يستبعد المحللون قيام التنظيم بالإعلان عن معلومات غير صحيحة تتعلق بأحد قادته المعروفين في كل قنوات الإتصال الرسمية.
وتضيف أن المسؤولين الأمنيين في أوروبا وأمريكا وكذا عناصر تم اعتقالهم تحدثوا عن فرع العمليات الخاصة ومكانته المتميزة في داخل التنظيم حيث كان العدناني يتولى قيادته وتعود إليه كل القرارات الحاسمة.
وفي الوقت الذي يواصل التنظيم عملياته في المناطق التابعة له في سوريا والعراق إلا أن فرع العدناني كان يركزعلى العمليات الخارجية.
ومع أن الجهود تركزت على عمليات في أوروبا إلا ان جماعات موالية نفذت عمليات في مناطق آخرى وقتل حوالي 650 شخصا في هجمات نفذت بمناطق يرتادها السياح في تركيا وتونس ومصر. وفي الوقت الذي تواصلت فيه خسائر التنظيم إلا أن العمليات الخارجية استمرت.
من «القاعدة» إلى «الدولة»
وفي خطابه الأخير الذي بث في أيار/مايو تساءل إن مقياس الهزيمة بخسارة مدن وبلدات والإنسحاب إلى الصحراء وأجاب «لا، الهزيمة الحقيقية هي أن تفقد الرغبة في القتال». وقام الجزء الأكبر من دعاية التنظيم على إلهام وأحيانا توجيه هجمات ضد المصالح الغربية. ففي إيلول/سبتمبر 2014 وجه العدناني دعوة صريحة لكل المسلمين ضرب الغرب في أي مكان وبأي طريقة.
وقال «سنضربكم في عقر داركم، خاصة الفرنسيين الحاقدين القذرين». ودعا إلى استخدام الحجارة أو السكاكين ودهس العدو أو بأية آلة توفرت.
ونفذت هجمات عدة منذ ذلك الخطاب في أوروبا ومعظمها استلهم عبارات العدناني. وبحسب مايكل سميث من مجموعة «كونوس للإستشارات» والذي يعد كتابا عن عمليات تنظيم الدولة الخارجية « خلال العقد الماضي وعندما يتعلق بتنظيم أو التحريض على العنف ضد الغرب، فلم يظهر أي رمز في قيادة الجماعات الجهادية مثل العدناني من ناحية الفعالية والإلتزام».
فدوره الذي جمع بين المتحدث الرسمي ومدير العمليات الإرهابية يعكس استراتيجية تنظيم الدولة ترك أثراً وصدمة على العالم من خلال أشرطة الفيديو والأفلام عن المذابح التي تحاكي في تقنيتها أسلوب هوليوود، مما سنح له الترويج لماركته عالميا وتوسيع تأثيره أبعد من قدراته العسكرية.
ولد العدناني واسمه الحقيقي طه صبحي فلاحة عام 1977 في بلدة بنيش في محافظة إدلب شمالي سوريا.
ووصف أحد سكان بينش والمرتبط بقرابة بعيدة بعائلته بأنها كانت فقيرة جدا. ويعد العدناني من البقية التي أسهمت في تأسيس تنظيم القاعدة في العراق والذي تزعمه أبو مصعب الزرقاوي حتى مقتله في عام 2006.
وتطوع العدناني مع عدد من المقاتلين الأجانب للقتال في العراق. واعتقلته الحكومة السورية مرتين بسبب العراق. ويعتقد أنه قضى وقتا في معسكر بوكا الذي كان يديره الأمريكيون، جنوبي العراق.
وهو المكان الذي التقت فيه القيادة الرئيسية لتنظيم «الدولة». وبعد اندلاع الثورة السورية انتقل العدناني مع عدد من المقاتلين السوريين من أجل اختراق الجماعات المقاتلة. وأنشأوا في البداية «جبهة النصرة» وذلك قبل انفصالهم عنها وتشكيل تنظيم الدولة الذي بدأ عمليات بناء «دولة»، تغيير أسماء الشوارع وجمع الضريبة. أما العدناني فانشغل ببناء «دولة افتراضية» لنشر قضية التنظيم. ونجح العدناني نجاحا باهرا في مجاله.
وعليه فرحيله سيؤثر على قدرة التنظيم في مجالين: الدعاية واالعمليات الخارجية. وبحسب ويليام ماكنتس، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية ومؤلف كتاب عن التنظيم «كان أشهر وجه لهم والمتحدث الرسمي باسمهم»، مشيراً إلى أن «الحرب الكلامية وتبرير الحرب ضد الغرب كانا من عمل العدناني».
ويأتي مقتل المتحدث الرسمي في وقت هزمت فيه قوات التنظيم في جرابلس. إلا أن هزائمه الحالية تعبر عن أزمة داخلية.
بيروقراطية وفساد
وكشفت وثائق حصل عليها موقع «ديلي بيست» أن التنظيم يعاني من ضغوط وتجاوزات مالية وسرقات واختراقات من جواسيس وخلافات بيروقراطية. ويقول مايكل ويز أن الوثائق التي حصل عليها فصيل من المعارضة السورية قرب دمشق تحمل ختم «وزارات الدولة الإسلامية في العراق وسوريا».
وتحتوي على معلومات حول رواتب المقاتلين ومن لهم عائلات تعتمد عليهم. وتكشف الوثائق عن البيروقراطية الشديدة التي يمارسها مع الموظفين ومحاولته تنظيم كل شيء من عدد الإجازات والعلاوات إلى السلاح والرصاص الذي يجب أن يحصل عليه المقاتل.
ويقول ويز إن الملف جاء من ماهر الحمدان، المتحدث باسم كتيبة أحمد عبده التي تحظى بدعم من غرفة قيادة العمليات العسكرية في عمان، أي من الجماعات المرتبطة بالولايات المتحدة. وحسب الحمدان فقد تم الحصول على الملف من القائد العسكري أبو علي العراقي الذي قتل في مواجهة عند الحدود الأردنية في 8 حزيران/يونيو 2016.
ويشمل الملف مراسلات بين مسؤولي التنظيم وتحتوي على معلومات «محرجة لحركة دينية تزعم أنها تزداد قوة وتتمدد».
ففي رسالة مؤرخة في 10 أيار/مايو 2016 وموجهة لوالي دمشق تتحدث عن فشل أمني في مواجهة «الصحوات» واختراق أمني. ففي بلدة دمير التي تبعد 40 كيلومتراً من العاصمة جمع المسؤول أبو حذيفة الغوطيني كل قيادات التنظيم المحليين من أجل مواجهة مع «الصحوات» كما يطلق على كتيبة أحمد عبدو وغيرها من الفصائل السورية. إلا أن الهدف كان قتلهم. فقد كان الغوطيني عميلا مزدوجا ينسق مع «الصحوات».
و «بفضل الله لم تنجح العملية، فقد هرب الغوطيني في الليلة نفسها إلى الصحوات وسرق 6500 دولار، وكاميرا ومتفجرات ومسدساً وبندقيتين روسيتي الصنع و 1500رصاصة روسية و 7 قنابل يدوية».
وفي رسالة أخرى موجهة من ديوان الجند كتبها أبو حمزة الكردي يطلب فيها دفع رواتب مستحقة عن ثلاثة أشهر لأبو طلحة العراقي والذي يعمل في ديوان الجند مع أبو معاذ والذي يحتل منص نائب ديوان الجند ومسجل أن له خمسة أطفال ويعيل والدته وأخته.
وطلب هو نفسه من المسؤولين الكبار مالاً لشراء عربات دفع رباعي وجرافة لبناء تحصينات و500 من القنابل المصنعة محليا وصواريخ مضادة للدبابات وغير ذلك من المعدات «بهدف تعزيز خطوط الدفاع في حماة».
وفي رسالة أخرى كتبها الدكتور أبو الشام، مساعد قاضي إلى ابو العباس الجزراوي، نائب أمير دائرة العدل يشرح فيها سبب وجود عدد من السجناء في واحد من سجون ولاية دمشق. وكتب يقول إن بعض السجناء بقي يوماً أو يومين وأخرين أسبوعاً «وأثناء كتابة هذه الرسالة لم يبق أحد في السجن».
ويبدو أبو الشام مهتما بموضوع الإفراج والرسائل التي وصلت للدائرة بدون تواريخ عليها.
أزمة كردية
وبعيداً عن التطورات في داخل التنظيم يواجه الأكراد تحدياً آكبر لطموحهم. فقد كان هؤلاء المستفيد الأكبر من تقدم الجهاديين في العراق وسوريا.
إلا أن دخول الأتراك على المعادلة السورية ومحاولتها لمنع قوات حماية الشعب التقدم في المناطق التي يتم طرد الجهاديين منها طرح عددا من الأسئلة حول حيوية المشروع الكردي وحلم الدولة الذي اقترح الكثيرون أنه سيخرج من ركام الحروب الأهلية.
ومن هنا ناقش المحلل ديفيد غاردنر، في صحيفة «فايننشال تايمز» قائلاً أن حلم الأكراد يبتعد أكثر. وقال إن الشعوب الكردية لن تحصل على منطقة حكم ذاتي.
ويرى أن دخول تركيا للحرب في سوريا والتحالف العسكري الروسي- الإيراني لا يعتبران تحولات مهمة على صعيد الحرب الأهلية التي مضى عليها أكثر من 5 أعوام.
ومع ذلك فهي مصيرية بالنسبة لسوريا وأكراد المنطقة. ويقول إنه بعد عامين من فك الأكراد الحصار عن بلدة كوباني/ عين العرب عاش الأكراد لحظة نادرة من الأمل.
كما أن تفكك سوريا والتفكك الفعلي للعراق في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي منح هذا الشعب الذي لا دولة له أملا بالحصول على دولة «وهذه الفرصة يبدو أنها تنزلق من أيديهم وأنهم تجاوزا حدودهم».
ويقول إن الأكراد شعروا بالقوة بعد تقدم تنظيم «الدولة» منتصف عام 2014 في سوريا والعراق. ففي سوريا منح إنفجار العنف قوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي فرصة نادرة للسيطرة على مناطق واسعة في شمال – شرق البلاد.
وأدى انهيار الدولة في العراق لمنح الأكراد في شمال العراق كل صفات الدولة المستقلة.
وفي تركيا حصل حزب العمال الكردستاني أثناء فترة وقف إطلاق النارعلى نوع من الحكم الذاتي. وبعد ظهور تنظيم الدولة والشرعية التي حصل عليها الأكراد نتيجة لمشاركتهم في قتاله، بدأت أنقرة تدق ناقوس الخطر.
وعاد رجب طيب أردوغان الذي حاول عقد مصالحة مع الأكراد وإنهاء حرب مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما.
وعندما فاز حزب الشعوب الكردية بانتخابات حزيران/يونيو 2015 بدأ أردوغان بربطه بحزب العمال الكردستاني.
وانهار اتفاق وقف إطلاق النار العام الماضي واتهمت الدولة التركية كلا من الإنفصاليين الأكراد وحزب الشعوب الكردية بالتواطؤ مع الجهاديين.
كما أن محاولات حزب العمال المتهورة فرض حكماً كردياً على مناطق جنوب- شرق تركيا في محاولة لتقليد أكراد سوريا أسهمت في عودة الحرب.
فقد تبين أن قادة حزب العمال استخدموا الهدنة من أجل تدريب المقاتلين في شمال العراق على نوع جديد من حروب المدن.
وزاد حظ الأكراد بعد سقوط الطائرة الروسية حيث استخدمت موسكو الحادث واعترفت بالأكراد. واستفز هؤلاء تركيا عندما تقدموا غرب الفرات وحاولوا توسيع مناطقهم في جرابلس وربط عفرين بشرق البلاد.
وفي الوقت الحالي تصالح أردوغان مع فلاديمير بوتين وشن حملة عسكرية بدعم أمريكي. فيما طلبت واشنطن من الأكراد الإنسحاب إلى شرق الفرات وإلا أوقفت الدعم عنهم. ولن يدعم أي من هذه التطورات حلم دولة تخرج نار الحرب، خاصة أن روسيا تخلت عن الأكراد واختارت أمريكا تركيا. وفي السياق نفسه دعا كون كوغلن في صحيفة «ديلي تلغراف» لمكافأة الأكراد جراء جهدهم في محاربة تنظيم «الدولة». ورغم لهجته الناقدة لتركيا وحديثه عن تخلي الحلفاء عن الأكراد في الحرب العالمية الأولى إلا انه يرى بولادة دولة كردية اليوم شيئاً مفيداً للغرب حيث ستكون حاجزا ضد الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
ولكن يقول إنه لو أراد الأكراد أن يكون لهم حظ بإقامة دولتهم فعليهم أولاً تطمين دول مثل تركيا التي يعيش فيها عدد كبير من الأكراد أن دولة كهذه لن تشكل تهديداً لوحدة وسيادة الأراضي. وإلا فإن دولة جديدة لن تؤدي إلا لحرب أخرى تشعل ما تبقى من المنطقة.