الإعلان الأمريكي عن قرب عملية الإنزال الجوية لمئات المقاتلين من تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» يشير إلى بداية المعركة على الرقة، عاصمة ما يطلق عليها «الخلافة». وجاء التحرك العسكري نتاجاً للمراجعة التي قامت بها وزارة الدفاع (البنتاغون) لاستراتيجية مكافحة تنظيم «الدولة» وهزيمته.
وكانت ملامح الإستراتيجية حاضرة في القمة التي عقدت هذا الأسبوع في واشنطن وشاركت فيها الدول المشاركة في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ويقول الخبراء إن رؤية الإدارة الجديدة لا تختلف عن استراتيجية إدارة الرئيس باراك أوباما إلا في التفاصيل وملامح التركيز وزيادة القتلى المدنيين جراء التصعيد الذي تقوم به إدارة دونالد ترامب.
ومن هنا فالتطور الجديد في الرقة هو محاولة لرسم ملامح معركة تتكثف سحبها فوق المدينة وستكون مهمة «قوات سوريا الديمقراطية» استكمال عملية حصار آخر معاقل «الخلافة « الرئيسية في سوريا وقطع الطرق الغربية عنها. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أن العملية القتالية هي الأولى التي تشنها الولايات المتحدة في داخل سوريا، مشيرة إلى أن المروحيات نقلت مقاتلين «خلف خطوط العدو»، بالإضافة إلى مدافع هاوتزر ومروحيات هجومية من طراز أباتشي.
وتشيرالصحيفة إلى أن الخطة التي وضعتها القوات الأمريكية تهدف للسيطرة على سد الطبقة قرب بحيرة الأسد، ومطار محلي حيث شهدت الساعات الأولى لعملية الإنزال الأمريكي مواجهات عنيفة مع مقاتلي التنظيم. وكما فعلت الولايات المتحدة في الحملة لاستعادة الجزء الغربي من الموصل كثف الطيران الأمريكي غاراته على الرقة. وتم تنفيذ أكثر من 300 غارة جوية على مواقع تابعة للتنظيم في الرقة. وتواجه الولايات المتحدة مهمة صعبة في سوريا نظراً للعامل الكردي ورفض تركيا مشاركة قوات حماية الشعب بالهجوم على الرقة.
بداية النهاية
وترى مجلة «إيكونومست» في عددها الجديد أن سقوط عاصمة «الدولة الإسلامية» التي سيطر عليها الجهاديون في عام 2014 يبدو محتوماً. مشيرة لتقدم «قوات سوريا الديمقراطية» والتي لا تبعد عن الجبهات القتالية لتنظيم الدولة سوى أميال قليلة. ولإكمال الحصار قام الطيران التابع للتحالف الدولي بتدمير الجسور التي تمتد على نهر الفرات من الجنوب بشكل اكتمل فيه الحصار.
ورمت الطائرات ملصقات من الجو تحذر فيها السكان من استخدام القوارب لعبور نهر الفرات. ومع اقتراب المعركة على الموصل من نهايتها حضر التنظيم نفسه للمعركة الأخيرة في الرقة. وقام بحفر شبكة من الأنفاق وحضر عشرات الإنغماسيين لمواجهة أعدائه وقام المقاتلون بتفخيخ البيوت وأحاطوا المدينة بحزام من القنابل المصنعة محلياً وعلقوا قطعاً من القماش فوق الشوارع لإخفائها عن الطائرات بدون طيار.
ومهما يكن من أمر فسيخسر التنظيم المدينة في النهاية سواء استمر القتال لأسابيع أم لأشهر.
والسؤال هو ماذا بعد الرقة؟
ومقارنة مع الموصل يبدو الوضع السوري محفوفا بالمخاطر. وهناك من تساءل عن حكمة المقامرة والإعتماد على قوات سوريا الديمقراطية لتحرير. بالإضافة لمخاوف أخرى نابعة من علاقة «قوات سوريا الديمقراطية» بنظام بشار الأسد بشكل قد يمنحه نوعا من السيطرة على الرقة التي كانت أول مدينة تسقط بيد الثوار الذين انتفضوا على نظام دمشق عام 2013.
وفي محاولة من قوات سوريا الديمقراطية منع القوات المدعومة من تركيا «درع الفرات» تخلت عن عدد من القرى حول مدينة منبج وسلمتها لقوات النظام. وحسب محمد شلاش، المحامي الذي كان عضواً في مجلس المدينة «يريد (السكان) التخلص من تنظيم «الدولة» ولكنهم خائفون ممن سيأتي لتحريرهم» و»يحاول تنظيم الدولة التلاعب على هذه المخاوف ويقول للناس إن قوات سوريا الديمقراطية مكونة من ملحدين وأناس مرتبطين بالنظام القادمين لتدمير الإسلام».
كما أن دعم الأمريكيين لقوات سوريا الديمقراطية أغضب الحكومة التركية التي تتعامل مع قوات حماية الشعب كفرع سوري لحزب العمال الكردستاني «بي كي كي».
وتشيرالمجلة إلى محاولة الأمريكيين منع مواجهات بين قوات حماية الشعب ودرع الفرات حول مدينة منبج حيث قامت واشنطن ولأول مرة بنشر قواتها الخاصة وبطريقة علنية في سوريا. وبعيدا عن الخلافات بين الأطراف المعادية للجهاديين فقوة التنطيم في تراجع مستمر وخسر منذ عام 2014 مساحات من أراضيه وموارده المالية التي أثرت على رواتب المقاتلين المحليين والأجانب.
ويقول منشق عن تنظيم الدولة «هناك الكثير من المقاتلين المحليين يفكرون بالخروج منه» و»لكن الكثيرين منهم خائفون من الوقوع بأيدي القوات المعادية له أو جماعات المعارضة المسلحة. وهم يعرفون أنهم سيواجهون مصير القتل فيما لا يجد البعض منهم أجر التهريب. ولهذا فهم مضطرون للقتال ولا خيار أمامهم إلا القتال».
الدور الروسي
ومن تبعات خروج تنظيم الدولة خارج الصورة هو الدور الروسي. ومن هنا علقت مجلة «إيكونومست» على كثرة الزوار من الشرق الأوسط إلى موسكو. وأشارت في البداية إلى زيارة خليفة حفتر وفايز السراج من ليبيا والملك عبدالله الثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مشيرة إلى أن كثرة الزوار دليل على النشاطات الروسية بالمنطقة.
وحسب أندريه كورتنوف، رئيس مجلس العلاقات الدولية في موسكو «هذه السياسة أبعد من سوريا». فالمصالح الروسية تضم الأمن والنفط وبيع السلاح وأكثر من هذا يمنح الشرق الأوسط الكرملين الفرصة لاستعراض قوته الدولية.
وقال فيدور لوكيانوف من مجلس السياسات الدفاعية والخارجية «من لديه مواقف قوية هناك تكون له مواقف قوية في العالم». وترى المجلة أن التدخل الروسي في سوريا ساعدها على لعب دور في داخل الإنقسام السني ـ الشيعي والعربي ـ الإسرائيلي. ففي الوقت الذي وقف فيه فلاديمير بوتين إلى جانب إيران في سوريا فإنه ساعد على تحقيق اتفاق حول النفط مع السعودية. كما أقام بوتين علاقات ودية مع نظام عبدالفتاح السيسي وأعاد علاقاته مع تركيا ووثق صلاته مع إسرائيل. ويعلق مارك كاتز من جامعة جورج ميسون على الروس بأنهم على خلاف الأمريكيين يحاولون عقد صلات مع أي طرف. بل واتصلت موسكو مع حلفاء أمريكا الأكراد السوريين الذين قالوا إن روسيا ستقيم قاعدة عسكرية في مناطقهم. واجتذبت روسيا الاستثمارات القطرية في شركة النفط الوطنية «روسنيفت» وتعهدت الإمارات العربية بشراء طائرات سوخوي. وحسب دبلوماسي غربي «أحببت أم كرهت لا يمكن تحقيق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط بدون الروس».
ليبياوتظل ليبيا المنطقة التي تثير قلق المسؤولين الغربيين. فقد دعم الروس الجنرال خليفة حفتر واستقبلوه في موسكو. وتحدثت تقارير عن قوات خاصة في مصر قريباً من الحدود مع ليبيا وهو ما نفاه الكرملين. وقيل إن المتعهدين الأمنيين الروس يعملون إلى جانب قوات حفتر.
ووقعت شركة النفط الروسية اتفاق تعاون مع شركة النفط الوطنية الليبية. ويؤكد الروس أن تعاونهم مع حفتر لدعم السلام والحوار ولأن الجنرال يمكنه التأثير على الأحداث. وتعلق المجلة أن نشاطات روسيا بالمنطقة نابعة من تراجع الدور الأمريكي فيها. مع أن الأهداف تظل محدودة. وحسب فيتالي نومكين من مع الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم فروسيا ليس لديها الرغبة أو المصادر كي تصبح القوة المهيمنة بالمنطقة. وقال «نحن واقعيون ونستطيع مقارنة الأرقام»، فحجم الاقتصاد الروسي هو عشر الاقتصاد الأمريكي ونفقاتها الدفاعية أقل بنسبة 11% من النفقات الأمريكية.
وأهم من كل هذا فروسيا لا تدعو لنظام بديل بل الحفاظ على الأنظمة الموجودة وهي الطريقة الوحيدة «لمنع الفوضى» حسب لوكيانوف. ولعل اهتمامها بالإستقرار نابع من خوفها من الإرهاب «فروسيا ترى الشرق الأوسط قريباً منها» كما يقول ديمتري ترنين، مدير مركز كارنيغي في موسكو. ولا يمكن فصل المخاوف من محاولات الغرب «تغيير الأنظمة». ومن هنا كان قرار بوتين التدخل لحماية الأسد «محاولة لوقف فيروس الانتفاضات العربية» كما يقول ترنين.