«القدس العربي» : اتهم الناطق الرسمي للجبهة الجنوبية، الرائد عصام الريس، روسيا أنها «سبب الفشل في تطبيق أي وقف حقيقي لاطلاق النار»، وأكد في اتصال مع «القدس العربي» أن موسكو «دعمت وشاركت في كل عمليات النظام العسكرية، وهذا الأمر غير خاف، فقد صدر عن قاعدة حميميم أكثر من مرة، وعلى قناتهم الرسمية، ما يفيد مشاركتهم في العمليات الجوية التي كانت تستهدف الجنوب».
وأشار إلى أن هدف روسيا من أستانة هو «تحقيق أي اتفاق لإثبات نجاح هذا المسار، حتى لو كان هذا الاتفاق من طرف واحد». واعتبر أن مقاطعة الجبهة الجنوبية لذلك الاجتماع «تقطع الطريق عليهم لتمرير هكذا اتفاقات في الجنوب، ولهذا نتوقع تصعيدا عسكريا».
وربط مشاركة الجبهة الجنوبية بـ«تطبيق ايقاف اطلاق نار حقيقي، وهو الأمر الذي لم يحدث على أرض الواقع منذ أستانا ـ1 حتى أستانا -5، ولا نثق أن الروس قادرين على أن يقوموا بدور الضامن لتحقيق وقف الأعمال العدائية».
عسكريا تتحمل الجبهة الجنوبية عبء أربع جبهات في آن معاً، من دون توقف منذ عدة شهور: جبهة مدينة البعث في القنيطرة ويسيطر عليها حزب الله بشكل كامل، وجبهة جيش خالد بن الوليد الذي تعتبر الجبهة الجنوبية أنه جزء من تنظيم «الدولة الإسلامية» ومبايع لها، وجبهة مدينة درعا حيث تعتبر منطقة المنشية أكثرها سخونة، إضافة إلى جبهة البادية السورية التي يقود العمليات فيها قائد لواء القدس الإيراني، قاسم سليماني. وهذه هي الجبهة التي تضع إيران ثقلها العسكري فيها، وأرسلت إليها ما يقدر بنحو 35 ألفاً من المقاتلين الشيعة، العراقيين والأفغان.
قائد فرقة الحق، العقيد طيار ابراهيم الغوراني، أشار إلى تمكن فصائل الجيش الحر من صد جيش خالد بن الوليد، بعد رصد تحركاته من قبل الكتيبة الأمنية في فرقته. ووصف التنظيم بأنه «استغل هجوم الجيش الحر، وانشغال مقاتلي الجبهة الجنوبية في مواجهة نظام الأسد في مدينة البعث، ليهاجم بلدة حيط من ثلاثة محاور».
ونوّه إلى «إرسال التنظيم عربات مفخخة»، وأضاف في حديث إلى «القدس العربي»: «دمرنا العربات المفخخة قبل وصولها، ولم تتمكن من بـــلــوغ خــطـــوط الـــدفــاع لدينا، كذلك تم تدمـــيــر دبـــابة وجرافة مزنجرة واغــتــنــام عربــة BMB وأسلحة فردية وقتل أكثر من 29 من عناصر التنظيم وجرح العشرات منهم، ولم يتمكنوا من سحبهم إلا بصعوبة».
وتعاني بلدة حيط من شبه حصار يفرضه تنظيم جيش خالد بن الوليد، الذي يرصد طريق الإمداد الوحيد للبلدة، من خلال سيطرته على محور تل كوكب. وهذا يعتبر المنفذ الوحيد لإدخال المواد الغذائية ومياه الشرب والذخائر إلى البلدة، وهو أيضا الطريق الإنساني لنقل المرضى والجرحى. كذلك يعتبر المحور معقلا للواء الحرمين التابع لفرقة الحق، إضافة إلى مقاتلين من «قوات شباب السنة»، المنضوية في الجبهة الجنوبية أيضاً.
وفي مدينة درعا، يحاول النظام التقدم في ثلاثة أماكن، حي المنشية وطريق السد وطريق المخيم، ويستهدف الالتفاف على حي المنشية من الجهة الشرقية (السد والمخيم) والغربية من طريق سجنة وصولا إلى الجمرك القديم الواصل بين درعا ومدينة الرمثا الأردنية. هذا بعد فشل المقترح الذي قدمته روسيا نيابة عن النظام لكل من الجانبين الأمريكي والأردني، من أجل فتح معبر نصيب وإدارته من قبل إدارة الجمارك العامة لدى النظام السوري.
وعلمت «القدس العربي»، من مصدر مطلع، أن فصائل الجبهة الجنوبية رفضت العرض الذي نقله الروس إلى عمان. لكن موسكو ما زالت تضغط عسكريا على فصائل الجيش الحر لإجبارها على الموافقة. وأضاف المصدر أن «المقترح بحاجة إلى اتفاقيات معقدة بخصوص إدارة المعبر، إضافة إلى حماية الطريق التجاري بين دمشق ونصيب من الجهة السورية. فالجيش الحر يسيطر على الطريق الدولي من جنوب خربة غزالة وصولا إلى صيدا فنصيب الحدودية مع الأردن، وهذا أمر بالغ التعقيد لن تتقبل الفصائل الموافقة عليه، فهو يحتاج إلى رغبة شعبية وهي غير متوفرة مطلقاً».
وفي السياق، يضغط النظام السوري على فصائل المعارضة في منطقة القلمون الشرقي (تابعة للجبهة الجنوبية عسكريا) من أجل قبولها بالهدنة، التي يجري التفاوض عليها بينه وبين المجلس المحلي في جيرود عبر وجهاء من المنطقة. وتعني الهدنة، في حالة اتمامها، سيطرة شبه كاملة للنظام في منطقتي القلمون الغربي والشرقي وطوق مدينة دمشق الشمالي.
ووصف عضو المكتب الإعلامي في قوات الشهيد أحمد العبدو، سعيد سيف، مؤتمر أستانة بأنه «مشروع لإفشال مسار جنيف، وهو يخدم إيران والنظام فقط»، واعتبر مخرجاته «غير ملزمة لفصائل الثورة السورية». وأضاف سيف: «شن النظام والمليشيات الإيرانية هجوما كبيرا على مناطقنا في القلمون الشرقي والبادية قبل أستانة ـ5، ونحن لا نقبل أن تكون إيران، التي تقتل الشعب السوري، ضامناً».
وتعاني الجبهة الجنوبية ضغطا عسكريا غير مسبوق في تاريخ الصراع المسلح، يتوزع على كامل محاورها تقريبا. لكن المؤشرات حتى اللحظة تفيد أن إمكانية تغيير خرائط السيطرة هو امر غير وارد، فالمعارضة المسلحة هناك خسرت أقل من 2 بالمئة من أماكن سيطرتها، بل حققت نصراً عسكرياً كبيراً في حي المنشية الاستراتيجي في مدينة درعا مقابل ما خسرته في مناطق أخرى.
وسيكون الاتفاق الروسي ـ الأمريكي العامل الحاسم في ما يخص المنطقة الجنوبية بعد فشل أستانة -5، فالأردن يخشى من تقدم للمليشيات الإيرانية على حدوده ولا يريد الانجرار إلى حرب داخل الأراضي السورية لأي سبب كان، ويحاول امتصاص غضبه الناتج عن قصف النظام لمناطق داخل الحدود الأردنية، سواء في معبر نصيب أو بالقرب من مخيم الركبان للنازحين السوريين شرقاً.
القدس العربي