أثارت الاغتيالات العديدة التي تعرض لها كوادر حركة «أحرار الشام» ذات الثقل الأبرز عسكرياً في الشمال السوري، فضلاً عن التغيرات الأخيرة التي طرأت على سلمها الهرمي، سيل حبر عدد كبير من أقلام النقاد والمتابعين للشأن السوري، فمنهم من وضع تلك الاغتيالات تحت صنف التخلص من حمائم الحركة، وآخرون وصفوها باغتيال «الصقور»، في الوقت الذي تحدث فيه عدد من المهتمين بشأن الحركات الإسلامية عن خلافات أيديولوجية بين القائد العسكري المُقال أبي صالح طحان وقيادات الحركة، حول المنهج والنظرة للتطورات الخارجية والداخلية للشأن السوري.
ويتهم الناطق العسكري باسم الحركة أبو يوسف المهاجر خلال حديثه لـ «القدس العربي» من وصفهم بـ «دواعش الداخل» بالضلوع في عمليات اغتيال قادة الحركة في الآونة الأخيرة، وهو ما يؤكده مدير العلاقات العامة في الحركة أنس أبو مالك، مشيراً إلى أنّ المتهم في عمليات الاغتيال هو النظام وتنظيم «الدولة»، وغيرهم.
ويرى أبو مالك خلال حديثه لـ «القدس العربي» أن الاغتيالات التي تطال الحركة بسبب انتشار الحركة في مناطق جغرافية متناثرة وواسعة، وتواصل كوادر الحركة بشكل وثيق مع الشارع، وعدم التعامل معه بطريقة أمنية مغلقة، حيث أن أماكن القادة في الحركة معروفة للجميع، منوهاً إلى أنّ لروسيا مصلحة كبيرة في استهداف كوادر الحركة، بعد فشلها في إدراجها على قوائم الإرهاب، كونها من الحركات القريبة للشارع والملاصقة له.
وينفي أن تكون الاغتيالات قد طالت ما يسمى بجناح الصقور أو الحمائم في الحركة، مشيراً إلى أن تلك العمليات اشتملت على أكبر عدد من الكفاءات التي من الممكن أن يصلوا إليها، نافياً أن يكون المستهدفين من فئة «الحمائم» أو «الصقور».
من جهته، لا يرى الناشط المقرّب من الحركات الإسلامية معاذ العباس أنّ جهة واحدة تقف وراء عمليات الاغتيال بحق قيادات الحركة، مشيراً إلى أنّ المستفيد الأكبر من تلك العمليات هم «تنظيم الدولة، النظام»، فضلاً عن بعض الفصائل المدعومة من غرفة «الموك».
ويدلل على ذلك من خلال التذكير بقيام «حركة أحرار الشام» بالقبض على خلية تابعة لتنظيم «الدولة» في سراقب، بعد إقدامها على تفجير منزل لقيادي لـ»الأحرار» في المدينة، فيما تم القاء القبض على أخرى متهمة بتنفيذ تفجير جامع شعيب في إدلب المدينة.
ويُشير العباس إلى تزايد عمليات زراعة العبوات الناسفة في الفترة الأخيرة، واشتملت على عدد كبير من قادة الفصائل، كان النصيب الأكبر منها بحق قادة في «حركة أحرار الشام».
وتعرضت الحركة في الآونة الأخيرة، لسلسلة من عمليات الاغتيال التي طالت قادةً نافذين يتولون مواقع حساسة أمنية وعسكرية، من أهمهم المسؤول العام للتصنيع العسكري ونائبه وغالبية فريقه، كما تم اغتيال منذ وقت قريب الطبيب والقيادي في الحركة عمر الحجي مدير مستشفى «الريح المرسلة»، كما جرت محاولة لاغتيال القيادي أبو محمد يحيى على مفرق (باتبو ـ كللي ) في ريف إدلب، وهو مسؤول قسم التحصين في الحركة، كما اغتال مجهولون القيادي أبو جابر بنش الذي استلم قيادة «لواء الحسين» خلفاً لـ رئيس أركان «الحركة» إسلام أبو حسين الذي اغتيل في نيسان/ابريل الماضي.
تلك العمليات أدت لخروج تصريحات تحذر من محاولة تصفية قيادات الحركة من الداخل، حيث قال مدير العلاقات الخارجية لبيب نحاس في تغريدة له عبر «تويتر»: « تتعرض الفصائل الثورية عموماً، وأحرار الشام بشكل خاص، إلى حملة ممنهجة إعلامية وأمنية لإسقاط الحركة وتشويه صورتها وتصفية كوادرها المؤثرة».
وأضاف نحاس في حينه «استهداف قيادات وكوادر «أحرار الشام»، من قبل النظام وتنظيم «الدولة» وأجهزة استخبارات عالمية، أصبح أمراً مكشوفاً بلغ ذروته يوم 9 أيلول/سبتمبر 2014، وتلجأ هذه الأطراف إلى اغتيال الأشخاص والشخصيات، وتفكيك الجماعة من الداخل عبر الاختراق الأمني والفكري والانقلابات».
وفي سياق قريب، تحدث عدد من الناشطين عن وجود خلافات بين القائد العسكري للحركة أبي صالح طحان والقائد العام فيها مهند المصري والملقب بأبي يحيى، وهو ما أدى لعزل طحان، قبل أن تتم إعادة تعيينه في منصب النائب العسكري للقائد العام فيها قبل يومين.
وأقر مصدر مقرّب من الحركة بوجود خلافات بين طحان والمصري، لم تبلغ الحد الذي يجري الحديث عنه في وسائل الإعلام، مشيراً إلى أنّ طحان تقبّل قرار عزله بصدر رحب، لكن – وفق المصدر- جرّت جلسة لتلطيف الأجواء بين الرجلين بحضور عدد من القياديين في الحركة من بينهم الشرعي السابق فيها أبي الصادق وانتهت بمكاشفة بين الطرفين، وخرجت بأجواء ودية، وهو ما قد يكون السبب وراء تعيين طحان في منصبه الجديد كنائب عسكري للمصري.
وينفي مدير مكتب العلاقات العامة في الحركة أنس أبو مالك أن يكون هناك خلافات إيديولوجية بين الطحان وقيادات في الحركة، مشيراً إلى أنّ ما يجري من قرارات في الحركة، يأتي بسبب رغبة القائد الجديد باختيار فريق عمل له، مرجحاً أن يكون هناك منصب جديد للطحان في الفترة القريبة، وهو ما حصل بالفعل قبل أيام من خلال إعادته إلى الواجهة القيادية في الحركة.
«القدس العربي»