إذا أردت أن تتعرف على أعداء أمريكا الحقيقيين فيجب أن تنظر إلى صورتهم في أفلام السينما الأمريكية، فمن عادة السينما الأمريكية أن تشيطن الأعداء وتحتفل بالحلفاء في أفلامها الهوليودية. ومن المعلوم أن «هوليوود» هي أقوى سلاح إعلامي في أيدي المؤسسة الحاكمة في أمريكا منذ عقود وعقود، فهي ليست أبداً شركة ترفيهية تجارية ربحية كما تروج لنفسها، بل هي الذراع الإعلامي الفني الأخطر للولايات المتحدة. وقد لعبت الشركة على مدى تاريخها أدوراً رهيبة في شيطنة أعداء أمريكا وخاصة أيام الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي.
وقد نجحت هوليوود في إقناع الغالبية العظمى من الأمريكيين والغربيين عموماً بأن روسيا الشيوعية شيطان رجيم يجب على الغرب أن يفعل كل ما بوسعه لإسقاطها بكل السبل والوسائل. وقد كانت هوليوود تصور الشيوعيين في أفلامها على أنهم أسوأ رموز الشر في العالم.
ولا ننسى كيف عمل السيناتور الأمريكي الشهير جوزيف مكارثي على ملاحقة أي مشتبه يتعاطف مع الشيوعيين في أمريكا، ولم يسلم من المكارثية حتى الممثل البريطاني الشهير تشارلي تشابلن وقتها. وقد سخر بعض الأدباء الأمريكيين كالمسرحي الراحل آرثر ميلر من ذلك الهوس الأمريكي بملاحقة المتعاطفين مع الشيوعيين من خلال مسرحيته الشهيرة «البوتقة» التي تناولت ما أسماه «صيد الساحرات» كناية عن الشيوعيين وأتباعهم. باختصار شديد، فقد كانت شركة هوليوود الأمريكية رأس الحربة في الحرب الإعلامية الأمريكية ضد الاتحاد السوفياتي.
كيف نصدق الآن إذاً أن أمريكا دخلت في صراع جديد مع روسيا إذا ما علمنا أن هوليود بدأت تعد العدة الآن لإنتاج فيلم كبير عن حياة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يكون من بطولة الممثل الهوليوودي الشهير ليوناردو كابريو بطل الفيلم العالمي «تايتانك». إن الحديث عن وجود صراع روسي أمريكي ينذر بحرب عالمية ثالثة انطلاقاً من الساحة السورية لا يستقيم أبداً مع التوجه الهوليوودي الجديد للاحتفال بالرئيس الروسي سينمائياً، ولا يستقيم أبداً مع لغة الغزل التي يستخدمها مرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب مع بوتين، فقد صرح المرشح أكثر من مرة بأنه معجب بشخصية الرئيس الروسي ويتطلع إلى التعامل معه فيما لو فاز في انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة.
لو كانت أمريكا قد دخلت فعلاً في حرب باردة جديدة مع روسيا كما يشيع بعض أبواق المماتعة والمقاولة، لكانت هوليوود أول من بدأ بشيطنة روسيا ورموزها الجدد، ولما كان قد التقى الممثل الأمريكي الشهير دي كابريو الرئيس الروسي ليعبر عن رغبته في تجسيد شخصيته في الفيلم الهوليوودي الجديد.
وفي تعليق لصحيفة Welt am Sonntag الألمانية قال دي كابريو، «إني مستعد وبكل ترحيب للعب دور الرئيس بوتين في أي عمل فني، فذلك سيكون ممتعاً جداً بالنسبة لي!». وأعاد دي كابريو إلى الأذهان أنه كان قد حظي بشرف لقاء بوتين شخصياً في مدينة سانت بطرسبورغ خلال فعاليات منتدى إنقاذ نمور سيبيريا قبل بضع سنوات. وبحسب وكالة الأنباء «نوفوستي»، وفي معرض التعليق على روسيا وانطباعاته عنها، جدد دي كابريو التأكيد على إعجابه الشديد بها. وختم بالقول، إن «لعب دور الزعماء الروس مثل لينين وراسبوتين، من شأنه أن يكون ممتعاً للغاية، وأرى أنه ينبغي تصوير كم أكبر من الأفلام التي تحكي تاريخ روسيا.
هذا وقد أعلنت إحدى شركات صناعة السينما العالمية لتصوير فيلم «بوتين» ومن المنتظر أن تبدأ شركة «كنايتس بريدج انترتيمنت» للصناعة السينمائية قريباً، بتصوير فيلم روائي بطله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم تعلن الشركة التي يقع مقرها في الولايات المتحدة الأمريكية، اسم الممثل الذي سيقوم بدور البطولة في هذا الفيلم، مشيرة إلى أن هنالك 4 مرشحين كل منهم يتمتع بنجومية من الدرجة الأولى في العالم للعب دور بوتين في فيلم ينتجه مخرج يحوز على جائزتي «أوسكار».
ولا ننسى أيضاً أن المخرج الأمريكي ذائع الصيت أوليفر ستون قد أخرج فيلماً وثائقياً عن فلاديمير بوتين. وصرح المخرج الروسي إيغور لوباتيونوك الذي ساعد أوليفر ستون على إنتاج وإخراج فيلم «سنودن»، لـ»سبوتنيك»، أنه لا بد أن يستأثر الفيلم الذي أخرجه أوليفر ستون باهتمام الجمهور وخاصة الجمهور الأمريكي. وكان أوليفر ستون أعلن منذ عامين نيته لتصوير فيلم وثائقي عن الرئيس الروسي، لكي يعرض للأمريكيين وجهة نظر مغايرة حيال أهم أحداث العالم.
عندما توافق هوليوود ومثيلاتها الأمريكية على الاحتفال بالرئيس الروسي سينمائياً، يجب أن نفهم أن الروس والأمريكيين باتوا حلفاء يتقاسمون منطقتنا وخاصة سوريا بمحبة ووئام. لا عجب إذاً أن بوتين كان أيضاً شخصية العام 2015 في إسرئيل.
كيف نصدق إذاً أن أمريكا وروسيا أعداء في سوريا ويمكن أن تدخلا في حرب عالمية ثالثة إذا كان ممثلو هوليود يتسابقون على تجسيد شخصية بوتين، وإذا كانت إسرائيل تعتبر الرئيس الروسي أفضل حليف لها في تاريخ روسيا؟
القدس العربي – د. فيصل قاسم