«أسفر قصف النظام السوري للمدنيين عن عدد من القتلى والجرحى» جملة اعتاد الناس على سماعها كل يوم في أخبار سورية، وما يجول في الذهن من كلمة جرحى أن هؤلاء الناس نجوا من الموت وأمورهم بخير، لكن الوقائع وما يجري معهم يحكي شيئاً آخر.
مالك الرجب الناشط الطبي في مستشفيات ريف حمص يقول لـ «القدس العربي» : الإعاقات الناتجة عن القصف تنقسم إلـى بتر الأطراف بأنواعها، أو التشوهات الخطرة، أو شلل الوظائف الحيوية، أو الإصابات الدماغية، ومع مواصلة قوات النظام لقصفها اليومي والعشوائي على أغلب مدن سورية وقراهـا، يسـتمر فقدان كثيـر مـن السـوريين لأطرافهـم، وفي كثير من الحالات يلاقي الجرحى حتفهم، بسبب عدم توفر الوسائل الطبية الكافية للمعالجة، وخصوصاً مع وجود أساليب وأدوات جديدة للقصف مثل البراميل والعنقودي والمسماري، وفي كثير من الحالات نضطر إلى بتر الأطراف بشكل كامل بسبب عدم توافر الإسعافات اللازمة، ومن المؤلم أن نتسبب بإعاقة دائمة لإنسان بسبب ضعف الإمكانات الطبية اللازمة».
وتفيد تقارير إحصائية لمنظمات تعمل في المناطق المحررة أن عدد الجرحى والمصابين نتيجة الحرب بلغ أكثر من 265 ألف شخص. فيما تقدر تقارير أخرى بأكثر من مليون مصاب حتى نهاية 2015، ويعتبر تركيب الأطراف الاصطناعية لذوي الإعاقات ليس أمرا سهلاً، فكلفة ذلك كبيـرة وتتـراوح بين 500 و1200 دولار، مــا يجعـل الحصـول على طرف اصطناعـي أمـر يترافق مـع دعم من إحدى المنظمات أو الجهـات المانحـة، حسبما أفاد الناشط الإغاثي عروة الحمصي.
أبو عبد الله من ريف اللاذقية حكايته لـ»القدس العربي»: «منذ عام تقريباً أصيب أولادي الأربعة أثناء قصف النظام وأدى ذلك لبتر أرجلهم كلهم، كما أصيبت زوجتي في بطنها، وبعد أن تعافت تركت المنزل لأبقى وحيداً مع أطفالي الأربعة الذين أصبحوا معاقين، تهدم منزلي بالكامل جراء القصف، نصحني الناس بالذهاب إلى تركيا لعلي أستطيع تأمين أطراف اصطناعية لأطفالي الأربعة، أو مبالغ إغاثية كي أستطيع العيش، فأنا لا يمكنني الذهاب للعمل وتركهم وحدهم في المنزل، منذ سنة وأنا في انطاكيا ولم تبق جمعية أو جهة إغاثية إلا وراجعتها وأطلعتها على وضعي بدون فائدة».
وحتى من يكون له حظ الحصول على طرف اصطناعي، فإن معاناته لا تقف عند هذا الحد فهناك الكثير من المعوقات الجسدية والنفسية التي يعانون منها.
خالد – وهو عسكري منشق انضم للجيش الحر- وأحد ضحايا هذه الحرب، تعرض لإصابة بقدمه اليسرى مما أدى إلى بترها خلال اشتراكه في معارك في ناحية الزربة التابعة لمحافظة حلب.
لم يكن الوضع الجديد الذي يعيشه سهلاً، حيث يعيش حياة صعبة بعد الإصابة لكنه على الرغم من ذلك تأقلم مع الحالة الجديدة، كما يقول، ويضيف أنه كان في حالة أسوأ ولولا وقوف عائلته والأقارب والأصدقاء إلى جانبه لما تجاوز ما كان يعيشه، مشيراً إلى أن وضعه النفسي أثر على عائلته أيضاً.
وتحدث خالد عن معاناته التي لم تنته حتى بعد تركيب رجل اصطناعية له، التي حصل عليها بعد محاولات ومراجعات للأطباء والمراكز الطبية الموجودة بالقرب من الحدود التركية ولم تكن من النوعية الجيدة؛ فهو لم يتمكن من المشي أو الوقوف بالقدم الاصطناعية، وأنه بالكاد يستطيع التحرك بها، على الرغم من تأكيد الأطباء أنها من أفضل الأنواع.
ورغم أن خالد راجع منظمة أخرى مختصة بالأطراف الاصطناعية لعله يستطيع استبدالها بأخرى أفضل، غير أن رد الطبيب أكد له أنه لا يمكن مساعدته، وهو ما أصابه بحالة من اليأس والإحباط.
وتساءل: «إذا كان العالم غير قادر على وقف المجازر التي يرتكبها النظام السوري بحق شعبه، وغير قادر على تقديم المساعدة الطبية للشعب السوري، أفلا توجد في العالم كله منظمة قادرة على أن تتحمل مسؤولياتها وتقدم أطرافاً اصطناعية بجودة عالية، ومساعدات طبية ومالية للمتضررين من الحرب؟».
القدس العربي