يعتبر الشاب محمد سلامة نموذجا فريدا في الحالة السورية. فهو من القلائل الذين لم يصطلوا بنار الطائفية كما حددها ورسم خطوطها النظام السوري، بل استطاع أن يثبت أن قضية الطائفية إنما هي حالة ليست بالضرورة أن تكون ملزمة للفرد أو أنها تستطيع أن تبعده عن الغاية السامية في حال أراد ذلك، وأن الحرية ليست حكرا على فئة أو طائفة بعينها إنما يستطيع أي إنسان أن يكون حرا وأن يكون إنسانا متى أراد ذلك.
ولعل هذا الأمر هو ما دفع محمد، البالغ من العمر 16 عاما، للتخلي عن طائفته التي تمثل النظام والانضمام إلى صفوف المعارضة، إذ قام بتسليم سلاحه وذخيرته للثوار عند دخولهم قريته المحروسة في ريف حماه الشرقي في معركة الجسد الواحد التي شنها الثوار قبل أكثر من عامين على القرى العلوية الموالية في ريف حماه الشرقي غير آبه بكل ما سمعه وما قيل له عن الثوار، وغير خائف من انتمائه للطائفة العلوية. وقالمحمود أبو العبد، أحد أصدقاء محمد والمقربين منه في حديث خاص لـ»القدس العربي»: «بينما استطعنا السيطرة على قرية المحروسة بشكل كامل، تفاجأنا بشاب صغير يقول لنا: ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ الكل كان يظنه واحدا من شباب الثوار الذين دخلوا القرية. ولكن ما لفت انتباه الجميع أنه قال: «أنا علوي من أبناء القرية وهذا سلاحي وذخيرتي أسلمها لكم. فماذا علي أن أفعل».
ويتابع حديثه قائلاً: «فقمنا باصطحابه معنا إلى أحد مقراتنا، ولكن لم نستطع الوثوق به من البداية فتم تحويله إلى السجن لفترة من الزمن. وعندما ظهر لنا أنه مقتنع بانشقاقه عن طائفته ثم بدأ يتحدث عن موقفه من الطائفة، إذ أكد محمد أنه لم يكن مقتنع بكل ما يقوم به النظام بحق الشعب السوري، وأنه كان يشعر بظلم كبير تقوم به طائفته باسم النظام وبحجة حماية الوطن ومحاربة الإرهاب، ولكنه لم يكن يستطيع فهم الواقع الذي يجري بشكل صحيح، ثم ان رواية النظام والطائفة عن المسلحين والعصابات الإرهابية التي ليس لها هدف إلا القضاء على العلويين في سوريا وذبح رجالهم وسبي أطفالهم ونسائهم تبددت لدى محمد مع دخول الثوار لقرى العلويين في ريف حماه».
ويشير المصدر الى أن محمد قال ان تعامل مقاتلي المعارضة مع المدنيين يختلف تماما عما روج النظام له في وقت سابق، فاستطاعت كل هذه الوقائع أن تؤكد قناعة محمد التي كان يتخللها الشك والريبة وأن تدفعه للانضمام لصفوف الثوار. لم يقطع محمد تواصله مع أقربائه من الطائفة العلوية، وكان دائما يدعوهم إلى ترك النظام والالتحاق بصفوف الثورة، «ويدحض لهم كل ادعاءات النظام وأكاذيبه التي ما يزال يرددها على مسامع أبناء الطائفة العلوية، ويوهمهم بأنهم المستهدف والضحية في حال أنهم تخلوا عن النظام، واستطاع أن يقنع أخاه وأمه اللذين انضما إليه في مكان إقامته في ريف إدلب ليكونوا أول المنشقين عن صفوف الطائفة العلوية»، بحسب المصدر.
انضم محمد لحركة «أحرار الشام» وكان مقاتلا شرسا على حد وصف زملاءه في الحركة، وقد شارك في القتال ضد القرى العلوية في ريف إدلب وحلب. وبحسب رفاق محمد فإنه «لم يتأخر عن أي معركة شنها الثوار ضد قوات النظام، ولم يعد يعتبر الطائفة العلوية إلا أنها سبب في كل الجرائم التي يرتكبها النظام في سوريا نتيجة انخراط الطائفة ووقوفها مع النظام بشكل كامل».
ويؤكد رفاق محمد أنهم كانوا يستغربون من تصرف محمد عندما يطلب منه قائد المجموعة عدم الذهاب إلى المعركة، إذ كان يبدو عليه الحزن وكان دائما ما يبكي بكاء شديدا ويتوسل القادة للسماح له بالذهاب إلى المعارك إذ أنه لم يتخلف عن أية معركة منذ انضمامه إلى صفوف حركة «أحرار الشام» إلى أن قتل في معارك حلب الأخيرة يوم الأمس.
«القدس العربي»: أحمد عاصي