جلبت المواجهات الأخيرة في حلب ومحيطها معاناة جديدة للسوريين الذين فروا بالآلاف نحو الحدود التركية المغلقة منذ عام تقريباً. ونتجت موجة الرحيل هذه بعد هجوم مقاتلي تنظيم «الدولة» على مخيمات للاجئين وحاولت إجبار سكانها الإنتقال للمناطق الواقعة تحت سيطرته فكان رد لاجئين في 10 مخيمات الهروب باتجاه بلدة أعزاز الحدودية التي استقبلت أكثر من 30.000 لاجئ منذ بداية العام الحالي.
ويصف لاجئون فروا من مخيم آكدة في شمال حلب، الوضع الذي يعانونه وقال أحدهم لصحيفة «الغارديان» إنهم فروا باتجاه الحدود التركية التي ظنوا أنها ملجأ لهم وواجهوا رصاص حرس الحدود. وقالوا إن الحدود أصبحت حاجزاً يريد إعادتهم للجحيم الذي فروا منه.
وبدأت الموجة الجديدة للجوء عندما دخل تنظيم «الدولة» معسكرات في شمال حلب رداً على التقدم الذي حققته قوات تابعة للجيش السوري الحر اقتربت من بلدة دابق التي تعتبر مهمة له حيث يعتقد أنها ساحة المعركة الأخيرة بين الخير والشر.
وفاجأ رد التنظيم وحدات المعارضة التي قالت إنها لم تكن تخطط لدخول دابق بل كان هدفها منبح الواقعة في الطريق بين بلدة الباب والرقة الواقعتان تحت سيطرة الجهاديين.
ونقلت الصحيفة عن قيادي في المعارضة المسلحة قوله «كنا نعرف أن القتال من أجل دابق سيكون جنونياً ولهذا لم نهتم بدخولها». وسيطرت مجموعة هذا القيادي على بلد الراعي لفترة قصيرة قبل أن يستردها التنظيم. وأضاف القيادي أن دابق لم تكن هدف عمليات الجيش السوري الحر ولكن «الهدف كان شرق ما يعرف بالخلافة». وذكر كل من إيان بلاك ومارتن شولوف في تقرير بـ»الغارديان» أن حوالي 10 معسكرات للمشردين في بلادهم تعرضت لهمجمات مقاتلي تنظيم «الدولة».
وجاءت التطورات الأخيرة على خلفية استئناف المحادثات في جنيف وتعبير المعارضة السورية عن استعدادها للمشاركة في حكومة انتقالية تضم رموزاً من حكومة الأسد ولكن ليس الأسد نفسه. وهي محاولة من المعارضة لانتهاز الفرصة والتعبير عن التزامها بتسوية في وقت يعقد فيه النظام انتخابات برلمانية ويرفض القبول بحكومة إنتقالية.
ويتزامن التقدم لمقاتلي تنظيم «الدولة» مع عملية عسكرية تقودها قوات موالية للنظام ومدعومة من الطيران الروسي وميليشيات شيعية لاستعادة حلب. ويهدد هذا بانهيار الهدنة الهشة التي تم التوافق عليها بين الأمريكيين والروس. وشهدت الساحة السورية تطوراً آخر يتعلق بموقف السكان من «جبهة النصرة» التي تسيطر على محافظة إدلب.
مصاعب «النصرة»
ففي تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» أعده هيو نيلور قال فيه إن «جبهة النصرة» القوية التي تفوقت على الفصائل المعتدلة التي تواجه قوات النظام أدت لرد فعل سلبي بات يؤثر على قوتها العسكرية. فقد احتج سكان محافظة إدلب على السياسة المتشددة التي تمارسها الجبهة الموالية لتنظيم القاعدة ضدهم.
واضطر المقاتلون التابعون لها للإنسحاب من بلدة خاضعة لسيطرتها بعد تزايد السخط نتيجة لهجوم شنته على جماعة معارضة تحظى بدعم من الولايات المتحدة. ولأنها قامت بتفريق تظاهرات معادية للنظام.
ومع أن الحرب الأهلية السورية أدت لتعزيز الجماعات الراديكالية المتشددة إلا أن زيادة حالة الإحباط ضد الجماعات الإسلامية تعني أن الأصوات المعتدلة لم يتم إسكاتها حسب الصحيفة.
وكشفت سلسلة من الهزائم تكبدها تنظيم «الدولة» و»جبهة النصرة» عن ضعف هذه الجماعات وأنها ليست عصية على الهزيمة. ونقل التقرير عن الأكاديمي فواز جرجس، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مدرسة لندن للإقتصاد قوله إن مظاهر الإحتجاج العامة غير المسبوقة والغضب والمقاومة لحكم «جبهة النصرة» قد تتطور بسهولة إلى ثورة عامة. وتحدث الكاتب عن محاولات الجبهة إنشاء نظام إسلامي يحل محل النظام السوري العلماني والمعوقات التي جابهتها. فقد انشق عدد من أفرادها إلى تنظيم «الدولة» الذي أعلن في عام 2014 عن «خلافة» في المناطق التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا.
وعانت الجبهة من غارات النظام السوري والطيران الأمريكي ومن ثم الطيران الروسي الذي جاء لنجدة حكومة بشار الأسد بعد سلسلة من الهزائم التي تكبدها نظامه العام الماضي ومنها خسارته مدينة إدلب وتدمر وجسر الشغور.
ومع ذلك فقد استفادت الجبهة من دروس تنظيم القاعدة في العراق وتجنبت قدر الإمكان إغضاب السكان أو تبني سياسات كتلك التي يتسم بها مقاتلو تنظيم «الدولة».
واستطاعت الحصول على دعم كثير من السوريين كقوة عسكرية فعالة ضد قوات الأسد. وكوّن مقاتلوها السوريون والأجانب سمعة طيبة بين السكان كرجال مخلصين.
واستطاعوا بترسانتهم العسكرية القوية هزيمة فصائل معارضة أخرى متهمة بالفساد أو ضعيفة بما فيها فصائل كانت تتلقى الدعم العسكري من الولايات المتحدة وحصلت على صواريخ مضادة للدبابات.
ومع ذلك وجدت فصائل أخرى نفسها متحالفة بشكل مباشر أو غير مباشر مع مقاتلي «النصرة» حيث خاضوا معارك ضد قوات النظام السوري. فيما تجنبت فصائل أخرى المواجهة معها نظراً للثمن الباهظ الذي يترتب عليها كما يقول أيمن التميمي الباحث في منبر الشرق الأوسط. ويرى نيلور أن الجبهة تخسر الدعم الشعبي في المناطق التي تمارس فيها تأثيراً واضحاً. ويتهم السكان عناصر الجبهة بتطبيق تفسير متشدد للشريعة ومنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة وإعدام الذين يرتكبون الزنا والسيطرة على الممتلكات التي تعود لغير المسلمين.
وأثار مقاتلو التنظيم في الصيف الماضي جدلاً واسعاً عندما قاموا بالهجوم على قرية يعيش فيها دروز وقتلوا عدداً منهم. ونقل نيلور عن ناشط في إدلب قوله «نشعر بحالة اختناق لأن «النصرة» صارت تتصرف كداعش».
معرة النعمان
ويشير كاتب التقرير إلى أن المحفز للمصاعب التي تعاني منها «جبهة النصرة» هو اتفاق وقف إطلاق النار الذي استثناها منه وأدى لخروج المواطنين للتظاهر من جديد ضد نظام بشار الأسد.
ويرى أندرو تابلر، الزميل الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن اتفاق «وقف الأعمال العدائية» كان محاولة لزرع وتد بين السوريين والجماعات المتشددة ويبدو أنه نجح.
ويفسر تابلر قائلاً أن «جبهة النصرة» تشترك مع المعارضة السورية المعتدلة في هدف الإطاحة بنظام الأسد إلا أن الهدنة كشفت عن الخلافات بينهما. وظهرت بشكل واضح في تظاهرات قام بها سكان في معرة النعمان حيث ردت الجبهة بالهجوم على التظاهرات وفرقتها.
وقامت في اليوم التالي باستهداف فصيل ساهم بتنظيم التظاهرات وهي الفرقة 13 واعتقلت عدداً من أعضائها وصادرت أسلحة منهم. ورد السكان على الهجوم بمحاولة الدفاع عن الفرقة ومقاتليها وقاموا بالهجوم على بناية استخدمتها الجبهة وطردت عناصرها منها وحطمت الرايات والرموز الأخرى للجبهة.
ونشر الذين شاركوا في الهجوم صوراً على مواقع التواصل الإجتماعي وهم يحرقون المنشآت.
ويقول متحدث باسم الفرقة 13 إن السكان ردوا على الضغط من الجبهة بتظاهرات قد تتطور إلى ثورة شاملة ضدها في حالة ظل استمر وقف إطلاق النار. ونقل نيلور عن محام في معرة النعمان قوله إن تنظيم «الدولة» يتظاهر بأنه لا يشبه داعش مع أنه كذلك «وهو ما يجعلهم منافقين».
بانتظار الموصل
ولا تقتصر ردة الفعل على «جبهة النصرة»، فتنظيم «الدولة» عانى في الآونة الأخيرة من نكسات وتكبد هزائم بدرجة قالت فيها الحكومة الأمريكية التي تقود الحملة الجوية ضده بأنه فقد الزخم وبات في وضع دفاعي.
وأعلن المتحدث باسم القوات الأمريكية في العراق العقيد ستيف وارن عن بدء المرحلة الثانية من الحملة ضد الجهاديين. فقد ركزت المرحلة الأولى على إضعاف قدراتهم وستقوم الثانية بتفكيكهم أما الثالثة فستكون مرحلة القضاء عليهم. وهذا لا يعني سقوط عاصمته في العراق قريباً. وترى مجلة «إيكونوميست» في عددها الأخير أن الحملة ضد التنظيم في الموصل قد بدأت. وتعلق أن الحملة العراقية التي بدأت في 24 آذار/مارس لاستعادة الموصل لم تكن موفقة أولاً.
فرغم قيام قوات مكونة من 5.000 جندي عراقي باستعادة عدد من القرى إلا أن الهجوم المضاد الذي نفذه 200 من مقاتلي التنظيم أدى لسيطرتهم من جديد على بلدة الناصر وسقوط 20 جندياً عراقياً وجندي مارينز نتيجة لصواريخ أطلقت على القاعدة التي أنشئت لتقديم الدعم المدفعي للعراق، في إشارة إلى عمق التورط الأمريكي في الحرب ضد تنظيم «الدولة». وتشير المجلة إلى أن القادة العراقيين يتحدثون بإيجابية عن إمكانية استعادة مدينة الموصل في نهاية العام الحالي.
وتعتبر المدينة التي كان يسكن فيها حوالي مليوني شخص قبل اجتياح التنظيم لها عام 2014 جائزة كبيرة ومفتاحاً لاستعادة الحكومة السيطرة على محافظة نينوى. إلا أن النكسة في النصر كانت بمثابة صحوة. فمن أجل استعادة البلدة تحتاج الحكومة إلى تجنيد أبناء عشائر وقوات محلية.
ويرى المحللون العسكريون أنه لا إمكانية لاستعادة الموصل قبل عام 2017 . وبحسب العقيد المتقاعد مايكل بريجنت والذي عمل مستشاراً لقوات البيشمركه في الموصل أثناء عملية زيادة القوات الأمريكية عام 2007 ويعمل الآن بمعهد هدسون إنه لم يتم بعد بناء قوة كافية لاستعادة المدينة.
وتقدر مصادر في البنتاغون حجم القوة المطلوبة بحوالي 40 ألف مقاتل. وتقول المجلة إن المشاكل كبيرة ونابعة من تعزيز تنظيم «الدولة» لقواته في الموصل والتي تقدرها المخابرات العراقية بحوالي 10.000 مقاتل مع أن الأمريكيين يعتقدون أن العدد أقل بسبب الضغوط الي يتعرض لها التنظيم من الطيران الأمريكي.
ومهما كان عدد المقاتلين فقد كان لدى التنظيم الوقت الكافي لبناء دفاعات متعددة حسبما يقول بيريجنت.
ورغم وجود قوات بيشمركه قادرة مرابطة شرق الموصل إلا أنها ليست مهتمة بالمشاركة في تحرير المدينة التي لا تعتبر جزءاً من مناطق الأكراد ولخوفهم من إثارة ردة فعل السكان السنة.
والأمر نفسه ينسحب على القوات المعروفة بالحشد الشعبي الذي يقول قادته إنه لا يمكن استعادة المدينة بدون مشاركتهم. إلا أن قوات الأمن العراقية التي استعادت مدينة الرمادي عاصمة الأنبار بداية هذا العام استبعدت وتحت ضغوط أمريكية مقاتلي الحشد الشعبي. في محاولة لعدم تكرار عمليات الإنتقام الطائفية التي شاب الحملة لاستعادة مدينة تكريت في ربيع العام الماضي.
وأشارت المجلة لمخاطر أخرى تتعلق بنشر الحشد الشعبي في معركة الموصل وكشفت عنها دراسة استطلاعية نظمتها شركة استطلاعات عراقية وضمت 120 مشاركاً من الموصل. وقالت نسبة 74% أنهم لا يريدون تحرير مدينتهم على يد جيش عراقي شيعي فقط. وقالت نسبة 100% إنهم لا يريدون التحرر على يد ميليشيات شيعية أو كردية. وهذا لا يعني أن سكان الموصل يدعمون تنظيم «الدولة». فبحسب استطلاع نظم في كانون الثاني/يناير وكشف الإستطلاع أن 95% من سنة العراق يعارضون الجهاديين.
ويظهر الإستطلاع أنهم خائفون من المحررين المحتملين بقدر خوفهم من القوة التي تضطهدهم. ومن الحلول المقترحة هي دمج قوات سنية في الحشد الشعبي لكن تحقيق التوازن سيكون صعباً في قوة مكونة من 120- 160 ألف مقاتل.
ويرى بيريجنت أن القوة التي يجب أن تدخل الموصل في النهاية يجب أن تكون سنية. ويقترح تجنيد قوات سنية من الجنود العراقيين الذين تم فصلهم من الجيش العراقي السابق. ويعتقد أن هناك 50.000 جندي يعيشون في مخيمات اللاجئين وسيرحبون بالمشاركة إن حصلوا على رواتبهم من جديد. ومن المسائل المرتبطة بعملية تحرير الموصل هي الدور الأمريكي.
فقد قالت البنتاغون إنها تريد بناء قواعد مماثلة كتلك التي تعرضت لهجمات الشهر الماضي.
وتقدم أشتون كارتر، وزير الدفاع وجوي دانفورد قائد هيئة الأركان المشتركة بخطط تضم من بين عدة أشياء قوات خاصة جديدة ومروحيات قتالية يمكن أن تعمل من قاعدة جوية في مدينة إربيل. وكل هذه الخطط مرتبطة بموافقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نشر القوات خاصة أنه أكد على عدم إرسال قوات برية إلى العراق. وهناك إشارات عن استعداده للموافقة على نشر قوات كافية للمساعدة على استعادة الموصل. وربما انتظر قرار الموافقة انتخاب الرئيس المقبل للولايات المتحدة.
ولاحظ باتريك مارتن من معهد دراسات الحرب في واشنطن أن سلسلة العمليات الإنتحارية التي نفذها داعش في جنوب البلاد تشير إلى محاولة لزعزعة استقرار البلاد، مما سيجبر حكومة حيدر العبادي والحشد الشعبي على التقليل من العمليات في الشمال.
ويعرف تنظيم «الدولة» أن سقوط الموصل يعني نهاية «دولته» في العراق ولهذا فهو مصمم على تأجيل المعركة الأخيرة قدر الإمكان.
وقد تتداعى سيطرته الدموية على الموصل لكن لا أحد يعرف كيف ومتى؟ وفي هذا السياق اقترح قائد القوات الأمريكي السابق في العراق ورئيس هيئة الأركان المشتركة في محاضرة له في معهد الدفاع عن الديمقراطيات يوم الأربعاء أن تحرير الموصل يحتاج إلى 50.000 جندي معه ان لم يحدد من أين سيتم تجميعهم.
إنهاء الطائفية
ويرتبط بمسألة تنظيم «الدولة» و»جبهة النصرة» أمر آخر هو الطائفية التي تؤخر تحرير الموصل وتؤثر على الحالة السورية.
ففي مقال كتبه بريان دولي، مدير «المدافعون عن حقوق الإنسان» في «هيومان رايتس فيرست» (حقوق الإنسان أولاً) أكد فيه على أهمية معالجة المسألة أولاً قبل التوصل لسلام هي مسألة «الطائفية» ففي تعليق نشره موقع «فورين أفيرز» جاء فيه أن المسألة الطائفية في سوريا تقدم وكأنها مشكلة غير قابلة للحل ونابعة من الخلافات القديمة.
ويقول إن الأبحاث الجديدة تظهر أن المشكلة الطائفية لا تبدو كذلك، أي غير قابلة للحل. ففي عام 2015 قامت منظمة غير حكومية في العاصمة البلجيكية بروكسل بدراسة مسحية شارك فيها 2.500 سوري من أجل استطلاع آرائهم حول مسألة الطائفية. وقام 40 باحثاً بإجراء مقابلات شخصية مع سوريين في مناطق مختلفة من البلاد في دراسة تعتبر الأولى من نوعها. وكشفت نتائج الدراسة أو بعضها عن مواقف إيجابية.
وقالت نسبة 19% من المشاركين بمن فيهم 24% من النساء المشاركات أن سوريا لا تعاني من مشكلة طائفية. وقالت نسبة 64% من المشاركين أنهم ينظرون لأنفسهم كـ «طائفيين إلى حد ما».
وعبرت غالبية مكونة من 80% عن رفضها للفكرة التي تقول إن الطائفية في سوريا «هي مشكلة قديمة لا يمكن تجنبها». وترى نسبة 65% أن الطريقة المثلى للتغلب على الطائفية هي نشوء نظام سياسي يقوم على المواطنة والمساواة أمام القانون مقارنة مع 14% طالبوا بقيام حكم إسلامي و 9% دعت لتقسيم البلاد.
ويعلق دولي أن معظم السوريين لديهم هويات متعددة، وهم يرون أن هوياتهم المحلية أو الوطنية هي أهم من هويتهم الطائفية التي يعرفون من خلالها في المرسلات الإعلامية الغربية. فقد شاهد السوريون ما يمكن أن تفعله الطائفية من تدمير للعلاقات الإجتماعية ولديهم أسبابهم الحقيقية لرفضها.
ويشير الكاتب هنا للتركيبة السكانية السورية التي يمثل فيها السنة الغالبية إضافة لنسبة 12% من العلويين و 10% من المسيحيين و3% من الدروز.
وتأتي المعارضة من النظام من الغالبية السنية أما الأكراد الذين يمثلون 10% من السكان فهم لا يعبرون عن اهتمام فيمن سيدير البلاد بقدر ما يهمهم تأمين مناطق للحكم الذاتي. ورغم ما شهدته السنوات الماضية من رهبة وترويع إلا أن هذا لا يمنع من تعاون العناصر السكانية السورية هذه على بناء سوريا متعددة. فالطائفية كما تظهر الدراسة ليست نابعة من السكان ولكن من الرئاسة السورية- بشار الأسد ومن حوله- وقوات الدفاع الشعبي الممولة والمدربة من إيران وحزب الله وتنظيم «الدولة».
ووصف المشاركون هذه الجماعات بالطائفية أو الطائفية بشكل مفرط. ووصفت نسبة أقل من 20% من المشاركين النظام القضائي عبر هذه الرؤية وهو ما يمنح أملاً في بناء نظام عدلي يوثق به في مرحلة ما بعد النزاع.
ويشير الكاتب هنا إلى دروس نزاعات ماضية مثل آيرلندا الشمالية التي كان ينظر إليها كحالة حرب ميؤوس من حلها يتنازع فيها الكاثوليك مع البروتستانت. وسقط ما بين 1970 – 2005 حوالي 3.500 شخص.
وتم التوصل لتسوية برعاية إدارة بيل كلينتون حيث وافقت الأطراف الآيرلندية والحكومة البريطانية على توقيع اتفاقية «الجمعة السعيدة» عام 1998. ومنحت كل الأطراف أملاً بحيث اختفى النزاع الطائفي الذي كان عصياً على الحل قبل الإتفاقية.
ويرى الكاتب أن نتائج الدراسة المسحية تشير إلى إمكانية تحقيق النتائج في سوريا نفسها. وكل هذا مرهون باتفاق يعترف بمناطق الحكم الذاتي المحلية والإقليمية ويعد بإصلاح المؤسسات الأمنية بشكل يعكس مصالح المجتمعات التي تقوم بخدمتها.
ومع أن الحرب السورية لا تزال قصيرة مقارنة مع النزاع الآيرلندي الذي بدأ في القرن السابع عشر إلا أن ضحايا الحرب السورية أعلى. وكل هذا بسبب التدخلات الإقليمية التي أسهمت في تأجيج نار الحرب.
ويختم الكاتب بالقول إن الطائفية لا تلبي عادة طموحات السكان على المدى البعيد. فكما لاحظ القائد العسكري الآيرلندي ديفيد إرفين «الطائفية هي مثل البول الدافئ في بنطالك، فهو يعطيك التوهج ولكنه يبرد».
وفي النهاية سيكتشف الناس أن التمييز ضد الآخرين بناء على انتمائهم الطائفي سيؤدي إلى حالة احتقان ويؤثر على السلام.
القدس العربي – إبراهيم درويش