تعرّض مؤتمر المعارضة السورية في الرياض إلى محاولة تأثير عليه من جهة وازنة على الساحة السورية هي حزب «الاتحاد الديمقراطي» الكردي و>وحدات الحماية الشعبية» المقاتلة التابعة له، والذي أقام مؤتمرا موازياً لمؤتمر الرياض في الحسكة، شدّد فيه على «أولوية النضال ضد النظام السوري»، في نوع من المزايدة اللفظية على مؤتمر الرياض الذي صرّح العديد من المشاركين فيه أن هذا الحزب الذي يسيطر على مناطق من سوريا ويقيم فيها شكلاً إدارياً حكومياً، يجب أن يتمثّل في وفد النظام وليس المعارضة.
يشكل هذا الطرف اتجاها مؤثرا في المعادلة السورية، وقد برر مؤتمر الرياض رفض وجوده بعلة ارتباطاته المثيرة للجدل بالنظام وإيران وأطراف أخرى، لكن يحسب للمؤتمر أنه استطاع استدخال «أحرار الشام» في المباحثات، وهي محاولة جريئة لتوسيع بيكار تمثيلية المؤتمر لضمّ أهم الأطراف العسكرية والسياسية الفاعلة، وكان الفشل في هذا الأمر الذي لاح مع إعلان «أحرار الشام» انسحابها من المؤتمر قبل الرجوع عن ذلك، سيؤدي إلى تعقيد أكبر في مشهد معقّد أصلاً، تشارك فيه إضافة إلى الاتجاه القوميّ الكرديّ الرماديّ الموقف من النظام، تنظيمات مستهدفة عالمياً باعتبارها جماعات إرهابية، وعلى رأسها طبعاً تنظيم «الدولة الإسلامية».
بهذا المعنى فإن النتائج التي توصل إليها المؤتمر قدّمت أعلى سقف ممكن لتجمع واسع من الفصائل السياسية والعسكرية السورية مما يعطي مصداقية ذات وزن لهذا التجمع باعتباره الجسم الأكبر للمعارضة السورية الذي يلقى إجماعاً عربياً وإقليمياً وغطاء عالمياً لتحرّكه التفاوضي المقبل.
البيان الختامي الذي أصدره المجتمعون أعاد التأكيد على تطبيق بنود المرحلة الانتقالية معيداً مرجعية ذلك إلى «بيان جنيف 1»، وشدد على مغادرة بشار الأسد «وزمرته» الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية، وعن قبول المعارضة لدور أممي ودولي في الإشراف على وقف إطلاق النار، ونزع السلاح، وحفظ السلام، وتوزيع المساعدات الإنسانية، وتنسيق جهود إعادة الإعمار في سوريا.
غير أن التشديدات على رحيل الرئيس السوري لا تغيّر من واقع أن مفاوضات المعارضة السورية ستكون مع نظام يقبض الأسد على أنفاسه، ومع ذلك فإن دعوة رحيله، إلى كونها مطلباً أساسياً للمعارضة وحلفائها الإقليميين والدوليين، فإنها تكتسب قوّة أخلاقية كبرى بوصفه مسؤولاً مباشراً عن المآل الكارثيّ لسوريا، وهي أيضا دعوة للقوى القادرة على التأثير في النظام، وبالتحديد روسيا وإيران لإيجاد مخرج لهذا الاستعصاء السياسي البنيوي الذي لا يمكن تجاهله، والذي سيكون خزان تفجير لأي إمكانية تقدم في حلّ الأزمة السورية سياسيا.
حلفاء الأسد، من جهتهم، ما زالوا يعتبرون أن التقدم على الأرض هو الذي سيحدد مصير المفاوضات (والأسد)، وما انفكوا يقصفون بعنف تجمعات المعارضة السورية، ويستعرضون إمكانياتهم العسكرية وقدراتهم على هزّ النظام العالمي، ويدخل في ذلك نفي روسيا «ضرورة استخدام سلاح نووي ضد الإرهابيين»، وتحريكها للنزاع بين أرمينيا وأذربيجان (وهي دولة ذات أغلبية شيعية ولكنها على خلاف مع إيران)، ونشرها قوات لها على الحدود التركية من جهة أرمينيا، ومحاولاتها لإضعاف التأثير التركي في الشأنين السوري والعراقي.
كل ذلك يعني أن المفاوضات ونهر الدماء سيسيران بتواز مرعب، وسيكون أي وقف إطلاق للنار، من دون قرار أممي قادر على إلزام القوة العظمى روسيا بوقف عملياتها العسكرية ضد المعارضة السورية، بناء على سراب.
القدس العربي