في أحاديثهم المعتادة عن الجوع والحصار، يقف العديد من أهالي الغوطة الشرقية منتظرين أمام آبار المياه جنباً إلى جنب، والعرق يتصبب منهم تحت أشعة الشمس الحارقة.
هؤلاء المحاصرون اعتادوا العيش في ظروف لا يمكن أن يتخيلها من هو خارج عن نطاق حياتهم، كهرباء مقطوعة منذ أكثر من سنة ونصف، والوقود اللازم لتشغيل المولدات موجود بقلة وبأسعار باهظة الثمن لا يمكن لمواطن عادي أن يشتريها، وبالتالي لا يتمكن من توفير الماء لمنزله الصغير، فيضطر المواطن لحمل أوعيته و الوقوف ساعة كاملة وربما أكثر أمام طابور المياه.
سريع الذوبان
تحمل أم علاء إحدى سكان مدينة دوما أوعية صغيرة لا تملك غيرها، وتذهب بصحبة أطفالها إلى الزاوية المقابلة لمنزلها حيث يتواجد فيها بئر للماء، يصطف أمامه أفراد كثر من النساء والأطفال والرجال.
تقول «تخيلي نفسكِ تملأين مياه بيتكِ عن طريق وعاء كم ستنتظرين؟» وتضيف أنها كانت تستغرق وقتاً طويلاً وهي تقوم بتلك العملية قبل شهر رمضان، أي قبل أن يكون هناك ازدحام، فكيف سيكون الأمر مع كل هذه الجموع من الناس المنتظرين مثلها.
بيد أن «أم علاء» قد نسيت ما يسمى بالماء البارد هي وعائلتها، فليس لديها القدرة لتشتري يومياً حتى قطعة ثلج صغيرة وقد وصل سعر اللوح الواحد ما إلى 1800 ليرة سورية أي 12 دولار، إضافة لكون الثلج المباع في الأسواق سريع الذوبان وفق ما أشارت، فلا ثلاجات في المنازل، ومن جهة أخرى فالألواح هذه مصنوعة عن طريق «المكيفات» بما يسمى «التبريد بالصعق»، وهي طريقة تحـول الماء بشكل سريع إلى ثلج وبالتالي توفر الكثير من الوقود اللازم للمولدات، ولذلك فهي ليست كغيرها من الثلج العادي المعروف الذي يمكن حفظه طويلاً.
لا أحد يصدق
لا أحد يصدق لمى المدرّسة الابتدائية حين تقول لأصدقائها عبر «سكايب» أنها تعود من عملها إلى المنزل لتكمل صيامها على انقطاع الكهرباء طيلة اليوم، لا مكيفات تبريد ولا مروحة ولا ماء للاستحمام أكثر من مرة في الأسبوع ولا شيء يخفف الحر.
تقول ضاحكة كمن تداركت أمراً «توجد مروحيات من نوع واحد فقط، هي التي تدور فوق رؤوسنا يومياً لتخلصنا عبر غاراتها من عنائنا اليومي، أي طائرات النظام السوري التي ربما تدور في رمضان لتحرك لنا الهواء». ناهيك عن القبو المظلم العابق التي تقضي خلاله لمى مهنتها اليومية مع عشرات الأطفال الجائعين لتعود وقت الظهيرة إلى بيتها الأشد حراً.
وقد يعتقد البعض من أصدقاء لمى وكثيرون غيرهم أنـها تمتلك الكهرباء لمجرد أنها تتواصل عبر الانترنت، تقول موضحة أنها تقوم باستخدام حاسوب شخصي مشحون يومياً عن طريق مولدة صغير تعمل نصف ساعة، او عبر البطاريات، دائماً تجتهد لمى في إيصال يومياتها لأصدقائها دون جدوى، لأن حياتها كما تقول أصعب من أن يتصورها العقل البشري الذي اعتاد العيش على مقومات الحياة العادية، والتي ينحرم منها سكان الغوطة الشرقية اليوم».
ولا يحق لمواطن يعيش في الغوطة الشرقية المحاصرة أن يقول أنه متعب من الصيام وفق ما يقول المواطن أحمد لأنهم صائمون على وجبة وحدة يومياً وربما خلال يومين منذ أكثر من سنة، فهم في الحقيقة اعتادوا على الجوع والمشقة، لكن ما يزيد الطين بلة هو الحر الشديد، وافتقار أجساد أولئك المحاصرون للغذاء والدواء مع اشتداد أشعة الشمس فوق رؤوسهم وافتقارهم للقوة الجسدية حيال نقص البروتينات والفيتامينات التي لم تـتلقاها أجسادهم منذ زمن بعيد، إضافة لزيادة أعبائهم وأعمالهم اليومية من خلال تحديد وقت واحد للطعام، و هذا ما يجعل البلاد مزدحمة في أوقات معينة وبالتالي فهذا ما يزيد شقاء الأهالي ويضيف إليهم عناء آخر فوق عنائهم.
وبسخرية ينهي أحمد حواره متسائلاً أن الهدف من الصيام هو الإحساس بالجياع والفقراء ويضيف «لا أحد جائع أكثر منا ولذلك أنا أسأل نفسي دائماً لماذا نصوم؟».