تصادفت يوم أمس 21 آب/ أغسطس ذكرى حدثين، الأوّل يطال المقدّس، وهو حرق المسجد الأقصى عام 1969، والثاني يطال البشر وهو استهداف منطقة سكّان غوطة دمشق بالسلاح الكيميائي عام 2013.
أصاب الحدث الأول منبر صلاح الدين الأيوبي ومسجد عمر ومحراب زكريا ومقام الأربعين وأروقة وأعمدة وقبة ومحرابا وجدارا ونوافذ وسجّادا وجسورا وقامت إسرائيل بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في يوم الحريق وتعمّدت سيّارات الإطفاء الإسرائيلية التأخر فجاءت سيارات إطفاء عربية من الخليل ورام الله.
أما الحدث الثاني فطال 1466 مدنيّاً واستخدمت فيه قوات الحكومة السورية (اللواء 155 المتمركز في منطقة القلمون) غاز السارين في توقيت تقصّدت منه إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا.
في الحدث الأول استُهدف تراث إنسانيّ عامّ ولكنّه اختُزل إلى كونه انتهاكاً لقدسيات المسلمين، وكان الذي نفّذه سائحا أسترالي الجنسية ادّعت تل أبيب بعدها أنه مختلّ عقليّا (الادعاء المحجوز على ما يبدو للإرهابيين من جنسيّات VIP غير عربية والذين يستهدفون العرب والمسلمين) وتم ترحيله إلى بلاده.
في الحدث الثاني استُهدفت الإنسانيّة أيضاً لكنّه صار محلّ تلاعب هائل للعالم وكان المستفيد الأوّل منه، مرّة أخرى، إسرائيل فتناست إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطّها الأحمر الشهير الذي رفعته ضد استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وساهمت روسيا بالسمسرة لصفقة سحب ورقة الحرب الكيميائية التي كان يمكن أن تهدّد إسرائيل من يد بشار الأسد، فأخرجته بذلك من تبعات جريمته ضد البشريّة وحفظت شرعيّته وأطلقت يده الأخرى لتستمر بإبادة السوريين بكل الأسلحة الأخرى الممكنة.
في الحدث الأول صرّح المنفّذ أنه قام بالحريق مدفوعاً بنبوءة في «العهد القديم» وأن ذلك كان واجباً دينياً عليه فعله، نفذه كمبعوث من الله، فإذا أخذنا في الاعتبار أن هذا حصل قبل 47 عاماً ورأينا كيف تصرّفت إسرائيل يومها وكيف تتصرف اليوم وربطنا كل ذلك بتصاعد نزعات التطرّف في العالم حاليّاً واختلاط جبهات الإرهاب بجبهات الإرهاب المضادّ لقرأنا بعضاً من الأسباب العميقة لمرض العالم وعلاقتها بالنتائج.
في الحدث الثاني، وإضافة إلى الظلّ الإسرائيلي الذي حمى النظام السوريّ أراد بعض اللاعبين الصغار أن يختطفوا لهم مكاناً في صفقة بيع الأطفال والنساء والعجائز الذين ماتوا فجأة فطلع صالح مسلم رئيس «الاتحاد الديمقراطي» الكردي (ذراع حزب العمال الكردستاني التركيّ في سوريا) بتبرئة للنظام واتهام المعارضة السورية (التي كان يدّعي أن حزبه منها) بقصف نفسها بأسلحة كيميائية لا تملكها، فكان الطرف الداخليّ الوحيد من خارج السلطة الذي برّأ نظاماً أنكر في البداية حصول الحادثة قبل أن يدخل مقاولة تسليم أسلحة الموت للأمم المتحدة مقابل وقف الهجوم الأمريكي عليه.
وبعد 47 عاماً على حرق الأقصى و3 سنوات على مجزرة السلاح الكيميائي في ضواحي دمشق نكتشف اليوم خطين أحمرين أمريكيين فاعلين: الأول لحماية إسرائيل التي استفادت من صفقة الكيميائي، والثاني لحماية صالح مسلم وحزبه الذي برأ النظام من جريمته الكيميائية!
لا يتعلّق الأمر بالتأكيد لا بحماية اليهود ولا بحماية الأكراد، بل يتعلّق بحماية «الوظيفة» المناطة بإسرائيل وتلك المناطة بحزب «الاتحاد الديمقراطي» (وبينهما نظام بشار الأسد) ضمن البوصلة العمياء للسياسة الأمريكية التي لا ترى بشراً تحتها بل ترى خططاً «استراتيجية» وأهدافاً للقتل.
دم البشر، للأسف، لا يصنع خطّاً أحمر للعالم ولكنّ المسجد الأقصى، ودماء البشر، ستظل خطوطنا الحمراء التي لن يستطيع أعداؤنا محوها.
القدس العربي