قامت وسائل إعلام عربية تبثّ من الإمارات العربية المتحدة بنشر تصريحات نقلتها عن وكالة الأنباء القطرية (قنا) واعتمدتها أساساً لحملة تحريض سياسية كبيرة ضد قطر ووسائل الإعلام فيها، وعلى رأسها قناة «الجزيرة».
قطر أكدت، من جهتها، أن وكالة الأنباء القطرية تعرّضت لعملية اختراق وقرصنة وأن التصريحات موضوع الحملة، غير صحيحة، لكنّ وسائل الإعلام العربية المذكورة أصرّت على صحتها وتابعت استدعاء ضيوف/خصوم «لمناقشتها» بوتيرة محمومة، وقامت بملء مواقعها الالكترونية بتفاصيلها، بحيث انقلب الأمر من تغطية إعلامية إلى حملة قاسية ضد توجّهات قطر السياسية عموماً استخدمت فيها وسائل التحريض والتأجيج الذي يستهدف تحجيم تأثير هذه الدولة السياسي والإعلامي ضمن المسار الخليجي واستعداء البلدان والنخب والجمهور العربي عليها.
لا يحتاج المتابع للحملة هذه إلى الكثير من التركيز لينتبه إلى وجود العطب الفاضح في أركانها، وعدم اتساقها مع المنطق أو السياق الواقعي للتاريخ المعاصر، فالتصريح المنسوب لوزير خارجية قطر، على سبيل المثال، يهاجم، دفعة واحدة، السعودية ومصر والإمارات والبحرين والكويت ويعلن سحب سفراء بلاده منها ويطالب بمغادرة سفراء هذه الدول خلال أربع وعشرين ساعة، وهو أمر خارج تماماً عن سياق الدبلوماسية القطرية المعروفة بمرونتها الكبيرة وبفتحها خطوطاً سياسية دائمة مع أطراف شديدة التناقض مما جعلها قادرة دائماً على التوسّط أحياناً حتى للولايات المتحدة الأمريكية، وتنجح في حلّ خصومات قديمة وفي إنجاز تسويات وصفقات سياسية لا تستطيع دول أخرى تحقيقها.
ورغم محاولة القائمين على الحملة توريط المملكة العربية السعودية فيها (وهو أمر حققوا فيه نجاحاً مؤقتا تمثل بحجب موقع «الجزيرة» ووسائل إعلام قطرية أخرى) فإن الواضح أن جزءاً منها يعود لحماس وسائل الإعلام هذه لإسكات منافسيها المهنيين، كما يعود لتلبّسها المبالغ في زعم الليبرالية ولكن من دون الالتزام بأركانها الحقيقية: الدفاع عن الآخر المختلف معـــــه أيديولوجيا وسياسيا وعقائديا، ورفض انتهاك الحريات السياسية واحترام الهويّات الثقافية للشعوب العربية، ناهيك عن الأخلاقيات الإعلامية التي تفترض التشدد في البحث عن صدق المعلومة، والحذر من نشر الأنباء غير المؤكدة… والسماح للطرف المختلف معه بالدفاع عن نفسه!
لا يمكن، مع ذلك، استبعاد تأطر الحملة ضمن خلفيّة سياسية، وخصوصاً كونها جاءت بعد القمة الخليجية والعربية الأمريكية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي وسّع الاستهداف من الدائرة الكبيرة التي تضم تنظيم «الدولة الإسلامية» (المتّفق على إرهابيته وخطره على البشرية) وإيران (التي تحتل، عمليّاً، أربع عواصم عربية)… إلى حركة «حماس» الفلسطينية، وهو أمر وجد قبولاً لدى بعض القادة العرب، كما هو الأمر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أشار في خطابه الذي ألقاه على القمة بوضوح إلى ضرورة استهداف «كل المنظمات الإرهابية»، وفي ذهنه طبعاً حربه الضروس ضد «الإخوان» ونظائرها العربية، بما فيها «حماس»، وهو اتجاه يتشارك فيه السيسي و»ليبراليو» الإعلام العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
الحملة، بهذا المعنى، لا تستهدف قطر وحدها، بل تستهدف القضية الفلسطينية أيضاً، وتعمل، في الوقت نفسه، على تكريس أركان الاستبداد في مصر وغيرها، وتعويم المفهوم الإسرائيلي للإرهاب.