بعد أيام من الحشد العسكري والتمهيد الناري بالمدفعية الثقيلة، بدأت تركيا عملية عسكرية ضد تنظيم «الدولة» في مدينة جرابلس داخل الأراضي السورية على الحدود مع تركيا، بمشاركة قوات خاصة من الجيش التركي وآلاف المقاتلين السوريين، وبدعم جوي من طائرات التحالف الدولي والطائرات الحربية التركية التي دخلت الأجواء السورية لأول مرة منذ إسقاط المقاتلة الروسية نهاية العام الماضي.
وسيطر الجيش السوري الحر مساء امس على مدينة جرابلس بعد طرد تنظيم «الدولة الاسلامية» منها.
جاء ذلك فيما قال جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي، أمس الأربعاء، إن بلاده أوضحت للقوات الكردية السورية أن عليها العودة إلى شرق نهر الفرات بعد السيطرة على مدينة منبج السورية حتى تحافظ على الدعم الأمريكي.
أدلى بايدن بهذه التصريحات خلال زيارة إلى تركيا. وقالت أنقرة إنها تتوقع انسحاب المقاتلين الأكراد السوريين عبر النهر بعد انتصار منبج الذي حققته قوات «سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن المؤلفة من مقاتلين أكراد وعرب.
العملية التي أطلق عليها الجيش التركي اسم «درع الفرات» بدأت الساعة الرابعة من فجر أمس الأربعاء، من خلال تنفيذ مئات الضربات المدفعية وعشرات الطلعات الجوية ضد مواقع ومنصات صواريخ لتنظيم «الدولة» على الجانب السوري من الحدود التركية وخاصة في بلدة جرابلس. وقال بيان للجيش التركي إن قرابة 300 ضربة أدت إلى مقتل 46 من مسلحي التنظيم.
وأكدت أنقرة ومصادر أمريكية أن العملية تحظى بدعم جوي من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم، بجانب طائرات حربية من سلاح الجو التركي الذي تجنب دخول الأجواء السورية منذ أزمة الطائرة الروسية، الأمر الذي يؤشر إلى وجود تنسيق عالي المستوى بين أنقرة وموسكو حول العملية التي جاءت بعد زيارات متبادلة بين مسؤولين أتراك وروس وإيرانيين.
وأعلنت مصادر تركية أن القوات المشاركة في العملية سيطرت على أربع قرى كان يتمركز فيها تنظيم «الدولة» منها قرية «ككليجة» التابعة لمدينة «جرابلس» شمالي محافظة حلب والتي تبعد 3 كيلومترات عن الحدود التركية ، و5 كيلومترات عن مركز جرابلس، حيث من المقرر أن تقوم القوات بتأمين محيط القرية استعداداً للانطلاق منها إلى مركز جرابلس.
وبينما قالت وسائل إعلام تركية إن 5 آلاف من مقاتلي المعارضة السورية يشاركون في العملية، لفتت مصادر أخرى إلى أن أعدادهم تتراوح بين ألف وألف وخمسمائة مقاتل من «الجيش الحر» من أصول عربية وتركمانية، تلقوا تدريبات مكثفة داخل الأراضي التركية، ودخلوا من مدينة قرقماش التركية إلى جرابلس السورية.
وفي أول حصيلة للخسائر، أصيب ثلاثة من عناصر «الجيش الحر» المشاركين في العملية بشظايا قذيفة هاون استهدفتهم على الشريط الحدودي وتم نقلهم إلى أحد المستشفيات التركية في مدينة غازي عنتاب، وسقط عدد من القذائف والصواريخ على بعض القرى التركية الحدودية التي أعلنها الجيش التركي مناطق عسكرية مغلقة وأخلى بعضها ومنح موظفيها إجازات.
وواصل الجيش التركي إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية التي شملت دبابات وعربات مدرعة إلى الحدود السورية، حيث وصلت حافلات ضخمة تحمل دبابات ومدرعات، من مدينة اسطنبول والمدن المحيطة بها إلى محطة قطارات «قارتبه» بولاية كوجة إيلي شمال غربي تركيا، لتنتقل عبر السكك الحديدية إلى الحدود السورية.
وانطلقت العملية قبيل ساعات من وصول نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أنقرة، حيث أعلن مسؤول أمريكي أن واشنطن تدعم العملية التركية من خلال مستشارين عسكريين ومهمات مراقبة واستطلاع، معبراً عن دعم أمريكا الكامل لأنقرة في جهودها لتطهير حدودها مع سوريا من مسلحي التنظيم.
وأكد بايدن ضرورة عدم عبور تنظيم «ي ب ك»، الجناح المسلح للذراع السوري لمنظمة «بي كا كا»، إلى غرب نهر الفرات، محذراً من قطع الولايات المتحدة الدعم عن تلك القوات في حال عبرت النهر.
جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، عقب لقاء جمعهما في قصر جنقايا في العاصمة أنقرة.
وقال بايدن إن «على تنظيم (ي ب ك) و(قوات سوريا الديمقراطية) ألا يعبروا إلى الجهة الأخرى للنهر (نهر الفرات) بأي شكل من الأشكال، وفي حال عبروا النهر فإن الولايات المتحدة لن تقدم الدعم لهم».
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقال «إن العملية التي بدأها الجيش التركي صباح أمس الأربعاء، شمالي سوريا، تستهدف المنظمات الإرهابية مثل داعش و»ب ي د»، لافتاً إلى أن العملية تهدف إلى وضع حد للهجمات التي تستهدف تركيا من داخل الأراضي السورية.
من جهته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أنّ الهدف الرئيسي هو إبعاد تنظيم «الدولة» من شمالي سوريا، وإجباره على التراجع نحو الجنوب، مهدداً الوحدات الكردية بالقول «على عناصر «ب ي د» المنضوية ضمن قوات سوريا الديمقراطية التي حررت مدينة المنبج من تنظيم «الدولة»، الانسحاب إلى شرق نهر الفرات بأسرع وقت، وإلا فإننا سنقوم بما يجب فعله لإخراج هذه العناصر من غرب الفرات».
اسماعيل جمال – القدس العربي