انتقادات تركية لاذعة على لسان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو للولايات المتحدة الأمريكية على خلفية اندفاعها بخطى متسارعة في دعم جماعة سوريا الديمقراطية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يعد امتدادًا لحزب العمال الكردستاني التركي الإرهابي متجاهلين عمداً المصالح التركية وخطوطها الحمراء في ما يخص تمدد وحدات حماية الشعب الكُردية إلى غرب الفرات.
لم تكد تمضي بضع ليالٍ على تلك الانتقادات.حتى تمادى الأمريكي أكثر متجاهلاً تلك الانتقادات بأن فتح جبهة جدية في منطقة “منبج” في ريف حلب الشرقي على الحدود التركية السورية.
أتت هذه الخطوة تحت عنوان قطع شريان اتصال تنظيم الدولة مع تركيا ومنع تسرب المقاتلين منها إلى التنظيم، وهذا بحد ذاته تشكيك واتهام مباشر في نفس الوقت لتركيا وجهودها التي بذلتها خلال السنوات الماضية لوقف تدفق سيل المقاتلين الأجانب المتحمسين للانخراط في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية الذي يقاتل في جبهات متعددة في سوريا والعراق.
على الرغم من أن الوزير التركي لم يكتفِ بتوجيه الانتقادات،بل قدم حلولاً كاملة من شأنها الانعكاس ايجاباً لجهة حفظ المصالح القومية التركية وتلبي التطلعات الأمريكية في حربها المزعومة على الإرهاب.فكان أن قال جاويش أوغلو ” إن معارضين سوريين عرباً مسلحون ومدعومون من قبل القوات الخاصة التركية والأمريكية، وكذلك من دول أخرى حليفة مثل ألمانيا وفرنسا، يمكنهم “بسهولة” التقدم باتجاه مدينة الرقة.
لكن السيد أوباما وإدارته الموقرة اكثر انشغالا واصراراً على أن لا تفوت أي فرصة تستفز الجانب التركي، تجلى ذلك بشكل واضح من خلال ردودهم على الانتقادات التركية بالقول أن أمريكا لا تعتبر جيش سوريا الديمقراطية منظمة إرهابية أو ينتمي لحزب العمال الكردستاني وانهم سيستمرون في دعمه.
عملاً بالمثل القائل من بيده القلم لا يكتب نفسه من الأشقياء.
وبكل وقاحة وسذاجة الكون يرتدي جنود أمريكيون بدلات عسكرية وضع عليها شارات جيش سوريا الديمقراطية الذي شكلته أمريكا من عناصر كردية انفصالية وعدد كبير من المرتزقة والقتلة المأجورين من جنسيات متعددة، هذا الفعل “المتعمد” إنحطاط آخر يضاف لجملة ما سبقه من تصرفات قذرة للجنود الأمريكان في العراق وافغانستان.
وبالعودة لتصريح وزير الخارجية التركي السابقة الذكر نجد أنه قال “نحن نقول نعم؛ يجب فتح جبهة جديدة ولكن ليس بمشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي”.
وهنا تجد حجم النفاق الأمريكي بحربة المزعومة على الإرهاب وتلاحظ حجم الإستفزاز للجانب التركي.
ليس فقط في مقام تجاهل المطالب التركية بل في ما نجم عن فتح هذه الجبهة”منبج” من ضغط اللاجئين على تركيا.
على المقلب الآخر يشعر الإنسان السوري المخلص لوطنيته أنه يعيش شرخا حقيقيا وانفصالا في إدراك تناقضات مفاهيم الحرب الكونية على الإرهاب وما جلبته عليه من كوارث وتداعيات حلت بهذا الشعب المكلوم المجرد من أي قوة غير إيمانه بالله وعدالة قضيته وحتمية انتصاره، برغم ما يحاك له الحائكون من مؤامرات قد تتسبب في تشظي سوريا الإقليم، لدويلات متبعثرة في فلك الخرائط الدولية التي تتحفنا بها مراكز الدراسات الغربية.
ونتيجة الحرب الكونية على الإرهاب. في ظل غياب تعريف واضح وشامل للإرهاب ومن هو الإرهابي الحقيقي في سوريا ومن الجهات المحلية والدولية المفوضة بمحاربته. يظل الإنسان السوري البسيط المستضعف وحده يدفع ويتحمل بجلد كل تبعيات هذا العبث الدولي من قوت عياله ومن دم شبابه وبنيانه.
لسان حال السوريين يقول وهم ينظرون بعين الريبة والقلق إلى التصرف الأمريكي والتمادي في دعم قوات سوريا الديمقراطية دون غيرها من كتائب الثوار السوريين، التي نازلت تنظيم الدولة في عديد المواقع وأنزلت به هزائم كبيرة، كم أنت منافق أيها المجتمع الدولي وكم أنتم منافقون في حربكم على الإرهاب.
قوات سوريا الديمقراطية رأس الحربة الأمريكية في الحرب على الإرهاب هي وحدات حماية الشعب الكردية الإنفصالية، سجلها وتاريخها حافلان بالجرائم ضد العرب والتركمان وبقية مكونات النسيج الاجتماعي السوري شمال البلاد، التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية، وهي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يقود عمليات إرهابية في تركيا، وهو مدرج على لائحة المنظمات الإرهابية التركية وشركائها الأوروبيين والأمريكان، والمجتمع الدولي المنافق.
ونزيد من الشعر بيت، أن ممثلية أوروبا للمجلس الوطني الكردي “المزعوم”اتهمت في بيان لها حزب الاتحاد الديمقراطي، واعتبرته “ذراعاً أمنياً للنظام السوري، يمارس القمع والتنكيل والاستبداد بحق أبناء الشعب الكردي في سوريا، ويرتكب أعمالاً ضده، لم يتجرأ النظام القيام بها في عز قوته”. حسب ما نقلته “ARA News”
في غضون ذلك تزداد مخاوف السوريين الأحرار من تسليم الرقة لتلك القوة الباغية الانفصالية، وهو الأمر الذي يجعل منها قوة كبيرة ويمنحها مساحات واسعة من أرض سوريا على حساب الثوار.
لم يكد السوريون يستوعبون التصرف الأمريكي حتى أقتحم عليهم صراخ الروسي ضباب حيرتهم بالإعلان عن رغبتهم في التعاون مع الأمريكان لتحرير الرقة الأمر الذي رفضه الامريكان من قبل لأنهم يعلمون خبث النوايا الروسية، رغم أن مشاريعهم متوازية في سوريا لكنها لا تلتقي الا في تدمير المدن والحجر السوري ومنع انتصار الثورة.
لا يخفى على فطن أن روسيا المثقلة بجرائم الحرب والإبادة في سوريا تسعى إلى تسويق نفسها كشريك حقيقي على الإرهاب الذي اخترعه وأستنبته طفلهم المدلل “بشار الأسد”وتأمل في تبييض سجلها الإجرامي بحق السوريين، ومن ثم إدخال نظام دمشق في المعادلة مما يعطيه شيئًا من الشرعية التي طالما بحث عنها بل توسل من أجل إشراكه في ما يسميه الحرب على الإرهاب.
نعتقد أن روسيا ونظام الأسد سيعرقلان الخطوة الأمريكية رغم أن ما يسمونه جيش سوريا الديمقراطية يتعاون مع نظام الأسد، ذلك كون الإرهاب ومحاربته هما ترياق الحياة الذي يعتاش عليه نظام الأسد وهو الشماعة التي يعلق عليها وحليفه الروسي قتل وإبادة الشعب السور”.
هذا ما يجليه بوضوح تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن موسكو لم تتخل عن قرارها ضرب الجماعات المسلحة التي لم تنضم للهدنة في سوريا، وقال إن المهلة المعطى للمسلحين تنتهي هذا الأسبوع.
وبدأت عملياً في تنفيذ تهديداتها بأن استهدفت مدينة ادلب التي يشملها اتفاق وقف الأعمال العدائية واتفاق ” الزبداني- الفوعة وكفريا ” بهدف إعادة ترتيب الأوراق التي رتبتها أمريكا مع تنظيم جيش سوريا الديمقراطية المزعوم. وقد نذهب في اتجاه آخر وهو أن الروس يقدمون خدمة للكُرد والامريكان معاً، في التغطية على التقدم الذي احرزته وحدات حماية الشعب الكُردي المدعومة امريكياً غرب الفرات، ونقل الأضواء والضجيج إتجاه المجازر الروسية التي تعايشت معها موسكو واصبحت جزءا من ثقافتها وتراثها الحافل بالمجازر.
القدس العربي