«القدس العربي»
أذكر في حينا الدمشقي عدد النساء اللواتي احتشدن في الحي لتشييع أول الشهداء الذين ارتقــــوا فيه، شعور غريب يراودك عندما ترى أم الشهيد تزف ابنها، غمرني الإحساس بالانتقام يومها، ماذا فعل هؤلاء الشباب ليقنصوا غدراً.
منذ ذلك الحين والنساء في حينا كن أول المسارعات لعمل أي شيء في الثورة، من تنظيم المظاهرات، إلى حياكة الأعلام، إلى إقناع صديقاتهن بالخروج معهن لمساندة الرجال، ثم تطور الأمر إلى طهو الطعام للمقاتلين، وإخفاء الشبان في بيوتهن مع كل مداهمة، ولا ننسى من سخرت وقتها للاعتكاف في المشفى الميداني لعلاج المصابين، ومع ازدياد عدد النازحين من الأحياء المشتعلة تولت النساء مهمة نقلهم بالسيارت إلى أماكن آمنة، أو البحث عن بيوت لتسكن هذه العائلات.
لم تبخل الحرب بالنيل من النساء سواء بالقتل أو الاعتقال أو الاختفاء، فمع آخر تقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان تحت عنوان «جرف الياسمين» وثقت فيه أن قوات النظام قتلت 18457 امرأة، واعتقلت 6500 ، منهن 225 دون سن 18، فيما غيب الاختفاء القسري 450 امرأة، وتحدث التقرير عن العنف الجنسي بحق السيدات السوريات حيث تعرضت 7500 امرأة سورية للعنف الجنسي، و850 تعرضن له وهن رهن الاحتجاز عند قوات الأسد، 400 منهن دون سن 18.
ولأجل ذلك خرج الكثير من المعتقلات من السجون بإرادة أكبر مما كانت عليها، وعاودت نشاطها السلمي في الثورة واعتقلت مرة ثانية وثالثة؛ إلا أن ذلك لم يمنعها من مواصلة الرسالة التي بدأت بها، حيث كانت الثورة السورية باباً لتدخل المرأة من خلاله إلى عالم جديد، لا يعني الثورة على تقاليد المجتمع بمقدار ما يعني أن يكون لها دور بارز فيه، فبعد أن كان يحظر على المرأة الاختلاط بأي شكل من الأشكال مع الرجل حتى ضمن احترامها للباسها وأخلاقها، باتت تشارك معه في التخطيط للمظاهرات، والاحتجاجات، وإدخال ما تيسر من المعونات، والإشراف على تعليم الأطفال، ومتابعة زوجات الشهداء والمعتقلين، بل حتى مساعدته في تهريب السلاح، فكتبت بذلك حروف اسمها على الشمس معلنة أن للورود عبقا لن يخفت.
كانت «مجد شربجي» أول معتقلة في داريا، اعتقلتها قوات النظام على أحد الحواجز فــــي المدينــــة، ثم وجـــهت لها تهم التعامل مع الجيش الحر، إلا أن نشاط «مجـــد» الســـلمي أقنع أخيراً الضابط أن لاعلاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بالعمل المسلح، لكن بعدما تعرضت للضرب والإهانة.
لم توقف ظروف الاعتقال «مجد» عن مواصلة نشاطها ا%