يعقد الرئيس الامريكي باراك اوباما اليوم لقاء مع قيادات في مجلس التعاون الخليجي في منتجع كامب ديفيد القريب من واشنطن، وسط تكهنات وتحليلات متباينة بشأن ما يمكن ان يسفر عنه اللقاء الذي سيخيم عليه شبح ايران والاتفاق النووي المرتقب معها، محوره الرئيسي.
اما من حيث الشكل، وعلى الرغم من المحاولات الامريكية للتقليل من اهمية غياب اغلب زعماء الخليج، فان احدا لا يجادل في ان قرار العاهلين السعودي والبحريني بمقاطعة القمة(باعتبار انه لم يكن متوقعا اصلا حضور السلطان قابوس ورئيس الإمارات) يبعث برسالة من الغضب والاحباط تجاه المواقف الامريكية خلال الاعوام الماضية.
وعندما بادر اوباما قبل عدة ايام بالاتصال هاتفيا بالملك سلمان مستفسرا ومحاولا اقناعه بالحضور، جاء الجواب بأن العاهل السعودي سيكون «مشغولا بالاشراف على الهدنة الانسانية في اليمن». ولا يحتاج المرء ان يكون خبيرا في الشأن السعودي ليعرف انه كان من الممكن تكليف اي وزير في الحكومة للقيام بهذه المهمة اذا اراد الملك الحضور، بينما لم يصدر تفسير رسمي حتى مساء امس لغياب العاهل البحريني(..).
ومهما كانت التفسيرات فان صور اللقاء في كامب ديفيد اليوم ستعكس تآكلا تاريخيا في النفوذ والاهتمام الأمريكي في الخليج والاقليم، وضعف ادارة اوباما، بالتوازي مع خيبة امل عميقة يشعر بها بعض الحلفاء التاريخيين لواشنطن بعد عشرات المليارات من الدولارات التي استثمروها في العلاقات المشتركة في شكل صفقات اسلحة ضخمة اظهرت التطورات والمعطيات الاخيرة انها ليست كافية لضمان امنها.
اما التفسير الحقيقي لموقف الملك سلمان، فيرتبط غالبا بتعقيدات العلاقات المشتركة، وموضوع القمة والاهداف الحقيقية من ورائها. فالعاهل السعودي لا يستطيع ان ينسى لاوباما انه تراجع في اللحظات الاخيرة عن قصف سوريا في نهاية العام 2013 اثر استخدام نظام بشار للاسلحة الكيماوية، كما لا يستطيع ان يتجاهل تصريحات اوباما غير المسبوقة مؤخرا بأن «الخطر الحقيقي على دول الخليج يأتي من الداخل وليس من الخارج»، ناهيك عن أنه لم يتشاور معها قبل التوصل إلى مذكرة التفاهم بشأن البرنامج النووي. وحتى اذا كانت الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على النفط الخليجي كما كان الحال في الماضي (الصين هي المشتري الاساسي للنفط الخليجي وخاصة السعودي)، فإن اوباما لن يستطيع ان يبرر سياسة يعتبرها حلفاؤه نوعا من الجحود وربما الخيانة.
اما بالنسبة لأجندة اللقاء، فان الدول الخليجية قد تسعى إلى الحصول على ضمانات امنية في شكل التزامات قانونية امريكية، وهو ما رفضته واشنطن التي ستكتفي غالبا باصدار بيان صحافي مشترك يشدد على التزامها بـ «ضمان الأمن في الخليج باعتباره مصلحة مشتركة مع دوله». ولا يكاد مثل هذا التعهد يشكل اي جديد في الموقف الامريكي الحريص على عدم التورط في حرب مع ايران، كما انه لا يكفي لالزام ادارة اوباما باتخاذ اي اجراء دفاعي.
وهكذا يدرك المسؤولون الخليجيون ان الهدف الأمريكي من اللقاء يكاد يكون «إعلاميا» اكثر من اي اعتبار آخر، عبر «تطييب الخواطر» مع اقتراب توقيع الاتفاق النهائي مع ايران، الا ان هذا قد لا يكون الهدف الوحيد، اذ ان واشنطن ستطالب حلفاءها القدامى بتقليل الانتقادات العلنية للاتفاق النووي، والتركيز على أنه يضمن عدم تصنيع طهران لأسلحة نووية، وبالتالي فانه يحقق مصلحة خليجية ثم اقليمية ودولية.
اما بالنسبة لامكانية تحجيم واشنطن للدور الايراني في الملفات السورية واليمنية والعراقية واللبنانية، فان اوباما لن يجد حرجا في الادلاء بالتصريحات التي ترضي دول الخليج، وآخرها ان «إيران ترعى الإرهاب وانه ملتزم بأمن الخليج»، وربما يضيف اليه تعهدا ببذل الجهود مع طهران لاعادة النظر في مواقفها، الا ان التجربة اثبتت انه سرعان ما يتراجع في ساعة الحقيقة عن القيام بأي ترجمة فعلية لهذا الكلام.
وهكذا ربما يجد بعض العرب في المواقف الإعلامية الامريكية التي ستصدر اليوم «انتصارا نفسيا» أو مبررا ليستمروا في نهج «التفكير بالتمني» الذي يصور لهم على سبيل المثال ان ايران التي ساندت النظام السوري وهي محاصرة ومنهكة اقتصاديا تتجه إلى التخلي عنه بعد أن ترفع عنها العقوبات وتحظى رسميا بمكانة الدولة العظمى اقليميا، ما سيؤدي إلى سقوط قريبا(..).
وبالطبع فان واشنطن لن تتطوع إلى تصحيح مثل تلك التصورات التي تخدم احد اهدافها الاستراتيجية وهو «تمرير» الاتفاق مع طهران باسرع الطرق الممكنة واقلها كلفة. اما الاحتمال الموازي، بأن يؤدي الاتفاق إلى اطلاق يديها وتقوية نفوذها الاقليمي، وهو ما يدعمه استعجالها في التوقيع، فلن يكون من مصلحة واشنطن مناقشته اصلا، خاصة انها لا تملك استراتيجية متماسكة لتأمين مصالحها الحيوية في منطقة تغلي بالصراعات، ناهيك عن أن تضمن الأمن الذي يطلبه حلفاؤها.
القدس العربي