مع تصاعد الأزمة السياسية بين أنقرة وموسكو على خلفية إسقاط طائرات حربية تركية مقاتلة السوخوي الروسية على الحدود مع سوريا، يتصاعد التوتر العسكري غير المباشر بين البلدين، وتتزايد التكهنات حول إمكانية لجوء أحد طرفي الأزمة لاستخدام ورقة مضيقي «البوسفور والدردنيل» ضد الآخر في حال دخول الأزمة منعطفات أخطر.
وفي استفزاز جديد لأنقرة، أظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل إعلام تركية جندي تابع لسلاح البحرية الروسي يحمل قاذف صواريخ محمول على الكتف ويوجهه نحو مدينة إسطنبول التركية طول فترة مرور سفينة حربية روسية مضيق البوسفور الذي يشق طريقة بين شقي مدينة إسطنبول كبرى المدن التركية.
وفي أول رد رسمي تركي على الحادثة قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن «الحادثة الحاصلة هي استفزاز واضح لنا»، مؤكداً أنه يحق لجميع السفن العبور من مضيق البوسفور ضمن ما تضمنه «اتفاقية مونترو» الخاصة بعبور المضائق، معتبراً أنه «لابد لجميع السفن العابرة لمضيق البوسفور سواءً كانت روسية أو غير روسية أن تحترم القواعد القانونية الدولية». وتمنى أن يكون «هذا الاستفزاز الوحيد ولا يصبح نهجاً».
وفتحت هذه الحادثة الباب أمام مزيد من التكهنات حول إمكانية لجوء السلطات التركية إلى إغلاق مضيق البوسفور والدردنيل أمام السفن الحربية الروسية التي تعبر بشكل متواصل من البحر الأسود باتجاه بحر مرمرة والبحر المتوسط وصولاً للسواحل السورية ومناطق أخرى بالشرق الأوسط.
وفي المقابل، نشرت وسائل إعلام روسية وفي إطار حملاتها الإعلامية المتواصلة ضد تركيا منذ بداية الأزمة تقارير إعلامية اعتبرت فيها أن بلادها «تستطيع أن تملأ مياه مضيقي البوسفور والدردنيل بالألغام التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق الغواصين، وتغلق المضيقين إلى الأبد».
وتنص اتفاقية مونتيرو على حق تركيا في منع مرور سفن الدول التي تكون في حالة حرب معها، وعلى الرغم من أن الخارجية التركية أكدت أنها تلتزم بدقة بالاتفاقية ونفت الأنباء حول إغلاق مضائقها أمام السفن الروسية، ذكرت وسائل إعلام روسية أن السلطات التركية وضعت عراقيل أمام سفنها التي تمر عبر مضيق البوسفور.
وتطبق تركيا في سياستها تجاه عبور السفن الدولية المضائق المتحكمة فيها، «اتفاقية مونترو» التي وقعت عام 1936 لتنظيم الملاحة في المضايق التركية، وما زالت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى الوقت الحاضر، حيث تعطى هذه الاتفاقية لتركيا الحقوق الكاملة لممارسة سيادتها على المضايق، وإدارتها وإعادة تحصينها وتقييد مرور السفن الحربية، التي لا تتبع دول البحر الأسود تقييداً أشد.
وتنص الاتفاقية على منع عبور أي سفينة حربية تتجاوز حمولتها 15 ألف طن، ولا يسمح بوجود أكثر من تسع سفن حربية في الممر في وقت واحد، وألاّ تزيد حمولتها مجتمعة عن 15 ألف طن، ويمنع مرور حاملات الطائرات، ويسمح للغواصات بالمرور في المضايق شريطة أن تكون ظاهرة على السطح، وعلى أن تقصد الترسانات ولتركيا الحق في منع مرور السفن الحربية بالكامل في المضايق، إذا كان مرورها يهدد أمن الدولة التركية.
الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا كتب في مقال له حول هذا الأمر: «إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل نهائيا من قبل روسيا ـ إن افترضنا أنها قادرة على ذلك ـ يعني الانتحار من أجل معاقبة الخصم، ولا يفكر في خطوة كهذه إلا مجنون، لأنها قد تحرم تركيا من الاستفادة من المضيقين إلا أنها في الوقت نفسه تحرم روسيا نهائيا من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البوسفور والدردنيل، أي أن السفن الحربية والتجارية الروسية ستكون بحاجة إلى عبور المحيط وقطع مسافات طويلة جدا حتى تصل إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط».
ويضيف: «ليس متوقعا في ظل الظروف الراهنة أن تقدم تركيا على إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل في وجه السفن الروسية بحجة أنها مهددة بحرب لأن مثل هذا القرار بحاجة إلى موافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، إلا أنها قد تلجأ إلى إعادة النظر في تسعير الخدمات المقدمة للسفن العابرة»، ويلفت ياشا إلى أن «الاتفاقية تنص على أن تدفع السفن العابرة من المضيقين رسوما إلى تركيا مقابل بعض الخدمات للعبور الآمن مثل الإنارة والإنقاذ والخدمات الصحية.
ووفقا للاتفاقية كانت هذه الرسوم تقدر بـ«الفرنك الذهبي»، ولكن أنقرة قامت في عام 1982 بتثبيت سعر صرف «الفرنك الذهبي»، لكنها تناقش منذ فترة إمكانية العودة إلى استخدام «الفرنك الذهبي» في تحديد الرسوم المأخوذة من السفن العابرة من المضيقين»، الأمر الذي سيزيد الأعباء المالية بشكل كبير على السفن الروسية.
ويوضح ذلك الكاتب التركي علي كارا حسن أوغلو في مقاله المنشور في صحيفة «يني عكيت» التركية حيث نقل عن خبراء قولهم إن السفن العابرة من المضيقين دفعت إلى تركيا في 2013 حوالي 150 مليون دولار وأن هذا المبلغ يمكن أن يتجاوز 3 مليارات دولار في حال تم تحديد الرسوم بـ «الفرنك الذهبي»، ولفت إلى أن السفن الروسية هي التي ستدفع الجزء الكبير منه، وبالتالي ستكون روسيا هي الخاسر الأكبر من التسعير الجديد.
وتمثل المضايق التركية المخرج الوحيد للسفن الروسية من البحر الأسود المغلق. وفي المتوسط، تمر في المضايق سفينة حربية روسية كل 36 ساعة، بينما تمر عبرها 20 سفينة تجارية روسية يومياً، وتمثل السفن التجارية الروسية ٪40 من الحمولة المارة في المضيقين.
وكان الاتحاد السوفييتي السابق طالب أكثر من مرة بتعديل معاهدة مونترو بأن تشترك دول البحر الأسود جميعاً في الإشراف على الملاحة في المضائق، لضمان بقائها مفتوحة أمام السفن الروسية التجارية والحربية في وقت السلم والحرب على حد سواء.
القدس العربي