القدس العربي
من القتال تحت الراية الحمراء والمنجل والمطرقة، الى القتال تحت راية الله، انتقل عباس عبد الله عبد الهي من افغانستان، الى الاتحاد السوفياتي، ثم الى ايران، ومنها الى لا يعلم الا الله، ليقتل في صفوف الحرس الثوري يوم الثامن من شباط/فبرايرالماضي في منطقة دير العدس في جنوب سوريا. حين اصطدم مقاتلو الجيش الحر في جنوب سوريا بالقوات المهاجمة كانوا بحالة عسكرية قاسية، هي المرة الاولى التي يواجهون عدوا بهذه التقنيات العسكرية المتطورة، ربما اكثر ما انهكهم هو عمليات التقدم والانسحاب المتواصلة التي نفذتها القوات المهاجمة، كر وفر، ولا يعلم المقاتلون السوريون لماذا تنسحب هذه القوات المهاجمة، فينقضون على المواقع التي اخليت، ليجدوا انفسهم مجددا في حالة دفاع، ويضطرون الى الانسحاب تحت وطأة الهجوم المباشر. هكذا كانت منطقة دير العدس تسقط ثم تستعاد، تنهار الجبهة، ثم تعود الى الصمود، فتنهار مجددا. في يوم السابع من شباط/فبرايرالماضي بدأت العمليات العسكرية فجرا، باغت المهاجمون الثوار السوريين في عمليات تسلل ليلية، ما لبثت ان تحولت الى اختراقات لصفوف الدفاع، في النهاية سقطت المناطق المستهدفة. الا انه في يومي السابع والثامن من شباط/فبراير حدث شيء ما لعب لمصلحة الثوار السوريين، شيء ما ادى الى حد قليل من الخسائر البشرية، لم تتجاوز الخسائر الثلاثين قتيلا من الجانب السوري المدافع. في الجانب الاخر كان ثمة خسائر كبيرة، كانت الجثث متوزعة على الارض بين الاوحال، كما يروي عدد من المقاتلين المشاركين في المعارك، وكما تشير العديد من الصور المتجمعة لهذه المعركة. هي معركة مثلث ريف دمشق – القنيطرة – درعا، كان الهدف المعلن هو الوصول الى خط التماس مع اسرائيل عبر الجولان السوري المحتل، وكانت الدعاية تقول بان من يقاتل بوجه الجيش السوري وحليفه حزب الله هو ميليشيات عملية لاسرائيل، اهمها جبهة النصرة، بينما الوقائع على الارض تشير الى ان المعركة اكبر من ذلك. كانت اهداف المعركة متعددة: 1- الوصول الى الحدود مع الاردن، وتشكيل تهديد للاردن ومن خلفه الخليج عبر المزيد من تطويق دول الخليج لكبح دورها في سوريا. 2- الوصول الى التماس المباشر مع اسرائيل، وضع هذا التماس في خدمة «حماية المفاوضات النووية الايرانية الغربية». 3- ضرب الامل الاخير للثورة السورية المتمثل بالجبهة الجنوبية، حيث باتت التشكيلات هناك تقترب من التوحد ميدانيا، وتخوض معاركها بنجاح واخرها كان معركة الشيخ مسكين والفوج 82، وخلق فراغ امني في المنطقة يسمح بتقوية جبهة النصرة ودخول داعش الى الجنوب السوري. 4- حماية العاصمة السورية ومنع امداد تشكيلات الجيش الحر هناك بحاجاتها لمواصلة صمودها. استعدادات وقيادة يروي قادة من الجبهة الجنوبية، وخاصة نائب قائد الجيش الاول ابو اسامة الجولاني وقائد الوية سيف الشام ابو صلاح كيف كانا يراقبان استعدادات النظام السوري وحزب الله وحشوداتهما في اكثر من منطقة، الجيش السوري انحصر عمله في مدينة الصنيمين، بينما توزعت اعمال حزب الله اللبناني على عدة محاور. كانت القوات الايرانية هناك، معها سحنات غريبة اخرى، التشكيلات القتالية في الجبهة الجنوبية كانت مستعدة لمعركة اخرى، ولكن من ضمن ما خبرته سابقا من معارك. في تلك المرحلة كان بطل قصتنا عباس عبد الهي موجودا في بعض المواقع المتقدمة، كان الرجل، القائد الميداني في الحرس الثوري الايراني موجودا بشكل رئيسي في معسكر تل الهوى شمال القنيطرة حيث غرفة العمليات الرئيسية للقوات الايرانية واللبنانية، والى جانب عبد الهي كان يتواجد المئات من مقاتلي حزب الله اللبناني واخرين من الحرس الثوري، وفي نبع الفوار في الريف الشمالي الشرقي للقنيطرة احتلت القوات الايرانية مركز قوات مراقبة الهدنة التابعة للامم المتحدة، وحولته لثكنة مشتركة مع مقاتلي حزب الله، وهناك وقف عبد الهي مع شبان لبنانيين ليلتقط الصور التذكارية، وينتقل بعدها الى عدد من الجبهات كعقيد حرس، مهمته الادارة الميدانية للقوات العسكرية في المنطقة. كانت القيادة قد انتقلت الى القوات الايرانية بشكل كامل، والاستعدادات اصبحت مهمة القوات الايرانية واللبنانية وعزل ضباط الجيش السوري عن العمل، وفي تلك الفترة ايضا قتل جهاد مغنية من حزب الله اللبناني وعدد من ضباط الحزب وجنرال ايراني هو قائدهم الفعلي. القيادة الايرانية وتهميش القوات السورية خلف تململا بين ضباط النظام السوري، وان كانت الصور تظهر عبد الهي مع عدد من الضباط السوريين، الا ان المهمام الموكلة الى هؤلاء اقتصرت على الاسناد الناري دون المشاركة في ادارة غرفة العمليات او في قيادة العمليات العسكرية. رحلة عبد الهي قبل أيام قليلة من معركة المثلث يكتب عباس عبد الهي في دفتره العسكري ملاحظاته للعمليات: بسمه تعالى 1- ديرالعدس: – من الشمال للإستقدام الأسلحة الثقيلة – من الشرق حتى النهر للإستقرار القوات – من الغرب والطريق المؤدي الى كفر ناصر البيوت والطرق – من جنوب ديرالعدس إنزال قوات لمحاصـــرة والإلتفاف على ديرالعدس 2 – كفر شمر او كفر شمن: – من الجنوب وداخل النهر ومزارع الدواجن الى جانب طريق ام العوجة. – من الجنوب في البيوت التي تقع بين النهر ودير العدس – من الشمال طريق لمحاصرة ودعم تل عنتر تفتيش وتمشيط البيوت المهجورة التي تقع اطراف مقرات الجيش. ثم ينطلق العقيد في الحرس الثوري عباس عبد الهي الى القتال ليقود قواته من على دراجة نارية، ويرافقه على دراجة نارية اخرى ضابط اخر في الحرس الثوري يدعى علي سلطان مرادي. كانت القوات المدافعة متشكلة اساسا من الجيش الاول، والوية سيف الشام والوية الفرقان، وهي المنتشرة تقليديا في المنطقة الواقعة في خط الهجوم المدون على دفتر عباس عبدالهي. وفي اليوم التالي للهجوم وبقيادة عبد الهي، الذي كان القائد الميداني الاول للعمليات الميدانية كما ستظهر المعلومات اللاحقة لدى الجبهة الجنوبية اصطدم عبدالهي ومرادي وجنودهما الايرانيين واللبنانيين بقوة منسحبة بشكل خاطئ من الجيش الحر، لم يكن من المفترض ان يتواجد حيث يقف عبد الهي ومرادي قوات للجيش الحر، ادى الاشتباك الى مقتل اغلب العناصر المرافقة لعبد الهي ومرادي، وهم عشرون من الايرانيين واللبنانين، وجرح البقية. الثوار من ناحيتهم استغربوا وجود مقاتلين من القوات الاجنبية على دراجات نارية، وعلى الرغم من ان لا شارات تميز الضباط عن الجنود، الا ان الدراجات النارية غير المعتادة، وهي ليست من الصناعات الصينية المألوفة في سوريا، اضافة الى السحنات الاجنبية جعلت المقاتلين يسحبون الجثتين، ويتركون باقي الجثث والجرحى لمصيرهم. وصف اعلام الجبهة الجنوبية ما حصل لاحقا بالكمين، كما وصف الاصطدام بـ 43 مقاتلا اخرين في موقع قريب والاشتباك معهم وابادتهم بالكمين ايضا. لم يعد الثوار يضيعون وقتهم في المعارك بتفتيش الجثث، فهم باتوا معتادين على ان القتلى لا يحملون اية هويات او اغراض شخصية الا في ما ندر، والمقاتلون من حزب الله ومن الحرس الثوري يحملون بطاقات ممغنطة تحمل معلوماتهم الشخصية، ولكن لا يمكن قراءتها الا عبر قيادة قواتهم. هذه المرة كان عبد الهي يحمل معه اضافة الى دفتره بعض المتعلقات الشخصية التي سمحت للجبهة الجنوبية بالقول انها تواجه الاحتلال الايراني، وانها تقاتل بوجه الحرس الثوري، وان قيادة العمليات هي للحرس الثوري، وان الافغان كما اللبنانيون والسوريون ما هم الا وقود للمعارك، بينما الادارة والقيادة متروكة بالكامل للحرس الثوري. وشكلت الجبهة الجنوبية غرفة الاعلام العسكري، التي فرضت صمتا لمدة يومين كاملين اثر المعركة، ثم عينت الجبهة الجنوبية الرائد عصام الريس كناطق رسمي وحيد باسم الجبهة، ووزعت غرفة الاعلام العسكري على قلة من الصحافيين العرب والاجانب بعض ما لديها عن قيادة الحرس الثوري للمعارك ما سمح بكتابة هذه القصة ونشر الصور الخاصة. واعطيت جثة عباس عبد الهي الى الوية الفرقان لتهتم بدفنها، بينما بقيت جثة علي سلطان مرادي لدى الجيش الاول في الجبهة الجنوبية. الإثبات الأول وبعد التدقيق في المعلومات يمكن القول انها المرة الاولى التي يمكن اثبات مشاركة وقيادة الحرس الثوري للعمليات العسكرية الهجومية في سوريا مباشرة. فعادة ما كانت القيادة الايرانية تقول ان لها نفوذ، ولكن يتم نعي المقاتلين والضباط الايرانيين بشكلين: الاول حين يتعرضون لضربات اسرائيلية، في دمشق او غيرها، فيقال انهم ضباط يسلمون السلاح الى المقاومة في لبنان، والثاني حين يقتلون في المعارك ضد الجيش الحر فتقول القيادة الايرانية انهم متطوعون ايرانيون وضباط سابقون في الحرس الثوري، ذهبوا لمواجهة التكفيريين في سوريا، وسبق لهيئة الاذاعة البريطانية (BBC) ان انتجت وثائقي مبني على لقطات صورها ايرانيون قتلوا في كمين للجيش الحر في شمال سوريا من عامين، ولكن يومها قيل ان هؤلاء خبراء يساعدون في تدريب القوات السورية وتشكيل جيش الدفاع الوطني. اما اليوم، ومع كل المواد التي توفرت حول عباس عبدالهي، وعلي سلطان مرادي، وصورهما ودفتر العمليات، اضافة الى تقاطع المعلومات حول توجه مجموعة من الضباط الايرانيين واعتقال 12 من الضباط السوريين من الفرقة التاسعة في الصنيمين واعدامهم ميدانيا يوم الحادي عشر من شباط/فبراير، اي بعد ايام قليلة من خسارة المعركة في المثلث الجنوبي، كل ذلك يفيد بان قيادة الحرس الثوري للعمليات في سوريا هي ادارة مطلقة.