لولا موقعها الجغرافي المتمركز في سهل الوزاني، وعلى الكتف الشمالي الغربي لنبع الوزاني في الجنوب اللبناني، وقربها من قريتي المجيدية في غربها، وقرية العباسية في شرقها، فإن قرية الغجر السورية في موقعها، هذا الذي رسمته وخططت له اتفاقية «سايكس بيكو» بين لبنان وفلسطين وسوريا، فإن هذه القرية التي كان عدد سكانها لا يتجاوز 1500 نسمة في العام 1967، كان يمكن أن تدمر كغيرها من قرى الجولان (نحو 275 بلدة وقرية ومزرعة)، بسبب حربي 1967 و1973؛ إلا أن موقع قرية الغجر وعدم البت في مصيرها، والالتباس الذي وقعت فيه القوات الإسرائيلية إزاء كيفية التعامل مع سكانها ومبانيها، أتاح لها حياة استمرار جديدة، كما أن هناك أسبابا أخرى بقيت في طي كتمان الجيش الإسرائيلي أيضا. فما هي حكاية قرية الغجر السورية والقرى الأربع الأخرى التي نجت من هول التدمير الوحشي الإسرائيلي في حربي العام 1967 والعام 1973، وما الجديد في ما يتعلق بكامل مساحة الجولان نفسها؟
في خطوة استعراضية استعلائية، وفي 17 نيسان/إبريل الماضي، أعلن بنيامين نتنياهو وهو يعقد الاجتماع الأول لوزرائه في الجولان السوري المحتل، أن هذا الجولان هو جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وأن ذلك سيستمر إلى الأبد، كما أن على العالم أن يتعود على تبعيته لإسرائيل. وكان سبق هذه الخطوة الاستحواذية الإسرائيلية في نهاية العام 1981 الاعلان عن تطبيق القوانين الإسرائيلية على هضبة الجولان وسكانها، أي أنها ضمت الجولان إليها رسميا، وحاولت توزيع الهويات الإسرائيلية على سكان الجولان الذين كان عددهم لا يتجاوز نحو 18 ألف نسمة حينذاك بالقوة، وخاض السكان نضالا شرسا ضد هذه الخطوة، ومزقوا الكثير من الهويات الإسرائيلية التي فرضت عليهم فرضا، ورفعوا شعار «المنية ولا الهوية» وتم قمع تظاهرات عدة نددت بهذه الخطوة، وغيرها من الخطوات التي أرادت فرض «الأسرلة» على السكان، وتم اعتقال العشرات من المناضلين وطرد بعضهم إلى خارج أراضي الجولان المحتل.
تبلغ مساحة الجولان كاملا نحو 1860 كيلو مترا مربعا، استعاد السوريون منها نحو 600 كيلو متر مربع في حرب العام 1973 بما في ذلك مدينة القنيطرة العاصمة الإدارية للجولان، إلا أن السوريين أبقوها على دمارها الفظيع، كي يرى العالم مدى الوحشية التي تتصف بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي رفضت إعادة إعمارها، وبقي نحو 1250 كيلومترا مربعا من كامل مساحة الجولان تحت الاحتلال حتى يومنا هذا، في حين أقام الإسرائيليون عشرات المستعمرات وصل عدد السكان فيها إلى نحو خمسين ألف نسمة حاليا، بينما بلغ عدد سكان القرى الخمس السورية نحو ثلاثين ألف نسمة حاليا أيضا، بعد أن كان عدد سكان مساحة الجولان كاملا في العام 1967 نحو 154000 نسمة. أما القرى الخمس التي أبقى الاحتلال سكانها فيها فهي مجدل شمس وهي أكبرها، والغجر وبقعاتا وعين قنية ومسعدة، حيث توجد في هذه القرية بحيرة يطلق عليها اسم القرية. وروى الفريق عفيف البزري رئيس أركان الجيش السوري في نهاية خمسينيات القرن الماضي في أحد كتبه عن المياه في المنطقة، أنهم وضعوا مياها ملونة في البحيرة لتظهر تلك المياه الملونة في مجرى نهر الأردن الأعلى، حيث يكوّن نهر القاضي وبانياس ينبعان من الجولان بعد تلاقيهما ببعض الأنهار اللبنانية الجنوبية، نهر الأردن الأعلى.
ولكي تظهر إسرائيل مدى جدية وخطورة تعاملها مع أي بوادر للمقاومة في الجولان، فإنها اغتالت بالطيران منذ أشهر قليلة خلية العمل التي كلفت بالتحضير لأعمال مقاومة في الجولان السوري المحرر، وكان من أفراد الخلية الابن الثاني للسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني. كما انه وعندما استشعرت المخابرات الإسرائيلية بأن الأسير المحرر سمير القنطار بدأ بتكوين خلايا للعمل في الجولان، قامت باغتياله في دمشق منذ أشهر قليلة أيضا، وهو المقاوم الذي تحرر من سجن طويل في المعتقلات الإسرائيلية وقال بعد وصوله إلى لبنان بأنه ما خرج من الأسر إلا لكي يعود مقاوما في فلسطين المحتلة.
ينبغي التذكير هنا أن مباحثات وحتى اشتباكات استمرت في ما يتعلق بالقرى الخمس الجولانية، وخصوصا بالنسبة لقرية الغجر، وأن تظاهرات عديدة حصلت في القرية من قبل السكان للمطالبة بإعادة تبعيتها لسوريا، كما أن بعض العمليات العسكرية بادرت إليها المقاومة التابعة لحزب الله اللبناني من الأراضي اللبنانية التي بنى عليها بعض سكان الغجر بيوتا لهم، بعد أن ضاقت مساحة القرية بعدد السكان الذين تزايدوا فيها، وهي تقع في الشمال الغربي من القرية.
الخطوة الإسرائيلية كانت مثار رفض من قبل مجلس الأمن الدولي، وأعاد التذكير بأن الجولان أراض محتلة، كما أن أصواتا إسرائيلية قليلة بادرت إلى استنكار إعلان نتنياهو، كما فعلت زهافا غالؤون رئيسة حزب ميرتس (خمسة نواب في الكنيست)، كما وأن نواب القائمة العربية في الكنيست (13 نائبا) استنكروا أيضا خطوة نتنياهو الأخيرة.
يمكن الإشارة إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لا زالت تزيد من أعداد المستعمرات في الهضبة المحتلة، وتشحنها بالسكان المستعمرين الذين يمارسون مع الجيش الإسرائيلي قمع أي تحرك أو مطالب بإحقاق بعض حقوق السكان السوريين، وكثيرا ما يشارك بعض أهالي الهضبة في النضالات التي خاضها ويخوضها الفلسطينيون في مناطقهم المحتلة.
القدس العربي