يعرف وزير الخارجية السوري وليد المعلم ما الذي يفعله تماماً وهو يوقع الرسالة التي تزج باسم الأردن مجدداً في شكوى للأمم المتحدة تتحدث عن مساندة مقاتلين قاموا بقصف الأحياء التي يسيطر عليها النظام في درعا.
كالعادة امتنع الناطق الرسمي الأردني عن الرد أو التعليق. والمفارقة تكمن في أن النظام السوري هو الذي يقصف درعا منذ 13 يوماً وبشكل متواصل دون أن يتمكن من هزيمة المعارضين المسلحين خصوصاً في عمق محافظة درعا الجنوبية. الأردنيون قرأوا مباشرة رسالة شكوى دمشق الجديدة وهي الثالثة التي تقدم للأمم المتحدة وتتهم عمان برعاية ما يسمى بالإرهاب في سوريا.
وفي القراءة السريعة يعبر موقف نظام دمشق الجديد عن أزمة ميدانية لأنه يخفق في حسم المعركة خصوصا في عمق درعا المحاذية للأردن بعد نحو أسبوعين من القصف المكثف ومحاولات الاختراق والتدمير للأحياء والقرى والنواحي التي يوجد فيها الجيش السوري الحر المعارض. فمعركة درعا مفصلية وأساسية لأنها تشكل اليوم إحدى بؤرتين ملتهبتين تماماً في الملف السوري.
والحسم في درعا ضروري جداً للنظام ولأعوانه وشراكاته حيث يقدر الباحث الأردني المختص بشؤون الجنوب السوري صلاح ملكاوي بأن فشل النظام مجدداً في الاختراق وإخضاع أهالي درعا يعني ضمنياً اليوم بعد درس الصمود البطولي لأبناء المنطقة المسلحين المعارضين بأن درعا ستكون منطقة محرمة على عودة النظام. وفي الواقع فإن النظام السوري هو الذي قصف أطراف الأرض الأردنية قبل ثلاثة أيام بقذائف عشوائية أصابت مرفقا وأرصفة في نقطة العبور الحدودية الأردنية.
وخلافاً لما يفعله نظام دمشق لم توجه عمان اتهامات علنية واعتبرت هذه القذائف العشوائية رسالة إضافية تدلل على أزمة النظام السوري بينما يعود الوزير المعلم للتعبير عن الأزمة نفسها في رسالته للأمين العام للأمم المتحدة.
ويتصور الأردنيون في السياق بأن استخدام كل التقنيات العسكرية بما فيها البراميل المتفجرة والطائرات والمدفعية للحسم في مناطق درعا التي لا يسيطر عليها عملية أما انتهت بالفشل أو في طريقها للفشل ليس فقط لأن المعارضة قوية ولديها أسلحة وذخائر حديثة دخلت من الأردن أو من غيره، ولكن لأن اللاعب الأمريكي موجود في المنطقة ولم يقرر بعد الموافقة على الحسم في درعا.
فحسم المعركة لصالح النظام أو المعارضة في درعا لم يعد مسألة أردنية أو سورية ففي الدوائر المغلقة لصناعة القرار الأردني تحديداً يعتبر الجنوب السوري البؤرة الثانية الملتهبة جداً بعد محافظة الرقة والتي لم يحسم الأمر فيها إلا بين اللاعبين الكبار والأساسيين.
ومن المرجح أن كلاً من حكومتي البلدين ليستا في نطاق اتخاذ قرار بشأن ما يحصل في درعا لأن ما يمكن أن يحصل فيها له علاقة ذات طبيعة اشتباكية في الكثير من المعطيات الدولية والإقليمية.
وما يحصل في جنوب سوريا وبالتالي في حضن درعا مسألة تهم جداً إسرائيل وفقاً لمصدر أردني مطلع ومسؤول تحدث لـ»القدس العربي» كاشفاً أن الحسم العسكري في هذه المنطقة تحديداً يحتاج لتوافقات ذات طبيعة إقليمية ودولية حيث أن روسيا موجودة وكذلك الولايات المتحدة وحيث توجد قوات فرنسية ذات طبيعة دفاعية على الحدود مع الأردن. ويوجد دور سياسي بريطاني يراقب كل ما يجري في جنوب سوريا ويشتمّ الأردنيون دوماً سلسلة متنامية من الحراك والمبادرات الالمانية فيما ما يحصل في جنوب سوريا له علاقة محورية كما يقدر البرلماني الأردني الخبير في المنطقة والوزير السابق سعد هايل السرور بالمعركة الأساسية التي تجري خلف الستارة ليس بعنوان الإرهاب ودوره ونفوذه ومناطقه فقط ولكن أيضاً بتقاسم كعكعة مشاريع إعادة الإعمار.
وبالتالي وفي ظل الواقع الميداني الموضوعي لا تشعر عمان بانزعاج شديد وهي تتلقى الاتهام السوري الجديد ليس فقط لقناعتها بأن الحسم في درعا من عدمه أصبح مسألة دولية ولكن لأنها تدرك بأن أولوياتها ينبغي أن تنسجم وتتوازن مع قدراتها الواقعية وهو ما يتحدث عنه مباشرة وبعمق رئيس الأركان الجنرال محمود فريحات عندما يعلن مرات عدة بأن أولوية الجيش العربي الأردني حماية الأردن وحدوده وليس الاقتحام أو المناورة أو التدخل في العمق السوري.
نخبة عمان الرسمية تبتلع هذه الاتهامات السورية بدون التعقيب أو التعليق وعلى أساس أن الفرصة غير متاحة كما أكد لـ»القدس العربي» مرات عدة الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني على تعليقات وتصريحات أو رسائل تعكس ازمة النظام السوري الجار ولا تعكس شيئاً آخر.
الأردن استراتيجياً يتحدث في شؤون الجنوب مع موسكو خصوصاً في مسألة المعابر وإعادة افتتاحها وما يصل لحكومة عمان وفقاً لمصادرها هو رسائل سلبية من جانب النظام في مسألة إعادة فتح المعابر.
ومع المخاوف التي يثيرها حسم النظام لمعركة درعا لصالحه تحت عنوان الميليشيات الطائفية أردنياً وإسرائيلياً وأمريكياً تزداد القناعة بصعوبة هضم فكرة السماح للنظام السوري بالحسم التام عسكرياً في درعا وبصورة مجانية وبدون وجود ضمانات من روسيا أو من إيران أو من كلاهما بعنوان عدم الاقتراب.
القدس العربي