بدلاً من أن يوحّد إهتزاز الأمن أهل السياسة في لبنان واللبنانيين بعدما بات الحدث ليس فقط على الحدود، ولا في القاع، ولا في الضاحية بل في كل لبنان ، إذ به يشير إلى مظهر آخر من مظاهر التفسخ، عبّرت عنه مداولات مجلس الوزراء الذي اجتمع مرتين في الاسبوع المنصرم وبدا ان لكل مكوّن من مكوّنات الحكومة رأيه حتى اختلط الحابل بالنابل، وأنصار الجيش بالقوات الدولية، والنازحون بالإرهاب، في ترجمة للصراع الداخلي على الخيارات السياسية المتعارضة بحسب ما ذكر محللون.
وفيما يُفترض أن يعتمد مجلس الوزراء «استراتيجية دفاعية» واحدة في مواجهة الإرهاب، إذ به يتبعثر خلال جلستيه بين من يقترح الاستعانة بمجلس الأمن ونشر قوات دولية على الحدود الشمالية والشرقية، وبين من يدعو إلى إنشاء أنصار الجيش ويطلب انسحاب «حزب الله» من سوريا. وما يدور في الحكومة هو صدى لما يجري خارجها من اشتباك سياسي مفتوح، كانت منابر شهر رمضان مسرحاً إضافياً له، كذلك شاشات التلفزيون التي تبادلت الاتهامات بين من استقدم الإرهاب وبين من ذهب إلى سوريا ليمنع وصول الإرهاب.
وذكرت أوساط المستقبل أن حزب الله نجح في إدخال لبنان في عين العاصفة بعدما أوصله إلى القاع. استدرج تنظيم الدولة وأخواته إلى كل زنقة ودار من لبنان. ومع سبق الإصرار والترصد، شارك في تحويل جزء من الثورة السورية إلى عدو للبنان. وها هو يتفرج، خائفاُ، بعدما كان يدّعي حماية لبنان. ولفتت الأوساط إلى «أن حزب الله ألغى رسمياً الاحتفال المركزي السنوي في يوم القدس، الذي لم يغب منذ ربع قرن. تحت وطأة الخوف الأمني، في ما يشبه الإعلان عن سقوط نظرية: «ذهبنا لنمنعهم من المجيء».
واتهمت الأوساط حزب الله بأنه «تحوّل من الهجوم في حلب، إلى الدفاع، وبأنه بات عاجزاً عن حماية احتفال في مربعه الأمني، فيما يدّعي أنه يريد حماية الشرق كله».
وكانت مداولات الوزراء في الحكومة حول كيفية وضع استراتيجية عامة لحماية لبنان بعد التفجيرات الانتحارية في القاع انطلقت من مقاربتين:
الأولى دعت إليها الوزيرة أليس شبطيني مدعومة من وزراء آخرين وتقضي برفع القضية إلى مجلس الأمن الدولي وسعي الحكومة إلى طلب أن يشمل القرار 1701 والذي لا يحتاج إلى تعديل، وفقاً للبنود 11 و12 و14 منه، الحدود الشرقية والشمالية بين لبنان وسوريا لمنع دخول المسلحين في الإتجاهين، وهذه المقاربة يدعمها وزراء 14 آذار وتيار «المستقبل» وكتلة الرئيس ميشال سليمان.
أما المقاربة الثانية، فتتعلق بكيفية تنظيم الوجود السوري في لبنان، وقد أثارها وزراء «التيار الوطني الحر» ولا سيما الوزير جبران باسيل الذي طالب بوضع خطة تهدف إلى تقليص أعداد النازحين السوريين في لبنان، في حين دعا وزير حزب الله محمد فنيش إلى مقاربة حكومية أكثر واقعية تبدأ بفتح خط إتصالات مع السلطات السورية للبدء بإعادة النازحين عبر الهيئات الإنسانية، وبتنسيق بين الحكومتين. ولم يمانع الوزير الكتائبي غير المستقيل سجعان قزي من «التنسيق مع السلطات السورية لتقليص عدد النـــازحين، ما دامت الأجهزة الأمنية اللبنانية تنسيق مع الأجهزة الأمــنية السورية من أجل المصلحة الوطنية العليا». وأضاف «لا يجوز شيطنة النازحين السوريين إنما هذا النزوح يشكل خطراً يهدد الأمن في لبنان».
وبحسب معلومات «القدس العربي» عاد التباعد الحكومي في المقاربة ليتظهر في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء. حيث دعا وزراء حزب الله إلى القيام بعمليات استباقية ضد التنظيمات الإرهابية لاستئصالها من الجرود بدلاً من استنزافنا، وهذا ما شدّد عليه الوزيران حسين الحاج حسن ومحمد فنيش. وإقترح الوزير جبران باسيل الطلب إلى الجيش الإمساك بالمنطقة والجرود وتكثيف قواته، فيما إعتبر رئيس الحكومة تمام سلام أن موضوع الإرهاب والإنتحاريين لا يتوقف على العمليات الإستباقية. ورأى الوزير بطرس حرب أنه «لا يجوز أن نتحول إلى مارشالية وطلب القيام بعملية استباقية دفاعية. فنحن سلطة سياسية نرسم سياسة الدولة في مواجهة الإرهاب ونطلب إلى الأجهزة العسكرية والأمنية العمل على تنفيذها».
وتكلم وزير الدفاع سمير مقبل مشيراً «إلى وجود تكليف للجيش بضبط الأمن» وقال «لكن في عرسال طلبت تغطية لدخول عرسال ولم نحصل عليها، الجيش يقوم بواجباته لكن لا يمكن ضبط الأمن مئة في المئة».
وتوجّه فنيش إلى وزير الدفاع سائلاً «هناك أراض لبنانية محتلة من الإرهاب وليس صحيحاً أننا لا يجب أن نسأل هل يمكن أن يملك الجيش خطة ولماذا لا ينفذها؟».
ولم يكن الأمن الذاتي بعيداً عن النقاشات الوزارية بعدما أثاره رئيس الحكومة على خلفية ظهور أسلحة فردية في القاع بعد التفجيرات، فلفت الوزير حرب إلى «أن فتح باب التطوع كأنصار للجيش واستدعاء الإحتياط يغنينا عن رؤية مسلحين متطوعين من الأهالي غير منظمين وما قد ينتج عن ذلك من تفسير أنه أمن ذاتي».
وأيّد الوزير غازي زعيتر فتح باب التطوع. وقال الوزير ميشال فرعون «الكلام عن الأمن الذاتي غير مفيد، والأمن الذاتي هو ما يحصل في الضاحية الجنوبية وليس في القاع» داعياً «الدولة إلى ملء الفراغ بقواها الشرعية وطمأنة المواطنين».
ورد الوزير فنيش على فرعون نافياً «وجود أمن ذاتي في الضاحية» ولافتاً إلى «أن وضع القاع يختلف عن بقية المناطق، لوجود تماس مباشر مع الإرهابيين. وإذا كان الهدف تهجير أهل القاع بهذه التفجيرات لشن هجوم عليها يجب على الجيش اتخاذ تدابير عسكرية لمواجهة هذا الخطر المحتمل». وجدّد السؤال «لماذا لا يقوم الجيش بعملية عسكرية لتنظيف المنطقة؟».
ورأى الوزير سجعان القزي أن «لا أمن ذاتياً في القاع ولم يصدر أي موقف مسيحي سياسي يدعو إلى الأمن الذاتي». أما الوزير بطرس حرب فرأى «أن ردة فعل الناس والأحزاب المسيحية هي طبيعية ومنتظرة بقصد رفع المعنويات، لكن تسابق القوى السياسية على المزايدات السياسية أمر مرفوض. وكنت أتمنى عدم فتح جروح سياسية ملتهبة حول وجود سلاح غير شرعي في يد حزب سياسي، ووجود أمن ذاتي مغلّف أحياناً بالشرطة البلدية. فهذه قضايا عالقة دون حل وبحثها مؤجّل اليوم لئلا نظهر مختلفين غير متضامنين في مواجهة الأحداث الخطيرة التي حصلت. وإن حزب الله يلعب دوراً أمنياً لا يمكن إنكاره، إنما بحثه ليس اليوم».
«القدس العربي» – سعد الياس