الثاني والعشرون من الشهر الجاري هو الموعد المحدد لعقد المؤتمر العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي سيختار زعيماً جديداً له ليكون خلفاً لأحمد داود أوغلو في رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء، وهي مهمة لن تكون بالصعبة على الرئيس رجب طيب أردوغان الذي تقول جميع التحليلات أنه يعلم جيداً الشخص الذي يريد تعيينه في هذا المنصب وينتظر الموعد الرسمي للإعلان عنه.
وعلى الرغم من أن أردوغان لا يحمل أي صفة رسمية في الحزب بعد أن قدم استقالته من رئاسته لتولي منصب الرئاسة في آب/أغسطس عام 2014 انصياعاً للدستور التركي، إلا أنه ما زال بمثابة الزعيم الحقيقي للحزب، وليس فقط كما يصفه البعض بـ»الزعيم الروحي».
ويدير أردوغان الحزب من خلال السيطرة شبه التامة للموالين له على اللجنة المركزية في «العدالة والتنمية» والتي تعتبر أعلى سلطة فيه ومسؤولة عن اتخاذ القرارات الكبيرة والهامة، والتي كانت آخر قراراتها سحب العديد من الصلاحيات الهامة المتعلقة بتعيين رؤساء المحافظات والمناطق في الحزب من يد رئيسه ـ داود أوغلو- تلبيةً لرغبة أردوغان الذي بدأ وقتها في «تهميش» داود أوغلو.
ويُجمع المحللون الأتراك على أن عملية اختيار الرئيس الجديد للحزب والذي سيصبح بالتالي رئيساً للوزراء لن تكون صعبة، فالعملية تنحصر في إعلان أردوغان عن الشخص الذي يريده، وبالتالي يدعمه أنصاره الذين يدينون بالولاء الكامل له.
وسائل إعلام تركية وعدد من كبار الكُتاب في البلاد قالوا إن جميع الترجيحات تصب في خانة أن أردوغان حسم قراراه باتجاه تنصيب وزير المواصلات بن علي يلدم على رأس الحزب والحكومة.
ووزير المواصلات والملاحة البحرية والاتصالات التركي، بن علي يلدريم، مواليد 1955، يعتبر بمثابة صديق شخصي لأردوغان ويتمتع بثقة عالية عند الرئيس الذي يسعى لتعيين شخصية لا تخالفه الرأي وتساعده في إيصال البلاد إلى دستور جديد يضمن تغيير نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي.
ويمتلك بن علي خبرة كبيرة في العمل الحكومي وكان محركا هاما للحكومات المتتالية لحزب العدالة والتنمية منذ عام 2002، وتربطه علاقة بأردوغان منذ عام 1994، وكان العقل المدبر للعديد من المشروعات الضخمة التي قادتها البلديات التابعة للحزب، وتقول وسائل إعلام تركية: «بن علي يلدرم هو المحرك الخفي للسياسة التركية ويقود مستشاري الرئيس أردوغان بحكمة كبيرة».
وفي ظل عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن حول اسم رئيس الوزراء المقبل، تبقى الشروط والمواصفات التي وضعها أردوغان لهذا الشخص هي الأهم، فالرئيس لا يهمه الاسم بقدر ما يعنيه أن يكون رئيساً للوزراء بمثابة مساعد له ومنفذاً لخططه للمرحلة المقبلة، وليس شخصاً يحمل رؤية شخصية في طريقة إدارة البلاد أو لديه أطماع في أن يكون له حضور قوي بجانبه.
وعلى الرغم من أن نظام الحكم في البلاد «برلماني» يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء وصلاحيات أقل لرئيس الجمهورية، لن يمنح أردوغان رئيس الوزراء المقبل أي مساحة للعمل بمفرده أو تنفيذ أي سياسات أو قرارات تخالف خطته للسنوات المقبلة والتي يسميها الرئيس «الطريق إلى تركيا الجديدة».
ويأمل أردوغان من رئيس الوزراء المقبل أن يصب جميع جهوده ومساعيه نحو دعم الهدف الأكبر له الآن وهو إقرار دستور جديد للبلاد يتضمن تحويل نظام الحكم «البرلماني» إلى «رئاسي» وذلك من خلال إتمام كتابة مسودة الدستور الجديد وتعزيز النقاشات حولها في البرلمان، ومحاولة الحصول على الأصوات اللازمة لطرحه إلى الاستفتاء الشعبي العام، على أن يتم العمل به قبل نهاية العام الحالي.
وكان الدستور الجديد من ضمن أبرز نقاط الخلاف التي أنهت سنوات التعاون بين أردوغان وداود أوغلو، حيث أكدت العديد من المصادر المقربة من الزعيمين أن داود أوغلو لم يعمل بالشكل الذي أراده أردوغان لتسريع طرح الدستور للاستفتاء ولم يكن مؤمنا بالفكرة بالدرجة نفسها التي أرادها الزعيم الأقوى في البلاد خلال السنوات الأخيرة.
كما سيدفع أردوغان برئيس الوزراء الجديد لاتخاذ موقف أكثر صلابة في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي على خلاف ما اتُهم فيه داود أوغلو بـ»التراخي»، حيث هدد أردوغان خلال الأيام الأخيرة بنسف «اتفاق اللاجئين» الذي توصل إليه داود أوغلو في حال عدم إيفاء المفوضية الأوروبية بتعهداتها القاضية بإلغاء تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك، بعد أن رفض تنفيذ شرطين للمفوضية متعلقين بتغيير قانون مكافحة الإرهاب وحماية البيانات الشخصية.
وكان داود أوغلو أعلن عقب اجتماع للجنة التنفيذية للحزب الحاكم أنه قرر عقد اجتماع استثنائي للمؤتمر العام للحزب في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، مؤكداً أنه لن يعلن ترشحه لرئاسة الحزب مجدداً، وشدد على حرصه على وحدة الحزب وتماسكه.
جاء ذلك عقب خلافات حادة بين أردوغان وداود أوغلو تمحورت حول العديد من القضايا أبرزها، صلاحيات حكم البلاد، والصلاحيات داخل الحزب، وملف الانضمام للاتحاد الأوروبي، والخلافات حول الدستور الجديد والنظام الرئاسي، وتعامل أردوغان مع ملف الأكراد ومساعيه لرفع الحصانة البرلمانية عن نواب حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
القدس العربي