قد يحصل هذا الشهر القادم: فبنيامين نتنياهو سيودع باراك أوباما. كلاهما سيتواجدان في نيويورك بمناسبة انعقاد الجمعية العمومية للامم المتحدة. اتفاق المساعدات الأمريكية لإسرائيل للعقد القادم يكاد يكون متفقا عليه، وهناك احاديث عن امكانية أن يوقعه الرجلان المكشران الواحد للآخر في موعد قريب او تماما حين يكونان في المدينة الكبيرة، ولعل رئيس الوزراء سيقفز إلى واشنطن لعدة ساعات. وستكون هذه هي المرة الأخيرة. اللقاء، نصف اللقاء، نظرة واحدة خاطفة والانتظار للشتاء الواشنطني.
يخشى نتنياهو خطوة نهائية من أوباما، بعد 8 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد الانتخابات، حين يصبح رئيسا بلا تأثير على الانتخابات ولكن مع صلاحيات وهدف واحد: إرثه. ماذا سيفعل؟ هل سيستغل الرئيس الزمن لخطوة واحدة أخيرة في الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؟ هل يضع أساسات لخطة السلام كأجندة مستقبلية لحكومة هيلاري كلينتون، إذا ما انتخبت؟ هل يرسم وجه الانسحاب الإسرائيلي كي يقيم فلسطين؟
احد لا يعرف، والاراء، هنا وهناك في واشنطن ايضا ـ منقسمة. هل سيكتفي أوباما باحساس ان نتنياهو دفع ثمنا في اتفاق المساعدة على خطواته ضده في موضوع صفقة النووي مع إيران، هل سيحاول دق اسفين اخير لرئيس الوزراء؟
نتنياهو، بالمناسبة، ملتزم بتسويق اتفاق المساعدات مع أمريكا كانجاز هائل، رغم أنه برأي العديد من الخبراء الذين عملوا معه وفي حكومته، فوت فرصة تساوي مليارات حين لعب لعبة «الحرد» مع الادارة. وبالتالي، فإن عليه أن يسوق مبلغ المساعدات كـ 39 مليار دولار لعشر سنوات، دون علاوات من الكونغرس بأنه زيادة سخية، كي لا يتهم بتفويت الفرصة. ولعل الثأر الصغير هذا سيكفي أوباما، ولكن نتنياهو ليس مقتنعا بذلك.
ماذا تريد إسرائيل
هذا هو زمن نتنياهو لاستباق الضربة بالوقاية. هذا هو الزمن الذي يمكن فيه لإسرائيل أن تعمل وتبادر، كي تحاول تصميم منظومة العلاقات مع البيت الابيض في 2017 بشكل افضل وتوجيه الجهود الأمريكية نحو خطوات تحسن وضعها الاقليمي، وهكذا تقيد المناورة السياسية غير المتوقعة في الساحة الدولية. وعليه، يتعين على نتنياهو ان يتخذ خطوة لا يتميز بها اسلوبه وفكره وان يعرض مبادرة إسرائيلية.
على المبادرة أن تقوم على اساس خريطة الطريق، تلك الخطة العتيقة من العام 2003 التي انزلت على ارئيل شارون وأقرتها حكومة إسرائيل مع تحفظات، وقبلتها ايضا حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن. نتنياهو، بالمناسبة، كان في حينه وزير المالية وصوت إلى جانبها. صيغة خريطة الطريق اياها يتعين تعديلها، رفع مستواها، توسيعها ـ وجعلها خريطة طريق اقليمية للعقد القريب القادم في الشرق الأوسط.
في الخطة التي على نتنياهو أن يتقدم بها، عليه ان يعرض الخطوات اللازمة للتنفيذ في الشرق الأوسط حسب فكرة إسرائيل. وذلك كي يصل إلى اهداف قابلة للتحقق وباعثة على الامل. عليه أن يحدد الشروط لوجود علاقات جيرة، وقف نار أو تسويات سلمية في كل واحدة من الساحات كي يمنع مبادرات زائدة تنزل بشكل عام على إسرائيل وتحظى باوصاف مثل «ساذجة، هاذية ومنقطعة». باختصار، عليه ان يوضح ما الذي تريده إسرائيل.
إذن هاكم اقتراح، بالخطوط العامة: خريطة الطريق الشرق اوسطية هي خطة تؤدي بشكل تدريجي إلى تسويات جيرة وقدر الامكان تسويات سلام تمنع حالة الحرب في المنطقة وتسمح بالتنمية والفرص لسكانها. إسرائيل معنية بأن يؤدي تحقيق هذه الخطة إلى إنهاء النزاع مع العالم العربي وإلى علاقات سلام وجيرة مع كل دول الشرق الأوسط.
إيران
إسرائيل تعرض الشروط لتحقيق تسوية مع إيران: وقف الاعمال العدائية، التآمر والإرهاب بين الدولتين، وقف التحريض والاعتراف المتبادل بين الدولتين.
خريطة الطريق تقرر المباديء للسلوك حيال القوة العظمى الاقليمية في العصر ما بعد الاتفاق النووي. تعرض الاتفاق النووي كحقيقة سياسية تقبلها إسرائيل، حتى لو كانت عارضتها، وتدعو إلى رقابة وثيقة على تنفيذ الشروط التي اتفق عليها. تعرض الاهداف الاضافية للرقابة بشكل خاص قبيل انتهاء مفعول القيود في الاتفاق، بعد 9 و 12 سنة على التوالي. مثلا، اعمال لتقييد خطة تنمية الصواريخ بعيدة المدى لطهران وتجنيد أدوات العقوبات ليفرض على النظام الإيراني تفكيك ترسانة الصواريخ للمدى البعيد والمتوسط في غضون عقد. تدعو الخريطة طهران للامتناع عن الاعمال لتمويل الإرهاب الإسلامي وضعضعة الحكم في الدول المجاورة، وهكذا تجند للمبادرة الدول العربية السنية وتعرض خطوات عملية لجباية ثمن على استمرار التآمر وتمويل الإرهاب الإيراني. هكذا مثلا، تقرر بأن كل مبلغ يثبت أنه نقل لأعمال إرهابية يجبى من إيران بوسائل أخرى من قبل الاسرة الدولية بواسطة التهديد بالعقوبات على صناعة تكرير النفط. وينقل هذا المال مباشرة إلى المنظمات العاملة في طهران من اجل حقوق الانسان. حكم آيات الله يجب أن يشعر بأن استمرار التمويل لحزب الله يمس بامكانيات تحكمه في داخل الدولة.
سوريا
تعرض إسرائيل خريطة طريق لانهاء الحرب في سوريا واعمار الدولة. وتدعو إلى تنحية بشار الأسد عن الحكم وتعرض بديل تفكيك الدولة واقامة جيب علوي بحكم ورثة الاسد. تدعو إلى اعمار الدولة ونقل الحكم إلى جهات معتدلة لا ترتبط بالإسلام المتطرف ـ داعش، حزب الله أو جبهة النصرة. تدعو إلى اعتراف دولي بسيطرة إسرائيل في الجولان، رغم الاحتمال الطفيف بأن يقبل هذا، وبالمقابل تضمن المساعدة الاقتصادية والإنسانية للدولة الجديدة، بما في ذلك اتفاق تعويض مالي سخي على الحصول على ارض هضبة الجولان. يمكن لإسرائيل أن تعرض خريطة طريق لسوريا، تتضمن حزاما أمنيا، وتدخل إلى اطار الاعتراف الدولي الخطوط الحمراء التي تنفذها عمليا: الامتناع عن نقل السلاح، اعمال التسلل او شبكات الإرهاب.
مصر
تعرض إسرائيل خطة متدرجة لجعل شبه جزيرة سيناء منطقة تجارة حرة وسياحية بالتعاون مع مصر ودول المنطقة. تتضمن هذه الخطة حربا متداخلة ضد داعش في ظل تطبيق اتفاق التفاهم لكونداليسا رايس، والذي يعيد إلى القبائل البدوية في سيناء مصادر دخلها من السياحة أو من تطوير صناعات بديلة.
يشار إلى ان تجندهم لداعش هو نتيجة أزمة اقتصادية بعد أن سحب الحكم في القاهرة منهم السيطرة على الشواطيء. بعد أن ارتزقوا من تهريب النساء، المخدرات واللاجئين، اصطدم رجال القبائل بالجدار الذي اقامه نتنياهو في الجنوب وتوجهوا إلى البديل التالي الاكثر ادرارا ـ داعش.
الفلسطينيون
تعرض إسرائيل خطة تدمج كل الامور التي كان نتنياهو مستعدا لها حتى الان. اقامة دولة فلسطينية مجردة، يسيطر الجيش الإسرائيلي امنيا على حدودها وفي المنطقة نفسها. ويكون الجديد هو عرض شروط وقواعد لإنهاء الوضع ونقل الحكم إلى جهة مستقلة. بمعنى أن إسرائيل تسيطر في المرحلة الاولى على كل شيء في ظل وجود اختبارات تنفيذ: اقامة دولة ديمقراطية عربية، تحترم القانون، تعمل حسب قواعد التدخل ومنع الإرهاب بشكل منسق مع إسرائيل والولايات المتحدة وتسمح بالاستيطان الإسرائيلي في اراضيها. على إسرائيل أن تعرض أي نوع من الدولة الفلسطينية مستعدة لأن تقبل بها وتقتطع رجعيا التنازلات الممكنة ـ مثل إعادة انتشار الاستيطان ـ بما في ذلك تكثيف الكتل واخلاء المستوطنات المنعزلة ونقلها إلى كتل استيطانية قائمة او جديدة ـ حسب نتائج محسوبة وواضحة من الكيان السياسي الفلسطيني الذي سيقوم.
خريطة طريق 2017 هي الحل السليم الأسلم لاستقبال الرئيس/ة القادم/ة للولايات المتحدة. مع استعداد للتقدم، مع اهداف واضحة واشارة للمبادرة. بدون خريطة كهذه سنبقى بلا مخرج، في شرق أوسط في أرضه نغرق في السنوات الأخيرة.
اودي سيغال
القدس العربي