مهما كانت تهمة المحامي منعم هيلانة، من قرية حينة المسيحية الكائنة بريف القنيطرة، فلا يوجد قانون في الدنيا يبرر ما لقيه في فرع فلسطين، في المخابرات السورية، هيلانة، كما كتب، اعتقل على الحدود اللبنانية السورية في الأول من نيسان الماضي.. وبعد خروجه من الاعتقال بدا منكسراً لهول ما لاقاه من تعذيب، لم يتحدث إلا قليلاً عما لقيه، لم يكن متوازناً .. انتظر حتى استطاع النفاذ بريشه خارج الوطن ليسطر على صفحته تلك اللحظات الرهيبة التي عاشها في المعتقل طيلة أربعة عشر يوماً، وقبل خروجه من سوريا بيوم سافر” منعم” إلى قريته ” حينة” ودع أقرباءه وأصدقاءه وتراب قريته وأشجارها، وفر بما بقي منه!
يروي منعم هيلانة الملقب “بأبي صافي” قصته المأساوية التي تختصر جزءاً مما يلاقيه المعتقلون في زنازين وأقبية المخابرات السورية، فيقول..
في اليوم الأول في المعتقل :
من الساعة التاسعة صباحا حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل، وانا اقف بمواجهة الحائط في الطابق الرابع تحت الأرض، ربي كما خلقتني- ودون اي سؤال او السماح به، اسمع وارى بطرف عيني تكسير عظام القفص الصدري للموقوفين، فقط لأنهم أسندوا رؤوسهم على الحائط من تعب الوقوف- وقتها قلت ربي..أبعد عني هذا الكأس!
ويتابع الاستاذ منعم هيلانة رواية مأساته في اليوم الثاني في فرع مكافحة الارهاب، اي 2-4-2015 تم تحويلنا ليلا الساعة الواحدة والنصف الى المهجع رقم 18 والذي يعتبر مهجع خمسة نجوم – وهو عبارة غرفة 4 في 8 اي مساحة32 مترا مربعا – يوجد فيها 82 موقوفا – وفيها حمام متر في متر لا أكثر. دخلنا عراة وبقينا عراة وقوفا دون اي طعام او شراب – وكان يوم خميس – وهنا اخذ التعب يتملكني وأخذت أتمايل من شدة التعب وبدأت قواي تنهار ولم اعد استطيع الوقوف ولم اعد أرى بعد أن بقيت واقفا أكثر من 24 ساعة متواصلة- ودون اي طعام او شراب- وقد نمت وانا واقف لا اسمع لا ارى لا احس باي شيء- ويقيت على تلك الحالة من يوم الاربعاء صباحا حتى يوم السبت ليلا الساعة الثانية بعد منتصف الليل ساعة بدء التحقيق.
وفي اليوم الخامس من الاعتقال يقول منعم : الاحد بتاريخ 5-4-2015 اي بعد اربعة ايام من بدء الاعتقال، بدأت اترنح من التعب والوقوف والجوع والعطش وقلة النوم، تم استدعائي وخرجت الى التحقيق عاريا حافيا مترنحا تعبا، مشيت على هدى الغريزة لا ارى امامي الا الدماء -وانا نصف ميت نصف حي-انظر فقط امامي والى الاسفل – وجدت امامي طاولة عليها الكثير من اقلام الرصاص ووجدت انصاف اقلام على الارض ملطخة بالدماء وتبين بان عمل تلك الاقلام هو من اجل غرزها وكسرها باجسام الموقوفين، وبأماكن مختلفة – ولم يسألني شيئا ابدا ،ولم يكلمني بشيء، فقط وضع كيبل البطارية السالب على صدري الايمن والكيبل الموجب على صدري الايسر وفتح التيار الى اخره وبسرعة واغلقة، وبدأت انا افرفر كالعصافير وقلبت الكرسي الذي اجلس عليه وارتطم راسي بالأرض، وهنا لم اعد اسمع او ارى وقد غبت عن الوعي ،ولم استيقظ الا وانا في المهجع مرميا على الارض والدماء تملأ رأسي!
هؤلاء هم “حماة الديار” يا صديقي، الذي لم يزل يتغنى بالنظام السوري، ووطنيته وممانعته، أحببت فقط أن أحاول إعادة بعض التوازن لما دأب على كتابته في صفحته على فيسبوك، متغنيا بـ.. حماة الديار!
حلمي الأسمر – الدستور