يروي مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، تفاصيل اعتقاله في سوريا، بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة، رغم وجوده هناك بصورة قانونية، إلا أن هذا لم يحمه من السجن.
لندن: أمضى مراسل صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية سام داغر فترة في أحد سجون النظام السوري، بعد إلقاء القبض عليه عام 2013 بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة. ويروي المراسل الأميركي مشاهداته سواء خلال عمله في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو اثناء التوقيف:
القانون لا يحمي
“كان التعرض للاعتقال على يد نظام الأسد والتغييب في واحد من سجونه السرية الكثيرة، خوفاً مقيماً خلال الفترة التي أمضيتها في سوريا مراسلاً، من تشرين الأول (اكتوبر) 2012 إلى آب (اغسطس) 2014. كنتُ في سوريا بصورة قانونية، ولكن هذا لم يوفر على من كنتُ أُقابلهم أو كانوا يساعدونني في أداء عملي، امكانية الاعتقال. واتضح انه لم يحمني أنا ايضا.
الجميع يفترضون ان اتصالاتهم الهاتفية ورسائلهم الإلكترونية وكل حركاتهم وسكناتهم تخضع لمراقبة أجهزة النظام الأمنية. وكان التحذير الذي أتلقاه باستمرار، احياناً حتى من موالين للنظام هو “كن منتبهاً، فهم يستطيعون أن يفعلوا بك أي شيء ويلقون المسؤولية على المجموعات المسلحة“.
أساليب وحشية
في الأيام الأولى من الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد، اعتقلت قوى الأمن آلاف السوريين، أحياناً لا لسبب سوى انهم يحملون بطاقات هوية، كُتب عليها أن مكان ولادتهم في منطقة ثائرة الآن. وتعرض كثيرون إلى التعذيب حتى الموت في سجون سرية، بحسب شهود ومنظمات حقوقية. ونادرًا ما تتسلم العائلات جثثهم، وإذا تسلمتها لا يُسمح لها بإقامة مجلس الفاتحة.
دفعت هذه الأساليب الوحشية كثيرين من المعارضين إلى التطرف وحمل السلاح، ولكنها عملت ايضاً على إرهاب غالبية السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وإسكاتهم. وكما قال لي ناشط معارض “إن كثيرين لم يتمكنوا من التغلب على ما غُرس فيهم طيلة عقود. فمن يأخذه النظام لا يعود أبدًا“.
الإعتقال
في اوائل آب (أغسطس) 2013، عرفتُ مباشرة ما يعنيه الإعتقال في احد هذه السجون. إذ كنتُ أُغطي الأحداث في مدينة حمص وسط البلاد، عندما اعتقلني افراد الميليشيا الموالية للنظام، المعروفة باسم “قوات الدفاع الوطني”. سخروا من بطاقتي الصحفية الصادرة عن الحكومة ورسالة رسمية تحدد الغرض من زيارتي حمص بتوقيع المحافظ.
قال لي قائد ميليشياوي ممتلئ الجسم، “أنت تعمل لصحيفة أميركية فلا بد أن تكون جاسوساً”. واتهم مساعدي وسائقي العلويين بالخيانة لعملهما مع أجنبي.
أُدخلت في سيارة محشورًا بين اثنين من أفراد هذه الميليشيا، يحملان بندقيتي كلاشكنوف. وكان السائق ومرافقه بملابس مدنية.
صرخ السائق “اخرس، أنت تسبب لي صداعاً” حين ناشدته أن يأخذني إلى الفندق حيث يستطيعون أن يؤكدوا هويتي. كانت إحدى يديه على المقود واليد الأخرى على مسدس بجانبه. وكان مساعدي وسائقي في سيارة أخرى تتبعنا.
وصلنا إلى مبنى اعتيادي بجانب حديقة عامة في حي سكني. بدا مثل أي مبنى آخر، من دون يافطة أو علامة، لكنّ حراساً مسلحين كانوا امامه. فتحوا بوابة المبنى ودُفعنا جميعًا أسفل السلالم إلى قبو المبنى.
وقفنا في ما يشبه مكتب استعلامات فندق رخيص، كان الطلاء متقشرًا عن الجدران التي عُلق عليها ملصق للأسد. أمرنا حارسان بدا عليهما الضجر يرتديان قمصانًا من دون أكمام، أن نسلِّم جميع متعلقاتنا، ونخلع كل ملابسنا ما عدا الداخلية. فتشونا وقالوا لنا أن نرتدي ملابسنا باستثناء الأحزمة وربطات الأحذية، التي أُضيفت إلى كومة تحت السلم. عصبوا أعيننا وأوثقوا أيدينا خلف ظهورنا.
أحدهم خطفني من ياقة قميصي وأوعز لي بالمشي. توقفنا بعد أقل من دقيقة، كنتُ أقف وسط دهليز على جانبيه زنازين، وكان رجل نحيف ممدداً على أرض احدى الزنازين، بلا حراك تقريبًا. كانت إحدى قدميه مربوطة بقضيب معدني، الحارس فتح الزنزانة الواقعة على الجانب الآخر. فخطوتُ داخلها وهو أقفل الباب.
كان في الزنزانة ثلاثة معتقلين، غاص قلبي في جوفي، وقفتُ في ركن أشعر بالذهول والخدر، جلستُ على الأرض فترة طويلة دون أن انبس بكلمة، لأني كنتُ اتساءل كيف ستجري المور. قال احد السجناء: “من الأفضل أن تعتاد على فكرة انك ستبقى هنا زمناً طويلاً“.
خلال الساعات التي مرت كنتُ أسمع صراخ رجل في زنزانة قريبة، بدا أنه يتعرض للضرب، وكانت الضربات تتخللها شتائم.
افراج
أُخذت إلى التحقيق في الليلة نفسها، طُرحت عليّ اسئلة تفصيلية عن طفولتي وعائلتي، وفي النهاية قال المحقق إن خطأ حدث وسيُفرج عني ومن معي.
ولكن قبل أن يفرجوا عنا جعلونا نوقع تعهدًا بألا نمارس أي نشاطات، سياسية وغير سياسية، ضد الرئيس الأسد. كما تعين علينا أن نتعهد بأن نشارك في أي تظاهرات مؤيدة للنظام إذا دُعينا للمشاركة فيها“.
ايلاف