قـــراءة فــي الــصحف
نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريراً يقول فيه، قالت الطبيبة والناشطة الإنسانية آني سبارو إنَّ منظمة الصحة العالمية (WHO) متواطئة في جرائمِ حربٍ بالتزامها الصمت حيال التدمير المُمنهَج لقطاعِ الرعاية الصحية في سوريا من قِبَل النظام وحلفائه.
ومنذ سنوات حتى الآن، ظلَّت منظمة الصحة العالمية مستمرةً في التحايلِ والمماطلة، في الوقت الذي تحترق فيه سوريا، وتنزف، وتتضوَّر جوعاً. وبرغم أنَّ المنظمة أنفقت في سوريا مئات الملايين من الدولارات منذ تفجُّر الصراع في مارس 2011، إلّا أنَّ الصحة العامة في سوريا تحوَّلت الآن من حالتها المثيرة للقلق في 2011 إلى حالة كارثية، وفق ما ذكر الموقع.
أُجليَ عشرات الآلاف من المدنيين من حلب الشرقية إلى ريف حلب الغربي، ومحافظة إدلب، اللتين لا تزالان تحت سيطرة قوات معارضة.
ويُفاقِم هذا التشريد الأزمة الصحية التي يواجهها قُرابة 2.5 مليون مدني في إدلب، وهم مَن نَزَحوا إلى المحافظة، إلى جانب سكَّانها الأصليين، إضافةً إلى نصف مليون آخرين في الأجزاء التي تسيطر عليها قوات المعارضة في حلب الغربية. ولا يضع هذا في الحُسبان أربعة ملايين مدني إضافيين يعيشون في مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة، يعيش أكثر من مليون منهم في مناطق لا تزال الحكومة تحاصرها.
ويزيد ذلك الحاجة إلى مساعدة منظمة الصحة العالمية في سوريا، تلك المساعدة التي يجب أن تُقدَّم وفقاً للحاجة إليها، ووفقاً كذلك لمبدأ الحيادية، الذي هو واحدٌ من المبادئ الأخلاقية المؤسِّسَة للمنظمة.
ورغم ذلك، لم تكن منظمة الصحة العالمية قط وكالة محايدة تخدم ذوي الحاجة. وكما يمكن أن يُستَشف من خلال إحدى الخطب التي ألقتها، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، إليزابيث هوف، أمام مجلس الأمن في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فقد منحت المنظمة الأولوية لعلاقاتها الدافئة بالحكومة السورية على حساب تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحاً للشعب السوري.
وإلى جانب إظهاره لسوء ترتيب الأولويات، كان العرض الذي قدَّمته هوف مليئاً بالمغالطات والحقائق غير المكتملة، وكان يميل بشدةٍ لصالح النظام السوري. ويمكن كشف هذا التحيُّز من خلال ثلاثة أجزاء مثيرة للقلق على نحوٍ خاص من عرضها.
الجزء الأول: العرض المُشوَّه للأمراض المُعدية
أولاً فيما يتعلق بالأمراض المعدية، وهي مصدر قلقٍ دولي لأنَّ الجراثيم لا تضع الحدود في اعتبارها عند انتقالها، رسمت هوف صورةً إيجابيةً مُحرَّفةً حول جهود الحكومة السورية، في حين اختلقت دوراً محورياً لمكتب منظمتها في سوريا في حماية الأرواح. وادَّعت أنَّه، قبل الصراع، كانت “معدَّلات التغطية التطعيمية الوطنية 95%”، لكن الآن “بعد حوالي 6سنوات.. تراجعت معدَّلات التغطية التطعيمية بمقدار النصف”.
الجزء الثاني: التستُّر على شلل الأطفال
حين عاود شلل الأطفال الظهور من جديد في يوليو/تموز 2013، أخفت وزارة الصحة السورية الأمر لشهور، وأصرَّت على أنَّ نظام الإنذار والاستجابة المبكِّرة لديها، الذي أنشأته في سبتمبر/أيلول 2012، بمساعدةٍ تقنية وتمويلٍ منفرد من منظمة الصحة العالمية، كان يمكن التعويل عليه.
واعترفت وزارة الصحة السورية في أكتوبر/تشرين الأول فقط أنَّ تفشِّياً لشلل الأطفال كان جارياً بعد تقديم دليلٍ مخبري لا يمكن إنكاره عن طريق التنسيق بين أطباء يعملون داخل مناطق الصراع، و”وحدة تنسيق الدعم (ACU)” المدعومة من قِبَل المعارضة، والحكومة التركية، ووكالة “مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (CDC)” التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية.
إنَّ ادِّعاء هوف بأنَّ شلل الأطفال “أُعِيد القضاء عليه بفضل جهودٍ متضافرةٍ من منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف” هو محاولةٌ مخزية لإعادة كتابة التاريخ ونسب الفضل لغير مستحقِّيه.
وعلاوةٌ على ذلك، يمتد اعتماد منظمة الصحة العالمية على نظام الحكومة الضعيف والمسيَّس لرصد الرعاية الصحية وإعداد التقارير إلى ما هو أكثر من شلل الأطفال.
الجزء الثالث: تواطؤ بالتستر
ليس الأمر مقتصراً فقط على تستر منظمة الصحة العالمية على الآثام الطبية للحكومة السورية، ولكنها متواطئة معها أيضاً.
وفي مقالٍ شاركت في كتابته بعنوان “دم وحرب”، أظهرت أنَّ منظمة الصحة العالمية في سوريا قد كذبت بشكلٍ متكررٍ على المتبرعين ووسائل الإعلام حول دعمها لوزارة الدفاع السورية بين عامي 2014 و2016 من خلال شرائها بملايين الدولارات أجهزة نقل دم، واختبارات الكشف عن الأمراض التي تنتقل عبر الدم مثل نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، والتهاب الكبد الوبائي بي وسي، وأدوات أخرى.
لا يقتصر تأثير هذا الأمر على وضع أجهزة إنقاذ الحياة تلك في أيدي مؤسسة ذات تاريخ طويل من تجاهل المبادئ الإنسانية، ومنع التحويل الآمن للدماء ليس فقط لجنود المعارضة الجرحى، وإنما أيضاً لعشرات الآلاف من المدنيين الجرحى كل شهر في حلب الشرقية، والغوطة والمناطق الأخرى التي تسيطر عليها قوات المعارضة.
توفر هذه المعونات على وزارة الدفاع الأموال التي كانت ستنفقها على شراء هذه الاحتياجات المتعلقة بالدم، وتمكِّنها من استخدام المال في استهداف المستشفيات والبنى التحتية المدنية، وسجن وتعذيب الأطباء. باختصار، يمكِّنها هذا من تقويض الأولويات الظاهرة لمنظمة الصحة العالمية، والمتعلقة بالرعاية الصحية.
وبالنظر إلى شكر هوف، مؤخراً، لروسيا على توفير الرعاية الصحية العاجلة لبعض المدنيين الذين أُجبَروا على الفرارِ من حلب، بعد أن ساعدت روسيا على تدمير كل المستشفيات هناك، فمن الصعب أن نثق في روايتها عن الكارثة الصحية العامة في سوريا، باعتبارها ممثلة المنظمة هناك، أو أن نثق في كفاءتها في التعامل مع هذه المشكلة، ولا أن نثق في زعم المنظمة احترامها للمبادئ الإنسانية من النزاهة والحياد والإنسانية.
الـمركز الـصحفي الـسوري _ صـحف