يقبل الثلاثيني أبو قصي، أيدي أمه وأبيه، ويطلب منهما الدعاء له بالتيسير، وأن يسامحانه. تضمه والدته إلى صدرها وتدعو الله أن ينتقم ممن كان سبب تفريقهما، أما ابنته الصغرى فتعانق جدها محاولة إقناعه بمرافقتهم، لكنه يكتفي بتقبيلها وطمأنتها قائلا: “إن شاء الله لن تطول غيبتكم”.
قرر أبو محمد أن يغادر وحيدا تاركا زوجته وأطفاله الثلاثة في المدينة. يجلس على جانب الطريق محتضنا الأطفال ومكررا عليهم إطاعة أمهم، قبل أن يطمئن زوجته قائلا: “بمجرد أن أستقر سأرسل لكم. لا تقلقي واهتمي بنفسك وبالأطفال”.
ويؤكد الرجل لـ”العربي الجديد”، أنه لن يصطحب عائلته إلى المجهول، قائلا “سمعنا أن المهجرين يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد مسكن أو عمل، أخشى أن أضطر للنوم في العراء إلى أن أجد منزلا مناسبا، لذا سأترك عائلتي هنا ريثما أتدبر أمري في الشمال”.
ويضيف “فكرت كثيرا بخيار التسوية، لكن لم أستطيع تقبل العيش مجددا تحت سطوة النظام، أو أن أشاهد شبيحته في المدينة، وربما يتم استدعائي للخدمة في قوات النظام لأرفع بندقية في وجه أبناء بلدي في الشمال”.
أما العشريني السوري مهند، فاختار البقاء قائلا “أنا في سن التجنيد الإجباري، لكن النظام قال إنه سيعطينا مهلة 6 أشهر قبل استدعائنا للخدمة، سأحاول قبل أن تنتهي المهلة أن أخرج من البلد بشكل نظامي، وإن لم أستطع سأتوجه إلى ريف حلب”.
وقالت منى، لـ”العربي الجديد”: “لا أصدق النظام، وأعلم أنه سينتقم من كل من خرج في مظاهرة ضده، فكيف بمن كان ناشطا طبيا أو إعلاميا مثلي، هو يعتبرنا أخطر من المقاتلين”.
وأضافت “لا يمكن وصف شعوري بالمرارة والقهر. أهجر أهلي ومدينتي فقط لأني لا أريد أن أعترف بشرعية النظام. لا أعلم ما ينتظرنا في الشمال، لكن مهما طال الزمن سأعود إلى مدينتي وأحقق أحلامي فيها”.
وأفاد ناشطون محليون لـ”العربي الجديد”، بأن عشرات العائلات بدأت صباحا بالاستعداد للخروج من مدينة الضمير إلى مدينة جرابلس في ريف حلب، بعد اتفاق مع القوات الروسية يجبر من لا يقبل بإجراء تسوية مع النظام بالخروج من المدينة.
ريان محمد – العربي الجديد