أثارت الصورة الشهيرة للطفل السوري عمران داقنيش في سيارة الإسعاف ووجه المخضب بالدماء تعاطفا دوليا. لينا سيرغي عطار تتساءل: هل تتخطى هذه الصورة كونها مجرد هاشتاغ لتتحول إلى تحرك حقيقي ينهي تلك الحرب؟
“يبدو كتمثال”. هكذا وصفت ابنتي، 11 عاما، الطفل السوري عمران داقيش، 5 سنوات، عندما شاهدت فيديو يظهر فيه مغطا بالدماء والغبار لدى جلوسه على كرسي برتقالي زاهي اللون في سيارة إسعاف.
كان الطفل يجلس في صمت مطبق، ويحدق أمامه بعيون مرهقة.
يتحرك التمثال، ويضع يده على جبهته المخضبة بالدماء، ثم يتأملها بارتباك.
وبعد ذلك قام عمران الصغير بشيء يماثل ما يراه جميع الآباء من أطفالهم: بعد لحظة تردد، مسح يده على الكرسي، وهو ما يفعله أطفالنا تماما عندما يقع شيء على أيديهم، مثل صلصة الطماطم أو الآيس كريم أو الشوكولاتة. لكنه لا يكون دماء.
تقليد سنوي
مرة أخرى، يصاب العالم بصدمة بسبب صورة طفل سوري.
أنقذت مجموعة “ذوي الخوذات البيضاء” للدفاع المدني عمران مع عائلته بعدما أصابت غارة جوية يعتقد أنها روسية منزله في منطقة خاضعة لسيطرة المعارضة شرقي حلب.
وبرزت صورته على الصفحات الأول لكل الصحف العالمية الكبرى، وحظيت باهتمام لدى نقاش الأوضاع في سوريا، وانتشرت كثيرا على وسائل الإعلام الاجتماعي.
ويبدو أن نهاية الصيف أصبحت تقليدا سنويا يستيقظ خلاله العالم على مأساة سوريا من خلال صور لمعاناة أطفالها.
فقبل ثلاث سنوات، ظهر صور أطفال كانوا من ضحايا هجوم الغاز من منطقة الغوطة خارج دمشق. اختنق الأطفال حتى الموت أثناء نومهم في ملاجئ تحت الأرض بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية. وألقيت اللائمة، على نطاق واسع، على قوات الحكومة السورية.
وبدا الأطفال وكأنهم دمى من الخزف ممدة في صف واحد، شكلها شمعي ولا تظهر عليها إصابة واحدة.
أما العام الماضي فكانت مأساة الطفل ايلان كردي، الذي لفظه البحر المتوسط على ساحل تركيا، بعد فشله في الوصول إلى اليونان مع عائلته وغرقه أثناء فراره من الحرب مثل الملايين من اللاجئين الآخرين.
وأسر ايلان قلوب العالم، واستحوذ على تعاطفه بصورته التي ظهر فيها بقميص أحمر وسروال قصير وحذاء صغير، وأصبح رمزا لمحنة اللاجئين.
أما عمران فتحول إلى رمز سوريا في 2016.
للأسف، كل عام تحظى هذه الصور بملايين التغريدات ونقرات الإعجاب والمشاركات. وتؤجج غضب شعبي، وتؤدي لتدفق تبرعات لمنظمات الإغاثة، ثم بعد بضعة أيام أو أسابيع، تتلاشى الصورة ويتم نسيانها وكذلك الأزمة.
وتتواصل الأحداث، فتستمر غارات القوات الحكومية السورية وحلفائها لتسقط قنابل من كل نوع على المدنيين. ويواصل ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” ترويع السوريين الذين يعيشون تحت سيطرته. ويستمر ارتفاع عدد القتلى وتفاقم أزمة اللاجئين.
نفض المجتمع الدولي والأمم المتحدة أيديهم. ولذا، يمر عام وتنتشر صورة أخرى بشكل كبير، مرة بعد أخرى.
صمت
أثر كل فعل مشين في الحرب السورية منذ عام 2011 على الأطفال، بدءا من الهجمات بالأسلحة الكيماوية والتهجير الجماعي والبراميل المتفجرة والغارات الجوية وصولا إلى التجويع القسري والتعذيب.
وبالنسبة لأطفال، مثل عمران، كل ما يعرفونه في الحياة هو الحرب.
لقد أصبح واقع ملايين الأطفال الذين تربوا خلال هذا الصراع القاسي قاتما، ومستقبلهم أشد ظلمة.
إذا بقوا في منازلهم، فإنهم أهداف للقنابل والصواريخ. وربما يعانون الجوع والمرض إذا كانوا يعيشون في المناطق المحاصرة. وربما لا يمكنهم الذهاب للمدارس أو حتى الوصول عبر ممر آمن إلى المدرسة.
وإذا غادروا مع عائلاتهم عبر الحدود السورية إلى بلد مجاور، قد يتعرضون للإجبار على العمل كعمالة أطفال لإعالة أسرهم.
وينضوي الذهاب إلى دول أبعد على مخاطر أكبر: بداية من الغرق في الطريق إلى أوروبا، أو الوقوع في معسكرات الاعتقال. وحتى إذا وصولوا إلى ملاذ آمن، فإنهم لا يزالون عرضة لحملات التمييز والكراهية.
أطفال سوريا غير مرحب بهم أينما ذهبوا.
خلال هذا الأسبوع، طغت صورة واحدة لصبي واحد في لحظة واحدة على عشرات اللحظات التي حدثت كل يوم في سوريا على مدار خمس سنوات وستة أشهر.
وفي كل يوم، يوجد الكثيرون أمثال عمران لكن لم يشاهد أحد صورهم ولم تُعرف أسماؤهم.
وعلى عكس عمران، الذي كان محظوظا، لم يتمكن هؤلاء الأطفال من النجاة والبقاء على قيد الحياة.
هذه ليست لحظة هاشتاغ، بل يجب أن يتحول ذلك إلى تحرك لإنهاء الحرب.
بدا كتمثال وهو يحدق في الكاميرا ناظرا إلينا في صمت تام، كما لو كان يعرف مسبقا أن الصمت هو الرد المناسب الوحيد إزاء ما حدث للتو.
صمت الطفل يوازيه صمت العالم الذي يعرفه السوريون جيدا.