يجد المتابع لوسائل الإعلام في سورية, الفرق الشاسع بين الإعلام البديل وإعلام النظام؛ فالأخير هو حكومي يتبنى وجهة النظر الرسمية والدفاع عنها بقوة, فقد اتصف بالتماسك ووحدة الرسالة الإعلامية، و تجيير كل خبر لما يناسب القيادة السياسة, التي تملي عليه كل صغيرة و كبيرة، ممول من الحكومة وتمويله ثابت له خطط طويلة الأمد، يقوم على إدارته خبراء من سورية وإيران، رغم أنه كان يكذب بكل ما ينشر, ومع ذلك كان مصدر للمعلومة بالنسبة للكثير من المؤسسات الإعلامية ومصدر أساسي للمؤسسات الإيرانية والروسية والصينية، بالإضافة لتوظيف مبالغ كبيرة في الإعلام الموجه لغير العرب.
محطات مضيئة :
تنوع الاديولوجيات وتعدد الأطراف المتصارعة, ساهم برفع سقف الحريات وعدد الأنماط, واتاح للمتلقين السوريين مضامين متنوعة, و مؤسسات متنوعة بمضامين موادها وغني في ما تعرضه للجمهور, الأمر الذي ساهم بكشف الحقائق وإضعاف الإعلام الموجه ذو الرسالة الواحدة؛ مثل إعلام النظام وإعلام داعش المركز، من خلال تقديم الأدلة والبراهين على تزوير إعلام النظام للحقائق، واستطاع النشطاء الإعلاميين؛ رغم خطورة الداخل السوري, توثيق غالبية الجرائم والوصول للعالمية, ولجوائز عالمية كثيرة رغم بدائية الادوات والمخاطر الكبيرة التي تلاحقهم كونهم الحلقة الأضعف والأكثر استهدافا من قبل غالبية الأطراف.
واقع لابد من معرفته :
تغير الظروف السياسية في سورية, دفع وسائل الإعلام البديلة لتقديم تجربة مثيرة للإعجاب, في أكثر الظروف صعوبة، وتحديداً من ناحية الموقف الإنساني، خصوصاً بالصمود في عالم الإعلام المتراجع دولياً وحتى على صعيد المنافسة مع وسائل إعلام النظام وحلفائه على المدى البعيد, أثبتت جدارتها الكثير من المؤسسات في هذا المجال، ومع ذلك لم يستطع أن يرتقي ليحقق ما تمناه جمهوره والداعمين له والقائمين عليه, رغم النجاح الذي حققه في كثير من المحطات، ومن أبرز الاسباب التي ساهمت بوصوله للوضع الحالي، التهديد المباشر الذي يتعرض له الصحفيين والأصول والمعدات والمواقع في الداخل السوري، بما فيها من أجهزة البث والإرسال، سواء بسبب القصف أو السرقة أو المصادرة, الأمر الذي جعل من مهنة الصحافة هي الاكثر خطورة، وغالبية المؤسسات التي وجدت بعد انطلاق الثورة تفتقر للخطط المستقبلية والخبراء في ادارتها وهي قائمة على تجارب فردية، الأمر الذي جعلها تفتقر للخطط التي تطورها وتساعدها على الاستمرار، بالإضافة لتشتت جمهور وسائل الإعلام البديل، وصعوبة الوصول لجمهور أكثر تنوعا واعتماد هذه المؤسسات على جمهور محدد مشتت, وغير مالك لوسائل تمكنه من متابعة الإعلام البديل, ما حدد وصول الرسائل الإعلامية بفئة صغيرة محدودة، وزاد التشتت وضعف التأثير عدم التكامل والتنسيق بين المؤسسات بل دخولها في حالة تنافسية سلبية في كثير من الأحيان, رغم وجود بعض المؤسسات التي قدمت إنجازات كبيرة على الساحة الإعلامية، لكن التخبط وعدم التوازن والاستقرار كان السمة العامة الناتجة عن الاغتراب وعدم استقرار ومحدودية الدعم, وهجرة الكوادر المدربة وضعف أدوات القياس؛ للوصول والتأثير وعدم معرفة حاجة الجمهور بالإضافة؛ لعدم لاختصار المؤسسات على المادة الخبرية بعيدة عن التحليل أو المواد الاستقصائية، والكثير من المؤسسات في الداخل السوري بقيت مؤسسات مناطقية, وتنقصها الخبرات بسبب؛ صعوبة التواصل بين المناطق وضعف الامكانات وبالتالي غياب الرؤية الشاملة لعمل هذه المؤسسات الوليدة، وغموض أهدافها، وعدم وجود خطط استدامة لديها وخاصة بوجود دعم مادي غير مستقر وغير واضح الأهداف فالتمويل بغالبيته من الدول العربية أو من منظمات أمريكية, وهذا موجه لا يدعم الإعلام المستقل ويعمل على التحكم بالرسالة الإعلامية ويقدم لمؤسسات بعيدة عن الواقع السوري, والدعم الاوربي هو الأفضل؛ كونه يدعم الصحافة المستقلة لكنه ضعيف وقليل وهناك اخطأ كثيرة في التوزيع .
الفرق الشاسع في الأجور بين نشطاء داخل سورية, والعاملين في المكاتب بدول الجوار، جعل الناشط يشعر في الغبن؛ لذلك أضعف ولائه للمؤسسة ويدفع للتنقل المستمر بين المؤسسات، ماساهم بعدم الاستقرار، وكون الإعلام البديل وجد مع الثورة كان هناك صعوبة كبيرة للتمييز, بين الحالة الثورية للناشط والعمل الصحفي, وتطبيق مبادئ العمل المهني؛ ما حيّد الرسالة الإعلامية في بعض المؤسسات عن مسارها الحقيقي, في نقل الواقع واستخدام لغة الكراهية في بعضها الآخر واستخدام أساليب الصحافة الصفراء, بهدف الانتشار وسط ازدحام المؤسسات وتغليب الرؤية الشخصية للمؤسس, ودخول بعض المؤسسات في حالة صراع مع جهات مختلفة؛ لفرض سياسات بعيدة عن الإعلام وأهدافه السامية, وتداول الأخبار المزيفة, وعدم التحقق من مصداقيتها بالإضافة، الأمر الذي أثر على مصداقية الكثير من المؤسسات, وأبعدها عن ساحة التأثير.
لنرتقي بقطاع الإعلام الجديد :
يتطلب الارتقاء بقطاع الإعلام؛ وضع خطط طويلة الأمد للموازنة بين التعددية الفكرية الإعلامية، والتنظيم عبر مؤسساته وتنظيماته، وترسيخ قواعد أخلاقية لا تحد من حرية هذا الإعلام، وتساهم بتشذيبه, والحث على تمويل المؤسسات الإعلامية التي أثبتت جدارة وفاعلية, واستمرت وأثرت في الوضع الإعلامي داخل سورية, لتساهم بشكل أفضل بتنمية المجتمع, من خلال المساعدة لتطوير الرسالة الإعلامية لزيادة القدرة على التأثير بالجمهور, وتأطير العمل الإعلامي؛ عبر توجيه رسائل صحيحة، والعمل لإيجاد أرضية صلبة تجمع شتات الناشطين، وتكون مرجعًا” للتعاون بين الأفراد والمؤسسات المعنية والتعاون مع الأكاديميون, والعمل على دمجهم مع المؤسسات الحالية والتعاون معهم من أجل ردم الفجوة الناشئة بين الأكاديميين والنشطاء، لتأمين مظلة جامعة، على اختلاف التسميات، سواء نقابة صحفيين أو جمعية أو إعادة هيكلة المؤسسات الحالية, لتساعد العاملين في هذا الحقل حقوق الصحفي العالمي والعربي من حيث إصدار بطاقات متعارف عليها, وعقد مؤتمرات دائمة ودورية؛ لتأهيل الراغبين في احتراف الحقل الإعلامي.
المركز الصحفي السوري