في خطابه الذي أعلن فيه عن استراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحميل باكستان مسؤولية هزيمة بلاده في أفغانستان، وأشار وزير خارجيته ريكس تيلرسون إلى وجود زعزعة في الثقة بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة.
وقال ترامب في ذلك الخطاب “العمود الجديد في استراتيجيتنا الجديدة هو تغيير في التواصل مع باكستان، فلا يمكننا بعد الآن الصمت عن منح إسلام آباد، ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية، كطالبان، والجماعات الأخرى التي يمكن أن تشكل تهديداً للمنطقة وخارجها”.
هذه التصريحات سرعان ما لاقت صدىً في الأوساط الباكستانية، حيث أبدت إسلام أباد استيائها من تصريحات المسؤولين الأمريكيين، وقالت إنّها تعكر صفو التحالف القائم بين الجانبين منذ أكثر من 60 عاماً.
وقالت الخارجية الباكستانية في بيان ردت فيه على تصريحات ترامب ووزير خارجيته: “لا يوجد بلد في العالم، اضطر للتعامل مع خطر الإرهاب مثل باكستان.. كما لا يوجد بلد في العالم، صبر على ويلات الإرهاب القادمة من خارج الحدود مثل باكستان”.
وأدانت الجمعية الوطنية الباكستانية (البرلمان)، بالإجماع موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من إسلام أباد في إستراتيجيته الجديدة تجاه أفغانستان، واعتبر أعضاء البرلمان أن تصريحات ترامب، تمثل اعتداءً سافراً على السيادة الباكستانية وتهديداً لوحدة أراضيها
ووقف مسؤولو الحكومة الباكستانية وزعماء الأحزاب السياسية، صفاً واحداً ضدّ تصريحات الإدارة الأمريكية تجاه بلادهم، واعتبروا تلك التصريحات اعتداءً على السيادة الوطنية لباكستان.
وتعليقاً على الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفغانستان قال رئيس الوزراء الباكستاني شاهد عباسي إنّ إستراتيجية ترامب الجديدة في أفغانستان ستفشل، كما فشلت التي قبلها.
وأضاف عباسي قائلاً: “منذ البداية أكدنا على أنّ الخيار العسكري لن يجدي نفعاً في أفغانستان، وشددنا على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، ولن نسمح لأحد أن ينقل حرب أفغانستان إلى باكستان، ونحن لن نقبل أية مساومة على سيادتنا الوطنية”.
وضمن ردود الأفعال التي أبدتها إسلام أباد تجاه تصريحات ترامب، تأجيل وزير الخارجية خواجة محمد آصف زيارته المقررة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال آصف تعليقاً على الاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان: “باكستان حليف موثوق لواشنطن منذ أكثر من 60 عاماً، لكن هذا التحالف ألحق أضراراً بباكستان بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فالسلام في أفغانستان مهم بالنسبة لنا، وإسلام أباد قدّمت تضحيات كبيرة خلال مكافحتها للإرهاب”.
وأردف آصف: “الجنود الأفغان يبيعون الأسلحة الأمريكية إلى عناصر طالبان، وإنّ كانت الولايات المتحدة لا تثق بباكستان، فإنّ عليها الاستعداد لاستقبال اللاجئين الأفغان الذين يقطنون في أراضينا منذ أكثر من 35 عاماً”.
وفي حوار مع الأناضول أثناء زيارة رسمية إلى أنقرة، قبل أيام، اتهم آصف الأمريكيين بأنهم “هم من وفّر ملاذًا آمنًا لطالبان” وليس باكستان، وذلك ردًا على اتهامات الرئيس الأمريكي.
وأرجأت باكستان زيارة مقررة للأمريكية أليس ويلس، المسؤولة عن ملف وسط وجنوبي آسيا، بعد أسبوع من خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي هاجم فيه علنا اسلام اباد، واتهمها بإيواء مسلحين يهاجمون القوات الاميركية والافغانية.
ترامب يُحابي توجهات البنتاغون
الادعاءات المتعلقة باختباء زعيم طالبان باكستان الملا فضل الله في أفغانستان، وقيام الإرهابيين المرتبطين بمديرية الأمن الوطني الأفغاني ووكالة الاستخبارات الهندية بأنشطة في باكستان، تظهر المقاربات الأميركية المبنية على أحكام مسبقة تجاه باكستان المتهمة بـ “توفير ملاذ آمن لإرهابيين”.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أهمية تصريحات الأركان العامة الأفغانية في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، والمتعلقة بـ “تقديم إيران أسلحة إلى طالبان”، وعزم الولايات المتحدة على فتح الباب أمام إجراء مفاوضات جزئية مع حركة طالبان، وتخوفاتها من النفوذ السياسي الذي تملكه إسلام أباد على طالبان، واحتمال استخدام هذا النفوذ ضد واشنطن.
كما أن مشاركة الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف إلى جانب الولايات المتحدة في أصعب مرحلة من مراحل الحرب في أفغانستان، دفع باتجاه ظهور تقارب بين طالبان من جهة، وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى. وهكذا، بات يتحتم على باكستان، التي شغلت حيزًا مهمًا على أجندة الولايات المتحدة منذ عهد الجنرال أيوب خان وحتى عهد رئيس الوزراء السابق نواز شريف، وضع وإدارة سياسات واقعية في أفغانستان، بدلًا من الاعتماد على مجلس الأمن الدولي.
حل مشكلة كشمير سيغير التوازنات في المنطقة
تعمل الولايات المتحدة على وضع منطقة جنوب آسيا، من أفغانستان إلى بنغلاديش، تحت هيمنة الهند. وخدمة لهذا الغرض، وجهت الولايات المتحدة الهند لإنشاء شبكة استخبارات واسعة في أفغانستان، ودعمت نيودلهي بالأسلحة المتطورة وغير ذلك من المعدات الدفاعية الاستراتيجية، لزيادة نفوذها الاقتصادي والعسكري في أفغانستان لمواجهة نمو الصين و”التطرف” الإسلامي.
الحرب الاستراتيجية التي تشنها الولايات المتحدة في جنوب آسيا بالتعاون مع الهند، تستهدف بالدرجة الأولى الصين وروسيا وإيران، ولهذا السبب صرح المسؤولون الصينيون والروس، أن إسلام آباد لن تُترك وحدها في مواجهة الولايات المتحدة والحرب ضد الإرهاب.
إن استخدام “عنصر الهند” مقابل النفوذ الصيني في جنوب آسيا كجزء من “التوازن العالمي”، أدى إلى انعتاق باكستان من معضلة الاعتماد على الولايات المتحدة.
ورغم ارتفاع شعارات تقول بـ “باكستان لا تتلقى الأوامر من الولايات المتحدة والغرب” في باكستان، إلا أن حل مشكلة كشمير المستمرة منذ 70 عامًا بين القوتين النوويتين؛ سوف تساهم بشكل إيجابي على صعيد ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، بما في ذلك الوضع في أفغانستان.
السيناريوهات المحتملة
وبالنظر إلى النتيجة، فإن تحميل باكستان اليوم، وزر الحرب المستمرة منذ 16 عامًا في أفغانستان، والتي أدت إلى إنفاق أكثر من 700 مليار دولار أميركي فضلًا عن إزهاق آلاف الأرواح، يعكس في الواقع فشل استراتيجيات الإدارة الأميركية، التي فضلت استخدام القوة وعدم الجنوح إلى المفاوضات وإيجاد حل سلمي.
ويرى خبراء عسكريون أن ترامب يسعى لتوفير الشروط الملائمة لتحويل أفغانستان إلى “داعش ستان”، من أجل زعزعة الاستقرار في جمهوريات آسيا الوسطى وروسيا والصين وباكستان عبر اشعال حرب متعددة الأقطاب، لا تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها. ولا يمكن وأد حرب من هذا النوع إلا باتباع استراتيجية مشتركة تتعاون من خلالها جميع بلدان المنطقة.
وفي هذا الإطار، ينبغي على باكستان حساب الخطوات المتخذة تجاه سياساتها واستراتيجياتها مع واشنطن بشكل دقيق، رغم كونها قوى نووية نحظى بدعم من روسيا والصين، قبل الدخول في أي مواجهة مع الهند، وإلا فقد تجد الإرهاب في أحضانها.
وعليه، فقد بدأ وزير الخارجية الباكستاني خواجه محمد آصف، زيارة تشمل طهران (11 سبتمبر/ أيلول) وأنقرة (12 سبتمبر/ أيلول) لمناقشة الاستراتيجيات الأمريكية الجديدة في أفغانستان وجنوب آسيا. وسوف تشمل الزيارة كل من روسيا والصين، بهدف “تشكيل وعي حيال الخطر القادم” و”تفعيل الجهود التي تبذلها بلدان المنطقة لخلق استراتيجية وتعاون مشترك”.
وهنا، ينبغي على واشنطن وانطلاقًا من أهمية الملف الأفغاني في العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، التركيز على إعادة بناء العلاقات الثنائية مع إسلام أباد، من خلال إنتاج حلول دبلوماسية وواقعية، باعتبارها الحليف القوي والشريك الاستراتيجي النزيه، وإلا فسيجد البيت الأبيض نفسه في مواجهة القوى الإقليمية إضافة إلى “داعش” و”طالبان”.
كما أن تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الأفغاني أشرف غني، في لقاء جمعهما على هامش اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي (10-17 سبتمبر الجاري) في العاصمة الكازاخية أستانة، ببذل المساعي اللازمة لرأب الصدع بين كابول وإسلام أباد وتطوير العلاقات الثنائية بينهما، من شأنه إطلاق عملية تساهم بشكل إيجابي في ترميم العلاقات بين البلدين الشقيقين.
الاناضول