خلال الساعات التي تلت هجوم الأربعاء، 22 مارس/آذار، على البرلمان البريطاني، بدأت إحدى الصور في الانتشار على الشبكات الاجتماعية. التُقِطَت تلك الصورة مباشرةً بعد قيادة خالد مسعود -منفذ هجوم لندن- إحدى سيارات الدفع الرباعي وسط حشدٍ من الناس فوق جسر ويستمنستر في لندن، ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص، وجرح العشرات.
يظهر بالصورة رجلٌ مُلقى على الأرض، ومارّة ثائرون ينظرون إليه. وصادف أن ضمَّت المجموعة سيدةً ترتدي حجاباً، وكانت تستخدم هاتفها، وكانت تبدو مُرتَعِدة، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
لكن مع بدء انتشار الصورة عبر موقع تويتر، ظهرت قصةٌ أخرى، تزعم أنَّ هذه السيدة المجهولة لم تكن تكترث بالفظائع التي حدثت أمامها. ولم تكترث بأنَّ رجلاً يحتضر أمامها على الأرض، بل ويرى بعض الناس أنَّها ربما كانت سعيدةً بالهجوم.
وغرَّد حسابٌ يحمل اسم “تكساس لون ستار” على تويتر معلقاً على الصورة قائلاً: “سيدةٌ مسلمة لا تُلقِ بالاً للهجوم الإرهابي، وتسير غير عابِئةٍ بجوار رجلٍ يحتضر، بينما تتحقَّق من هاتفها #صلَّوا_من_أجل_ لندن #ويستمنستر #احظروا_الإسلام”.
Muslim woman pays no mind to the terror attack, casually walks by a dying man while checking phone#PrayForLondon#Westminster #BanIslam
ولم يُحدِث لجوء المُصوِّر الذي التقط الصورة إلى التلفزيون لتوضيح الأمر أيَّ فارق. فكما أوضح المصور جيمي لوريمان لمحطة “ABC” الأسترالية، أظهرت سلسلة الصور التي التقطها حزن السيدة. فقال: “في الصورة الأخرى من سلسلة الصور، تبدو السيدة ذاهلةً حقاً… بصورةٍ شخصية، أعتقد أنَّها تبدو حزينة في كلتا الصورتين. إنَّ قلب الحقائق بهذه الطريقة هو أمرٌ خاطئ”.
وأسهب في توضيحه لصحيفة “الغارديان” البريطانية قائلاً: “كان يُطلَب منّا جميعاً إخلاء الجسر في مناطق مختلفة، ولذا من المنطقي الاعتقاد بأنَّها قد طُلِب منها مغادرة الجسر في منطقةٍ ما تماماً كالجميع”.
ولم تُغيِّر فكرة أنَّ المرأة حاولت تقديم المساعدة بعد الحادث من الأمر شيئاً. فوفقاً لتصريحٍ أدلت به من خلال مشروع “Tell Mama”، وهو عبارة عن مجموعة مقرَّها المملكة المتحدة، تحدَّثت السيدة في اللحظات التي تلت الهجوم إلى شهود عيانٍ آخرين، وأرشدت أحد الأشخاص إلى إحدى محطات المترو. وقرَّرت بعد ذلك الاتصال بعائلتها وإخبارها أنَّها بخير.
بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنَّ الإسلام دين عنف، والذين يرغبون في حظر جميع المهاجرين واللاجئين السوريين، كانت هذه السيدة المجهولة طريقةً سهلةً لإثبات شيءٍ يعتقدونه بالفعل: وهو أنَّ جميع المسلمين يكرهون الغرب، ويتمنّون الأذى والهلاك للغربيين. وأنَّ المُسلمين مُخيفون، وأنَّنا ينبغي أن نكون خائفين. لأنَّ الوحش فحسب بإمكانه أن يسير بجوار مشهدٍ كهذا، الذي كان فوق الجسر، دون أن يطرف له جفن.
(وبالطبع، كما لاحظ مراقبون، لم تكن السيدة المسلمة هي الشخص الوحيد الذي يستخدم هاتفه).
فغرَّد حسابٌ باسم “راشد بطي باليوحه” على موقع تويتر قائلاً: “حصلت صورة تلك الفتاة على الكثير من إعادة التغريد، لكنَّهم لم يرغبوا في التغريد بصورة ذلك الرجل، حتى رغم أنَّه فعل الشيء نفسه”.
Muslim woman pays no mind to the terror attack, casually walks by a dying man while checking phone#PrayForLondon#Westminster #BanIslam pic.twitter.com/B83Jwno65t
@SouthLonestar
The pic of that girl’s got many retweets , but they didn’t like to retweet that guy’s pic even though he did the same thing. pic.twitter.com/7I607tviIR
ويحدث هذا النوع من الأمور طوال الوقت. فيلتقط شخصٌ ما صورةً لشخصٍ يبدو أنَّه مسلم، ويذكر أنَّها تُظهِر قصةً شائِنةً معينة حول الدين، وبعد ذلك ينشرها في الأرجاء. وبعد وقتٍ قصيرٍ للغاية، تصبح الصورة محلاً للسخرية والهجوم الشديدين. ولا يهم إذا ما كان الشخص بريئاً تماماً، بل ولا تهم الحقيقة على الإطلاق.
حدث هذا الأمر لأنس مدماني، وهو شاب سوري يبلغ 19 عاماً، التقط صورةً شخصيةً (سيلفي) مع سيدةٍ بالكاد كان يعرفها من الأخبار. وكان مدماني قد فرَّ من داريا إلى أوروبا عام 2014 بعدما دُمِّر منزله. واستقرَّ مع أسرةٍ مُضيفة، وقضى وقته في تعلُّم اللغة والعمل لدى ماكدونالدز. وبعد ذلك، وفي إحدى الفعاليات، التقط صورةً مع أنغيلا ميركل. ووثَّق أحد مُصوِّري الأخبار هذه اللحظة أيضاً.
لم تَحُز الصورة آنذاك سوى على القليل من الانتباه. لكن بعد هجمات بروكسل، نشرت إحدى الصفحات على موقع فيسبوك رابطاً للصورة. وقال التعليق المُصاحب: “الغبي، والأغبي، يا أنغيلا: هل تلتقطين صور السلفي مع أحد إرهابيي بروكسل؟”. وانتشر المنشور بسرعةٍ كبيرة. وفجأة، كان الجميع يُشارِكون صورة مدماني. وكان يجري اقتصاص وجهه وتشويهه، لجعله يبدو شبيهاً بالمشتبه بهم الآخرين.
وأصبح الوضع سيئاً للغاية، لدرجة أنَّه أصبح يخاف السفر والعودة لزيارة أسرته، لأنَّه يعرف أنَّ أحد وكلاء الهجرة يبحث عنه. وقال مدماني لصحيفة “نيويورك تايمز”: “أريدُ السلام في حياتي. ولا يُصدِّق الجميع ذلك، الكثير من الناس يكرهونني، لكن كل ما فعلته هو أنَّني التقطتُ صورة سيلفي مع ميركل”.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة. مثل رسالة البريد الإلكترونية الشهيرة المُتداولة على شبكة الإنترنت، التي تحتوي على صورة لأحد “مواكب المسلمين” من عام 1985، يظهر بها مئات الرجال يركعون في صلاتهم بأحد شوارع مدينة نيويورك، ويستخدمها البعض للإشارة إلى أنَّ المسلمين دائماً ما يُعطلون حركة المرور بصلاتهم في مدينة نيويورك ظُهر الجمعة. وتقول الرسالة: “هذه صورة دقيقة لما يحدث ظُهر كل يوم جمعة في أماكن عديدة بمدينة نيويورك، حيث لا يجد عدد كبير من المسلمين مكاناً داخل المساجد. أهناك رسالة هنا؟! نعم، وهي أنهم يزعمون أنَّ أميركا لله. إذا لم نستيقظ قريباً، سوف يتسبب صمتنا بسبب اللباقة الاجتماعية في طردنا من بلدنا!”
ونشرت جماعة “بريطانيا أولاً” المضادة للهجرة والتنوع، وهي إحدى جماعات اليمين المتطرف، فيديو يَزعُم أنَّ المسلمين يبيعون النساء في مزادات. لكن في الحقيقة، كانت هذه تظاهُرة في لندن ضد داعش.
واستعمل أحد مستخدمي تويتر (أُوقِف حسابه عن العمل بعدها) برنامج فوتوشوب لتعديل صورة فيريندر جوبال، أحد أتباع الديانة السيخية، ليدَّعي أنه كان مسؤولاً عن الهجوم الإرهابي في باريس. يعيش جوبال في كندا (ويقول إنه لم يسافر إلى باريس مطلقاً). لكن بعد هجمات، نوفمبر/تشرين الثاني، سرق أحدهم صورةً التقطها جوبال لنفسه وهو ممسكٌ بجهاز آيباد، وعدَّلها ببرنامج فوتوشوب ليصير جوبال ممسكاً بمصحف ويرتدي حزاماً ناسفاً.
واستُخدمت الصور ذاتها للربط بين جوبال، الذي يعمل كاتباً مستقلاً، وبين هجوم الشاحنة الذي حدث في نيس.
وكتبت آبي أولهايزر، المراسلة بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، عن الأمر: “ألحقت تلك الكذبة ضرراً كبيراً بجوبال. وقال سيمران جيت سينغ، صديق جوبال، وهو زميل ديني قديم في الائتلاف السيخي، في حوارٍ أُجري معه صباح الجمعة: آخر مرة كانت مُثبطة للغاية، لدرجة أنَّ حياته بعدها لم تعد كما كانت”.
وهذا الأسبوع، نشر أحد مستخدمي الشبكات الاجتماعية المرتبطين باليمين الفرنسي المتطرف فيديو لرجل يضرب ممرضتين. وادعى هذا المستخدم أنَّ الفيديو قد سُجل في مستشفى عام بفرنسا، حيث كانت الممرضتان تعالجان أحد المهاجرين. وكتب المستخدم: “نحن نعالجهم، وهم يشكروننا على ذلك. إليكم الدليل”. ونشرت العديد من الحسابات المؤثرة على الشبكات الاجتماعية المرتبطة باليمين الفرنسي المتطرف هذا الفيديو، وزعمت أنه يُظهر مهاجراً يشن هجوماً ضد البِيض. وشوهد هذا الفيديو أكثر من 7 ملايين مرة.
لكنَّ هذا الفيديو في الحقيقة سُجِّلَ في مستشفى بروسيا. والرجل بالفيديو لم يكن مهاجراً.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغطهنا.
المصدر: هافينغتون بوست عربي