يتجه مشرعون أمريكان رفيعون إلى خفض تمويل عمليات جهاز المخابرات المركزية الأمريكي (سي آي أيه) لتدريب وتسليح المتمردين في سوريا, وهي خطوة قال مسئولون أمريكان إنها تعكس تزايد حالة الشك في فعالية برنامج الجهاز واستراتيجية أوباما في الشرق الأوسط.
صوتت لجنة المخابرات في الكونغرس الأمريكي مؤخرا بالإجماع على تخفيض حوالي 20% من الأموال السرية التي تذهب إلى برنامج السي آي أيه الذي يقول مسئولون أمريكان إنه أصبح بمثابة أكبر العمليات السرية للجهاز, حيث وصلت ميزانيته إلى ما يقرب من مليار دولار أمريكي في العام.
قال النائب آدم بي شيف, الممثل الديمقراطي في لجنة المخابرات :” هناك حالة قلق كبير من الحزبين حيال استراتيجيتنا في سوريا”. ولكنه رفض التعليق على بنود معينة في مشروع القانون وأشار إلى تزايد التشاؤم بإمكانية أن تكون الولايات المتحدة في موقف يسمح لها بالمساعدة في تشكيل سوريا فيما بعد الحرب الأهلية.
خفض الانفاق في برنامج السي آي ايه سوف يدخل في مشروع قانون الإنفاق الذي سوف يتم التصويت عليه في الكونغرس الأسبوع المقبل. أثار هذا الإجراء المخاوف داخل السي آي أيه ومسئولي البيت الأبيض, الذي حذروا من أن سحب النقود من السي آيه أيه يمكن أن يضعف من موقف المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة مع بدئهم للتو بالظهور كمقاتلين فعالين. البيت الأبيض من جانبه رفض التعليق على الأمر.
حذرت تقديرات السي آي أيه الأخيرة من أن الحرب وصلت إلى مرحلة حرجة أصبح فيها الرئيس السوري بشار الأسد يفقد الأراضي والقوة, وربما يتم إجباره قريبا على التخلي عن كل ما يملك عدا ممر ضيق من البلاد لصالح جماعات التمرد – التي يسيطر على بعضها ميليشيات إسلامية.
يقول مسئول في المخابرات الأمريكية, طلب عدم الكشف عن اسمه :” النظام يخسر على امتداد جميع الجبهات الأمامية والصراع يقترب أكثر فأكثر إلى عتبة الأسد. ولكن الأسد ليس بالضرورة على أعتاب الهزيمة” مشيرا إلى أن روسيا وإيران مستمرون في دعمه ويمكن أن يساعدوه في تجنب الانهيار. ولكن بسبب خسائر النظام في إدلب وفي أماكن أخرى, يقول المسئول :” العديد من الأشخاص بدأوا في التحدث علانية حول نهاية اللعبة بالنسبة للأسد في سوريا”.
هذه التوقعات أدت إلى سلسلة من النقاشات في البيت الأبيض والسي آي أيه والبنتاغون ووزارة الخارجية حيال السيناريوهات المتوقعة لمرحلة ما بعد الأسد, وفقا للمسئول, وفيما إذا كانت القوات المعتدلة التي تدعمها الولايات المتحدة سوف تكون في موقف يسمح لها بمنع الجماعات المتطرفة من إدارة البلاد, بما فيها الدولة الإسلامية, التي قطعت رؤوس رهائن غربيين وأعلنت الخلافة في أجزاء كبيرة من سوريا والعراق.
هذا الأسبوع, وسع الرئيس أوباما دور الجيش الأمريكي ضد الدولة الإسلامية, وكشف عن خطط لنشر مستشارين أمريكان في قواعد جديدة في العراق, في حين لم يعلن عن أي تغيير في حملة القصف المحدودة التي بدأت في العراق وسوريا العام الماضي. وهناك برنامج تدريب منفصل للمقاتلين المعتدلين لمواجهة الدولة الإسلامية تشرف عليه وزارة الخارجية لم يبدأ بعد.
ولكن التراجع المفاجئ في مجال سيطرة الأسد سلط الضوء مجددا على سوريا وبرنامج السي آي أيه الذي انطلق عام 2013 لدعم القوات المعتدلة التي لا زالت تشكل أكبر مشاركة أمريكية مباشرة على الأرض في الحرب الأهلية السورية.
لم يتم الكشف مسبقا عن كلفة برنامج السي آي أيه, وتوفر الأرقام أوضح مؤشر حتى الآن على مدى اهتمام الوكالة وحجم الموارد التي تحولت إلى سوريا.
عند حد مليار دولار, فإن ذلك يعني دولار واحد من كل 15 دولار من ميزانية الوكالة الكلية, هذا الحكم على مستوى الأرقام حصلت عليه الواشنطن بوست عن طريق المتعاقد السابق مع السي آي أيه إدوارد سنودن.
قال مسئولون أمريكان بأن الوكالة دربت وجهزت حوالي 10000 مقاتل أرسلوا إلى سوريا خلال السنوات الماضية – ما يعني أن الوكالة تنفق حوالي 100000 دولار سنويا على كل مقاتل مناوئ للأسد دخل ضمن برنامج التدريب.
رفضت السي آيه أيه التعليق على البرنامج أو ميزانيته. ولكن مسئولين أمريكان دافعوا عن حجم الإنفاق, قائلين بأن المال يذهب في اتجاهات أكثر بكثير من الرواتب والسلاح وأنه جزء من جهد أوسع بمليارات الدولارات تشارك فيها السعودية وقطر وتركيا وتدعم تحالف من المسلحين يعرف باسم الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر.
جزء كبير من أموال السي آي أيه تذهب لإدارة معسكرات تدريب في الأردن وجمع معلومات استخبارية للمساعدة في توجيه العمليات التي يقوم بها مسلحون تدعمهم الوكالة وإدارة شبكة لوجستية تستخدم لنقل المقاتلين والذخيرة والسلاح إلى البلاد.
خطوة لجنة المخابرات في الكونغرس لتخفيض مخصصات البرنامج غير مذكورة في النسخة السرية من قانون الإنفاق. ولكن البيانات الصادرة عن المشرعين تشير إلى بعض المخاوف, بما فيها بيان يدعو إلى “زيادة الجهود المبذولة للمشاركة في برنامج في غاية الأهمية”.
تلك اللغة, كما يقول مسئولون كانت إشارة ضمنية إلى تصاعد الإحباط لدى أعضاء اللجنة من لعدم قدرة الوكالة على إظهار أن القوات التي تدربها كسبت أراض وانتصرت في معارك أو حققت أي نتائج أخرى يمكن قياسها.
يقول مساعد جمهوري رفيع في الكونغرس, رفض الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع :” الأسد في خطر متزايد, والعديد من الأشخاص ربما يضعون رهانهم الآن على المدة الزمنية التي سوف يبقى فيها ولكن ذلك ليس نتيجة لما يطلق عليهم المعتدلون على الأرض”.
خلال العامين السابقين, تحول هدف مهمة السي آي أيه في سوريا من إسقاط الأسد إلى مواجهة صعود الجماعات المتطرفة التي تشمل جبهة النصرة التابعة للقاعدة والدولة الإسلامية (داعش).
يقول شيف :” لسوء الحظ, أعتقد أن داعش والنصرة وبعض الفصائل الإسلامية المتطرفة الأخرى هم في وضع أفضل للاستفادة من الفوضى التي ربما تصاحب الهبوط السريع للنظام”.
حتى المدافعون عن برنامج السي آي أيه يعترفون بأن الفصائل المعتدلة في سوريا عادة ما يكون أداؤها سيئا وعلى الأرجح سوف تتعرض للهزيمة في أي مواجهة مع الدولة الإسلامية.
ومع ذلك, يقول المسئولون إن المقاتلين الذين تدعمهم أمريكا حققوا مكاسب ملحوظة في الأسابيع الأخيرة – بما في ذلك الاستيلاء على قاعدة تابعة للحكومة- وهم يمثلون أفضل فرصة للولايات المتحدة وحلفائها للحفاظ على موطئ قدم لهم في البلاد إذا سقط الأسد.
يقول مسئول في المخابرات الأمريكية :” هذا صحيح تماما في جنوب سوريا, حيث يظهر التحالف الذي تدعمه أمريكا كقوة رئيسة قادرة على الاستيلاء على قواعد هامة للنظام. بصورة بطيئة ولكن مستمرة وأكيدة, فإن دعم حكومة الولايات المتحدة لقوات المعارضة المعتدلة كان مجديا”.
قال قادة المعارضة في جنوب سوريا, حيث يتمركز المقاتلون الذين تلقوا تدريبا أمريكيا بأن الجماعات أصبحت أفضل تنظيما في الآونة الأخيرة وأكثر فعالية في استخدامها للأسلحة الثقيلة, بما في ذلك صواريخ التاو الأمريكية المضادة للدبابات.
يقول عدي شهبندر, وهو مستشار سابق لقيادة المعارضة يحافظ على اتصال مستمر مع المتمردين على الأرض :” لديهم هيكل قيادة وسيطرة متماسك وقد وحدوا الجماعات السنية”. حافظت الميليشيات المعتدلة على السيطرة على المعابر الحدودية مع الأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل ويخوضون قتالا على مشارف دمشق.
يقول شهبندر بأن برنامج التدريب “يعد سابقة فيما يمكن أن يؤدي إليه”, و بدلا من خفض التمويل, على الولايات المتحدة أن “تضاعف برنامجها في الجنوب” وفقا لما يقول شهبندر.
أقامت وحدات المتمردين في المنطقة حكومات مدنية يمكن أن تشكل نموذجا لذلك النوع من الانتقال السياسي التي تقول الولايات المتحدة إنها تسعى إليه كبديل عن الأسد, كما تقول لينا خطاب من مركز كارنيغي في الشرق الأوسط.
على الرغم من هذه المكاسب في الجنوب, فإن الخبراء والمسئولون يقولو بأن الضغط الأكبر على نظام الأسد قادم من شمال سوريا, حيث الدولة الإسلامية في وضع الهجوم حاليا. في ذات الوقت, فإن تحالفا منفصلا من الجماعات المتمردة يعرف باسم جيش الفتح استفاد من دفعات السلاح والمال الجديدة المقدمة من السعودية وتركيا وقطر.
مشروع قانون الإنفاق المخابراتي سوف يضع ميزانية مالية للعام الجديد الذي سوف يبدأ في أكتوبر. رئيس لجنة المخابرات في الكونغرس النائب دافيد نونيس رفض طلب المقابلة.
يتوقع أن تبدأ لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ هذا الشهر بالعمل على ميزانيتها الخاصة لوكالات المخابرات الأمريكية. قال مسئول أمريكي بأن البيت الأبيض أشار إلى أنه سوف يسعى إلى إقناع لجنة مجلس الشيوخ بحماية برنامج السي أيه آيه من الخفض الذي يسعى له الكونغرس.
ترجمة: مركز الشرق العربي