لم يعد مجدياً أن لا نستعد لأصعب السيناريوهات دموية ولحصار آلاف المدنيين, يجب أن نكون صريحين مع أنفسنا ونتكلم عن مستقبل إدلب المرهون بتجاذبات الدول الإقليمية والصديقة بشفافية وصراحة.
تسارع سيطرة النظام على أجزاء كبيرة ومعاقل قوية للثوار في الجنوب والوسط السوري، بعد لعبة خفض التصعيد التي لعبها الثعلب الروسي بحنكة ودراية كبيرة و بعد أن استبعد الصبغة الأممية عن اتفاق أستانه، لينقلب على الاتفاق دون خسائر كبيرة، ودون قيود دولية أو أممية وضوابط للاتفاق، الذي هدّأ الجبهات و فرّغ النظام السوري لقتال تنظيم الدولة الإسلامية ليسوّق لنفسه بأنه من يحارب “الإرهاب” ، ومع الضخ الإعلامي الكبير المدعوم بإعلام روسيا وإيران والصين الذي رافق معارك النظام ضد التنظيم وضد الثوار في الغوطة الشرقية، مهّد الأرضية لإعادة تأهيل النظام السوري، وخاصة بعد تجاهل القرارات الأممية الخاصة بالغوطة و الكيماوي , أصبح الأسد أكثر جرأة على خرق أي اتفاق لغياب الرادع الفاعل.
التكهن بمصير إدلب معقد وصعب بسبب التداخلات الكبيرة للمصالح الدولية من المدينة الأكثر رمزية في الثورة السورية، لكن من المؤكد بأنها مقبلةً على معارك دمويّة، سيسعى النظام لتقطيع المحافظة، وعلى الغالب سيبدأ معركته في إدلب من جسر الشغور باتجاه الشرق ومن ريف حلب الجنوبي باتجاه الغرب، ليفرض حصاراً على جبل الزاوية وريف حماة الشمالي والغربي، لصعوبة القتال في المنطقة الجبلية الوعرة ولوجود حاضنة شعبية قوية للثوار في هذه المناطق، حينها سيفرض المصالحات والتسليم على الناس، كما حصل في الغوطة المعقل القوي، بعد أن استخدم سلاح التجويع وسيترك منطقة الشريط الحدودي مع تركيا للمراحل الأخيرة التي قد تمتد لأكثر من عشر سنوات هذا أحد السيناريوهات المتوقعة.
السيناريو الثاني الذي قد يحدث هو تطوير مسار الأستانة ليصبح مساراً سياسياً، تتحاور فيه تركيا وروسيا وأمريكا وتتقاسم المصالح بهذا الملف، يبدأ بحل الفصائل في إدلب وتشكيل جيش أو فصيل يأتمر بأوامر الدولة التي تفرض وصايتها على إدلب، وهذا سيكون لمرحلة طويلة ولكن بنهاية المطاف سوف يندمج هذا الجيش مع قوات النظام كما حصل بشكل سريع ومفاجئ في درعا، عندما أصبح مئات من مقاتلي المعارضة جزءاً من قوات النظام، التي تحارب باقي الفصائل، وقد تتم مقايضة إدلب بهذا الملف بمناطق شرق الفرات، ولن يغيب الأمريكان عن هذا السيناريو بمقايضة الوجود الإيراني في سوريا مقابل تمريرها وتخليها عن مناطق قوات سوريا الديمقراطية، وهذا السيناريو دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى استباق الاحداث والقيام بخطوات إيجابية اتجاه النظام السوري من خلال تسليم آبار النفط للنظام، وزيارة وفد قوات سوريا الديمقراطية لدمشق هذا الأسبوع.
بالطبع تركيا سوف تسعى لاستمرار خفض التصعيد الذي لم يوضع له جدول زمني ولم تتضح معالمه المستقبلية، لكن لن تستطيع تركيا دخول حربٍ ضد إيران وروسيا والنظام، إذا قرر الأخير إنهاء اتفاقية إدلب، فما تملكه تركيا على الأرض السورية لا يقارن بمقدّرات النظام وحلفائه، و 12 نقطة مراقبة أو مخفر تركي داخل سوريا هذه قوة لا يمكن أن تستخدم لأكثر من المراقبة، بالإضافة لتشرذم المعارضة وحالة العداء بين فصائلها، يجعل منها قوة لا يمكن الوثوق فيها أو الاعتماد عليها، بالإضافة للوضع الدولي والضغوط الكبيرة التي تتعرض لها تركيا من قبل أمريكا، وحالة الخلاف السعودي التركي والخلاف التركي الأوروبي يجعل من موقفها ضعيفاً، ولن تغامر بخوض حرب ضد آخر الحلفاء الحاليين وهم الروس والإيرانيون وتوتر العلاقة التركية الأمريكية في الأيام الماضية، سيدفع الروس والإيرانيين لرفع سقف مطالبهم.
ويبقى احتمال السيناريو القبرصي، مرهون بأهل الشمال وفصائلها فمن المؤكد للجميع بأن توحد الفصائل وتنسيق الجهود في هذه المرحلة، يجعل موقف المعارضة أقوى وتستطيع فرض الكثير من مصالحها على طاولة التفاوض، لتكون نداً قوياً للنظام وتجعله يفكر ألف مرة قبل أي معركة ويجعل الأتراك في موقع أكثر صلابة في مفاوضاتهم مع الروس، وقد يدفعهم لتكرار السيناريو القبرصي في سوريا، لكن التصريحات الأخيرة لمسؤولين أتراك تجعل من هذا السيناريو بعيد المنال.
رئيس التحرير أكرم الأحمد