ترددت كثيراً قبل أن أهمّ بكتابة مقالة عن واقع المعلم السوري، رغم أن عيد المعلم العربي مرت ذكراه قبل فترة ومبعث ترددي مخافة أن أنكأ جرحاً لم يندمل وأحيي المواجع على آلاف المعلمين السوريين في تركيا، بعد أن ضاقت بهم السبل وتعرضوا للتهجير من التعليم كما تعرضوا من قبل للتهجير من وطنهم وبيوتهم، وأمسوا ممنوعين من مزاولة مهنة التعليم التي قضوا عمرهم فيها متعلمين ثم معلمين.
اليوم الغالبية العظمى ممن أعرفهم من المعلمين استبدلوا السبورة والأقلام بأدوات أخرى، لا تنتمي لهم كميزان البقالية أو معول البناء أو مقود السيارة يجوبون الأسواق يوزعون البضائع ويبدؤون تجربة دخول سوق العمل كالشباب الصغار، رغم أن بعضهم تجاوز الستين واختصاصهم بعيد عن حركة الأسواق والبيع والشراء، تدفعهم عزة النفس والبحث عن مصدر رزق شريف في زمن الوضاعة واختلال القيم.
مؤلمة هي إلى حد البكاء حالة ما وصل إليه المعلم السوري في تركيا، وهو الذي كان قبل أشهر يقف شامخاً أمام طلابه يلقنهم القيم قبل العلم يشحذ همتم ويرفع معنوياتهم، وهو اللاجئ مثلهم يقاسي ما يقاسون من الغربة والكربة وبعد الأوطان وتشتت الأهالي وفقد الأحبة.
كان هذا المعلم فضاء حرية للطالب السوري اللاجئ ووطناً بديلاً له، وأحكيها من منطق الأب الذي كان يلمس هذا الإحساس في أبنائه فكثيراً، ما كان ولدي يتحدث بالإكبار والاحترام عن معلمه قبل أن يبدأ مشوار الدمج في المدارس التركية.
للأسف عاش الطالب السوري مع تجربة الدمج الغربة مرة ثانية بلسان غير لسانه وثقافة غير ثقافته بلا معين أو مساعد أو حتى تأهيل مسبق.
لا بد أن نقدم تهنئة ولو متأخرة للمعلمين السوريين في عيدهم، و نقف باحترام أمام من ربّوا الأجيال، نقبل أيديهم التي شققها طبشور السبورة ونطبع قبلة ثانية على رأسهم الذي اشتعل شيباً أبيضا كبياض قلوبهم، لأنهم كتبوا في أعماقنا أهم الكلمات وحفروا في وجداننا قيماً كانت ملاذاً لنا في لوثة بلاد المهجر.
أقول لهم أينما كنتم فأنتم في عيون طلابكم ورثة الأنبياء وحاملي أنبل رسالة يحملها بشر وهي التعليم فلكم كل الاحترام والتقدير على ما قدمتموه وما زلتم تحاولون تقديمه رغم صعوبات الحياة.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع