كما ورد في هذه المراسلة أن وجود هذه المواد الكيميائية تمت ملاحظته ورُفع تقرير بشأنه من قبل خبير أميركي في أمن الموانئ، أثناء عملية تفقد للميناء. ولذلك فإن المسؤولين الأميركيين الحاليين والسابقين العاملين في الشرق الأوسط يقولون إن هذا المقاول يفترض أن يكون قد رفع هذه المعلومات إلى السفارة الأميركية ببيروت أو وزارة الدفاع (بنتاغون).
ويرى الكاتبان أن إمكانية علم الولايات المتحدة بوجود هذه المواد الكيميائية، وعدم تحذيرها أي طرف من خطرها، تمثل صدمة ومصدر غضب للدبلوماسيين الغربيين، الذين خسروا اثنين من زملائهم في هذا الانفجار، في حين جرح آخرون.
ويشير الكاتبان إلى أن مسؤولا رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية نفى علم المسؤولين في واشنطن بالمعلومات التي توصل لها هذا المقاول، وأكد أن هذه المراسلات السرية التي حصلت عليها “نيويورك تايمز” تؤكد عدم اطلاعهم على المعلومات.
هذا المسؤول -الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه- ذكر أن هذا المقاول أجرى زيارة غير رسمية للميناء قبل نحو 4 سنوات، ولم يكن حينها موظفا لدى الحكومة الأميركية أو وزارة الخارجية؛ ولذلك لا توجد أي سجلات حول تقديمه أي معلومات بشأن هذا الخطر المحتمل.
وأشار الكاتبان إلى أن هذا الانفجار القوي الذي ضرب العاصمة بيروت وتسبب في هزة أرضية طال بعض الدبلوماسيين الغربيين الذين يعملون في العاصمة اللبنانية ويعيشون في شقق فاخرة تطل على البحر الأبيض المتوسط والميناء، وهو ما جعلهم في مواجهة هذا الانفجار.
وأضاف الكاتبان أن زوجة السفير الهولندي توفيت متأثرة بجروحها، كما أن موظفا قنصليا ألمانيًّا فارق الحياة متأثرا بهذا الانفجار.
وتعرض العديد من الدبلوماسيين من دول حليفة للولايات المتحدة إلى أضرار، بعد أن تهشمت نوافذ بيوتهم وتضررت منازلهم، كما شملت الأضرار السفارتين البريطانية والفرنسية، وتهشمت النوافذ في إقامة السفير الفرنسي.
ولدى إطلاعهم من قبل نيويورك تايمز على فحوى هذه المراسلة السرية، عبر بعض هؤلاء الدبلوماسيين عن صدمتهم وغضبهم، من فرضية أن تكون واشنطن على علم بهذا الخطر وامتنعت عن مشاركة المعلومات.
حيث قال أحد الدبلوماسيين الغربيين -الذين تضررت شققهم بسبب الانفجار شرط عدم الكشف عن اسمه التزاما بالبروتوكولات الدبلوماسية- إنه “إذا تأكدت هذه المعلومة، فأقل ما يمكنني قوله إن هذا أمر صادم”.
وأشار الكاتبان إلى أن الولايات المتحدة واحدة من دول غربية قليلة تضع سفارتها وقنصليتها ودبلوماسييها في موقع خارج بيروت، حيث إن المجمع الدبلوماسي الأميركي الذي يتمتع بحراسة أمنية مشددة، يتواجد في بلدة بيت عوكر الجبلية، التي تبعد نحو 8 أميال عن العاصمة.
وبينما تعرضت شقق العديد من الدبلوماسيين وسط بيروت لأضرار، فإن الولايات المتحدة تفرض على كل دبلوماسييها العيش في مجمع السفارة، والالتزام باحتياطات أمنية مشددة عند مغادرتهم لها.
وذكر الكاتبان إلى أن السفارة الأميركية كانت تتواجد في بيروت ثم تم نقلها، بعد تعرضها لعدة هجمات في ثمانينيات القرن الماضي، من بينها انفجار في 1983 سببه هجوم انتحاري بسيارة مفخخة، أدى إلى تدمير واجهة مبنى السفارة وقتْل 17 أميركيا و46 آخرين.
وأشار الكاتبان أيضا إلى أن هذه المراسلة الدبلوماسية الأميركية التي تمكنت الصحيفة من الاطلاع عليها لم تكن مصنفة سرية، ولكن حساسة، وصدرت عن السفارة الأميركية في بيروت الجمعة الماضي.
وتتضمن هذه المراسلة قائمة المسؤولين اللبنانيين الذين كانوا يعلمون بشأن شحنة نترات الأمونيوم، المادة المستخدمة عادة لصنع الأسمدة الزراعية والقنابل، والتي وصلت إلى بيروت في 2013 .
وتذكر المراسلة بعد ذلك أن مستشارا أمنيا أميركيا تعاقد معه الجيش الأميركي هو من لاحظ وجود هذه المواد الكيميائية أثناء زيارة تفقد أمني. وحسب المراسلة نفسها فإنه عمل مستشارا لدى البحرية اللبنانية من 2013 إلى 2016. وذكر أنه أجرى زيارة تفقد لإحدى المنشآت في الميناء لمتابعة الإجراءات الأمنية، ونبه حينها مسؤولي الميناء إلى أن هنالك شحنة خطيرة مخزنة لديهم.
وقال الكاتبان إن من غير الواضح التوقيت الذي قام فيه هذا المستشار الأمني بإيصال هذه المعلومات، ولكن هناك العديد من المسؤولين الأميركيين السابقين والحاليين في الشرق الأوسط الذين يؤكدون أن هذا المستشار على الأرجح أوصلها فورا إلى المسؤولين الأميركيين المشرفين على التعاقد معه، وهم في هذه الحالة وزارة الخارجية أو البنتاغون.
إلا أن هؤلاء الدبلوماسيين الغربيين أقروا بأن الولايات المتحدة لم يكن يسعها فعل الكثير في هذه الحالة، من أجل إجبار الحكومة اللبنانية على التخلص من هذه الشحنة المميتة، بما أن المسؤولين في الميناء طُلب منهم نقل هذه المواد، ولكنهم لم يستجيبوا.
نقلا عن الجزيرة