أشعل القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معراوي، الشبكات الاجتماعية بعدما نقلت إحدى وسائل الإعلام المحلية عنه اقتراحه اللجوء إلى تعدد الزوجات لمواجهة مشكلة العنوسة التي تطول البلاد؛ بسبب الحرب التي تشهدها سوريا.
وأوضح المعراوي أن القانون أجاز تعدد الزوجات بشرطين؛ الأول وجود سبب مشروع، والثاني القدرة على الإنفاق، و”قد يكون هذا الحل الأنسب لازدياد نسبة العنوسة في سوريا التي تجاوزت الـ75%”.
النساء غاضبات.. ولكن ماذا عن الرجال؟
كلام المعراوي أثار موجة من الانتقادات وخاصة بين النساء، وتتحدث إحدى الفتيات -وهي شابة في بداية الثلاثين تعمل موظفة في إحدى الشركات الخاصة- أنها ترفض هذا الكلام، وتعتبر أن حدوثه يعني تراجعاً في الحياة الاجتماعية السورية، ولا تتخيل نفسها في يوم من الأيام مقْدمة على هذه الخطوة حتى لو فاتها “قطار الزواج”، فهي لا ترضى بجرح امرأة أخرى وتدمير عائلة لا تعرفها، بحسب قولها.
وتسخر سيدة أخرى من هذه التصريحات، وهي أم لـ3 أولاد، وتقول إن المعراوي يريد إرجاع الناس إلى زمن “باب الحارة” (المسلسل الدمشقي الشهير).
وترى أن تعدد الزوجات ليس مقبولاً في جميع البيئات، خاصة أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بتأمين مصاريف عائلة واحدة، فكيف سيكون الحال مع وجود عائلتين! دون أن تنكر في الوقت ذاته أن الأزمة خلقت الكثير من المآسي وتركت فتيات كثيرات من دون معيل ممن قد يَقبلن بأي زوج.
ولم يَسلم القاضي الشرعي من تعليقات الشباب أيضاً، فيقول فراس حداد ساخراً، وهو طالب جامعي، إن المعراوي شجعهم على الزواج بأكثر من فتاة، خاصة أن” الوضع المعيشي يسمح بذلك”، وتابع أن الشاب في سوريا غير قادر على التفكير في الزواج لأول مرة فكيف له بالتفكير في ذلك مرتين!
هل طردته زوجته؟
وأمام موجة الانتقاد هذه، خرج المعراوي مرة أخرى للإعلام، ونفى ما قيل عن رد فعل زوجته، وقال إن زوجته استقبلته بالترحاب والمدح لما أدلى به من تصريحات للصحيفة المحلية.
وأكد أنه نام في منزله عكس ما كتبته الشبكات الاجتماعية.
وبخصوص رأيه إزاء إمكانية قيام زوج ابنته في المستقبل بالزواج عليها، قال: “أنا لست مع ولا ضد أن يتزوج صهري بزوجة ثانية”.
وتابع المعراوي أن هدف تصريحاته الصحفية تبيان حكم القانون في هذه الحالات، وما يحدث في المحكمة الشرعية، داعياً الإعلاميين إلى عدم الأخذ بكلام مواقع التواصل الاجتماعي، متحدثاً عن وجود إعلاميين يجتزئون الكلام ويأخذونه منقوصاً منقولاً عنه.
ولفت إلى أن قرابة نصف معاملات الزواج في المحكمة اليوم هي التي تتعلق بالزوجة الثانية، رغم أن هذه الظاهرة كانت لا تتجاوز الـ10% قبل الحرب.
قلة العرسان
ولا يخفى على أحد أن الأزمة في سوريا أحدثت خللاً في التركيبة السكانية، فنسبة كبيرة من الشباب الذكور سافروا إلى خارج البلاد، وهم في غالبيتهم يعانون ظروفاً صعبة في الغربة تجعل إمكانية عودتهم في القريب غير ممكنة، كما تجعل من فكرة الزواج، وخاصة بابنة البلد، خطة بعيدة المدى.
وتدرك كثير من الفتيات أن فرصهن بالزواج باتت محدودة أمام هذا الواقع، والأهم من ذلك أن أحلامهن السابقة بالحصول على زوج مناسب ووضع اقتصادي جيد تبدو من المستحيلات.
لذا، تراجعت الكثيرات عن شروطهن السابقة وخفَّفت أخريات من طلبات الزواج.
فسالي عثمان -وهي شابة في الخامسة والعشرين لم تعد تحلم بالفستان الأبيض ولا العرس الفخم، كما لم تعد تفكر في عش الزوجية وديكور المنزل، وهي اليوم تفكر في الحصول على تأشيرة “لمّ الشمل”؛ لتلتحق بخطيبها المقيم بألمانيا، دون أي عرس.
وتتابع قائلة لـ”هافينغتون بوست عربي” إنها “تعرّفت إليه من خلال أقارب لها ولم تلتقِه قط، وإنما بُنيت علاقتهما وتطورت عبر الإنترنت، وحينما قرر خطبتها تقدَّم لعائلتها عبر الإنترنت أيضاً، وهي قبلت بكل هذه الظروف؛ لأنها تحلم بالسفر إلى أوروبا والانتهاء من كابوس الحرب الذي تعيشه”.
وتضيف أنها أصبحت تشعر بأنه لا يحق لها اشتراط منزل أو أثاث فعائلتها مُهجَّرة، وهي تقيم في منزل بالإيجار لا يضم إلا الأثاث الضروري، كما أنها متأكدة من أن أي شاب مقيم بسوريا لن يستطيع تأمين متطلبات الزواج في الوقت الحالي؛ بسبب ارتفاع الأسعار.
من جانبها، تذكر لمى حمادة (طالبة دراسات عليا) أن شروطها اليوم تغيرت كثيراً، وكذلك شروط عائلتها، فموضوع البيت والذهب كلها أمور أصبحت من الماضي، ولكنها تتمنى في الوقت نفسه أن تلتقي شاباً مقيماً في الخارج؛ كي تكون ظروف حياتها أسهل، وتختم ساخرة: “لم يبقَ شباب في دمشق”.
وكان عميد المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية، أكرم القش، ذكر أنه “قبل الأزمة، كان هناك ارتفاع تدريجي لسن الزواج للجنسين، واستمر هذا الارتفاع إلى الوقت الحالي، فمتوسط العمر عند الزواج لدى الإناث 25 سنة وللذكور 30 سنة”.
وشرح القش أنه “خلال الأزمة، تشكّل اتجاهان في الزواج: الأول باتجاه ازدياد حالات الزواج المبكر، والثاني نحو الزواج المتأخر أو العزوف عن الزواج؛ إذ إن الحالتين موجودتان في المجتمع السوري وتتطلبان الدراسة والبحث في حيثياتهما، ووجود إحداهما لا ينفي الأخرى، بل تتقاطعان بعضهما مع بعض بالظروف الأسرية”.
هافينغتون بوست عربي | مودة بحاح – دمشق