إن زيارة نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لتركيا تعتبر من أهم التطورات في الفترة الحالية. فقد سبق له أن التقى قبل ذلك برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو في “دافوس”.
بدأ زيارته بالتأكيد على أنه سيقوم بتقييم كل القضايا، وعلى رأسها القضية السورية حسب مصالحه وحسب مخطط رسمه لنفسه. من الواضح أيضا أنه سيبحث خلال زيارته هذه الخطوات التي يجب القيام بها من أجل إنهاء الأزمة في سوريا.
هناك حديث عن التوصّل إلى اتفاق مع بداية محادثات جنيف حول الأزمة في سوريا، وفي هذا الإطار، قام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير الخارجية، جون كيري، بزيارات مهمة لدول المنطقة.
سياسات الحرب الباردة
في الوقت الذي يقوم فيه بايدن بزيارة تركيا، أكمل كيري زيارة للمملكة السعودية لتبادل الآراء.
من الغريب تصريح كيري في زيارته للسعودية أنه على علم بأن حزب الله اللبناني حصل على ما يقارب 80 ألف صاروخ من إيران. لقد أصبح من المعروف أن حزب الله يقوم بمجازر ضد المدنيين، إلى جانب النظام السوري.
بعد تصريح كيري بأنهم على علم بهذه الصواريخ، ذكّر أنهم يقفون إلى جانب دول الخليج والسعودية القلقين من الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.
إن الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في مفاوضات جنيف، والتي يقوم مسؤولوها بالزيارات الدولية من أجل الحد من آثار ردود فعل تركيا والسعودية، يؤكد فكرة أنها لم تتخلّ بعد عن انتهاج سياسة الحرب الباردة في علاقاتها الدبلوماسية.
من الواضح أيضا أنهم لا يعرفون أو أنهم لا يريدون معرفة، أنه لا يوجد فرق بين السماح لتنظيم الدولة بالجلوس على طاولة الحوار بحجة أنه متهم في هذه الحرب، وبين السماح لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو بمثابة المنظمة الإرهابية وفروعه بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، بحجة أنه “متهم” أيضا في هذا الصراع.
التفريق بين المنظمات الإرهابية
أعمال حزب الاتحاد الديمقراطي هي امتداد للأعمال البشعة التي يقوم بها بشار الأسد، و”شبيحته” الذين يسيطرون على مناطق شاسعة من سوريا، ومن المثير للانتباه أنه بعد ظهور تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي اختفى أثر كل القوات النظامية السورية، والسبب واضح، فقد تحولت “الشبيحة” إلى أفراد في تنظيم الدولة وحزب الاتحاد الديمقراطي.
لذلك فإن كلّا من رئيس الجمهورية أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو قد صرّحا وبطريقة واضحة، لكل من نائب الرئيس جو بايدن، والدبلوماسيين الأمريكيين، أن تركيا لن تدخل في مفاوضات يشارك فيها حزب الاتحاد الديمقراطي.
إن المسؤولين الأمريكيين يعرفون جيدا الأسباب التي تمنع تركيا من الجلوس إلى طاولة مفاوضات يشارك فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، فتركيا لم تتهاون من قبل في الوقوف إلى جانب السوريين في أزماتهم، لكن ما يمنعها من المشاركة في مفاوضات مع حزب الاتحاد الديمقراطي واضح للأمريكان، وهم بالإضافة لذلك يدركون أن المفاوضات قد تفشل إن لم تشارك تركيا فيها.
مؤتمر تنسيقي متأخّر
في هذا السياق، فإن تصريح كيري في السعودية على أنه سيتم تنظيم مؤتمر خاص “بأصدقاء سوريا” من أجل تقييم الوضع بعد لقاء جنيف، يدل وبشكل واضح على وهمية وسخافة الوضع.
كيري وبايدن منشغلان كثيرا في إقناع الدول المشارِكة بوقوفهم في وجه روسيا.
في ظل الظروف العادية يجب أن يقوم الحلفاء باجتماع تنسيقي، لكي يتحرّكوا بشكل منسجم قبل أن يصلوا إلى مثل هذه المفاوضات.
مما يعني أن اجتماع أصدقاء سوريا يجب أن يحدث قبل مفاوضات جنيف، لكي ينسّق الحلفاء فيما بينهم.
لكن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال تغييرها لأولويات الصراع السوري إلى إنهاء هذا الخلاف دون أن تأخذ بعين الاعتبار المراحل التي يجب أن تمر بها هذه المحادثات.
تريد روسيا توفير دعم معنوي للنظام السوري، وداعمي النظام الإرهابيين من خلال دعوة تركيا إلى طاولة المفاوضات، جنبا إلى جنب مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووضع تركيا في موقف محرج على الساحة الدولية.
عندما اكتشفوا أنهم لا يستطيعون إقناع تركيا بذلك، أرسلوا لافروف، كيري وبايدن إلى تركيا والسعودية لمحاولة إقناعهما بإظهار بعض التسامح.
لقد تعدّت الولايات المتحدة الأمريكية بدعمها لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقوم بعمليات عدوانية ضد تركيا، على قانون التحالف الدولي.
هذا أمر من الممكن أن يتسبب في فقدان الثقة بينهم وبين دول مثل تركيا والسعودية مقابل كسب صداقة منظمة إرهابية قامت بالكثير من المجازر في المنطقة.
الخطوة التي يجب أن تقوم بها الولايات المتحدة خلال المرحلة القادمة تتلخّص في “التجديف عكس التيار”.
(عن صحيفة يني شفق التركية)
عربي 21