منذ بداية اندلاع أحداث الثورة السورية في شهر آذار من العام 2011م, هناك من قال الثورة في سورية لن تكون كغيرها في أي بلد آخر في العالم, فهي ليست مجرد ثورة لشعب مظلوم ضد نظام الاستبداد القاتل, وإنما هي معركة الإنسان ضد الظلم التي ستعيد للإنسانية إنسانيتها التي سلبت, فسورية التي تتوسط منطقة الشرق الأوسط والتي تتمتع بموقع جغرافي حساس طالما كانت مكاناً مغريا للغزاة على مر التاريخ حيث تعاقب على غزو سورية الطبيعية عشرات الغزاة من الأقوام والأمم, حتى عند رحليهم يبقى وكلاءهم عوضاً عنهم..
مستجدات المرحلة الراهنة:
واليوم يعتقد العديد من المحللين السياسيين والمراقبين لسير الأحداث في سورية أن العالم بات يقف على شفا الإنزلاق في حرب عالمية ثالثة طاحتة ومدمرة, ستكون السنوات المنصرمة من عمر الثورة السورية هي فتيل تفجيرها, فلقد ارتكب النظام السوري وداعموه الروس والإيرانيين مئات المجازر البشعة بحق أبناء الشعب السوري على مدى ست سنوات من عمر الثورة, ومع ذلك وقف العالم صامتاً حيال ما يجري في سورية دون أن يتخذ أي قرار من شأنه أن يؤمن الحماية للمدنيين الضحايا, وقد كان هذا الصمت المطبق للمجتمع الدولي لأسباب عديدة يأتي في مقدمتها الحسابات السياسية بعيدة المدى والتي كانت تطبخ في “مطابخ” السياسة ودوائر صنع القرار في الدول الكبرى والتي تسمى بالدول اللاعبة التي تضع قواعد اللعبة وتغيرها..
فالولايات المتحدة الأمريكية اتخذت وضعية المراقب الخارجي مكتفية بالحراك السياسي الذي لم يجلب أي نتيجة متذرعة بتعنت الأطراف الأخرى “روسيا وإيران والنظام” وبأنهم لا يحترمون القانون الدولي, في موقف غريب ولم يعتده أحد من الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما انفردت في حل ملفات سياسية على الصعيد الدولي بالقبضة الحديدية “الحل العسكري” بعيداً عن موافقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن, ولكنها عجزت عن فعل ذلك في سورية وأعطت لروسيا وإيران حرية التحكم بكامل تفاصيل الملفين السياسي والعسكري في سورية..
وفي الوقت ذاته تصاعد الدور الروسي بشكل مفاجئ وكبير رغم غيابه في ليبيا إبان الثورة الليبية ضد نظام حكم العقيد “معمر القذافي”, في مشهد غريب أيضاً أعزاه العديد من المراقبين لأهمية سورية الكبيرة بالنسبة للقيادة الروسية حيث تعتبر خزان المصالح الروسية على المياه الدافئة في المتوسط, وهناك من قال أن بوتين القيصر الجديد أراد من خلال تدخله السياسي والعسكري في دعم النظام السوري أن يعيد أمجاد الإتحاد السوفيتي السابق باعتباره القوة العسكرية المتنامية اليوم بشكل مخيف, والمضحك المبكي أن هذا الدور لم ينمو ويتصاعد إلا في سورية وليس في أوكرانيا وجورجيا الواقعتان على حدود امبراطورية بوتين الجديدة.
وكما انزلقت روسيا إلى الحرب السورية, سبقتها الدولة الحليفة الأخرى إيران, التي مدت النظام بالمال والرجال من اليوم الاول لاندلاع الثورة السورية, ثم بدأت تعلن عن تواجدها بشكل علني من خلال تواجد عدد من المليشيات المسلحة التابعة لها كحزب الله اللبناني وفيلق القدس بقيادة “قاسم سليماني”, والمسألة لا تحتاج لكثير من التأويلات فإيران الدولة المارقة لن تخجل من الاعتراف بأنها تدافع عن مشروعها الإمبراطوري القديم – الجديد “إعادة أمجاد فارس ودولة الأكاسرة” لذلك أنفقت عشرات المليارت من “الدولارات” كي تحافظ على الأسد في الظاهر, وتحمي تواجدها الكبير في سورية في الباطن.
كل ذلك يجري والشعب السوري يدفع من دماءه فاتورة “الاجندات السياسية الدولية”, حيث بقيت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها “اسرائيل” تراقبان الوضع من بعيد “تحت المجهر”, والشعب السوري يدفع قوافل الشهداء يوما بعد يوم.
تغيرت الظروف جراء تغيير عدد من الرؤساء والحكومات ذات التأثير الكبير في العالم وفي مقدمتها قدوم الإدارة الجديدة للبيت الابيض بقيادة الرئيس المثير للجدل “دونالد ترامب” الذي كان يبدي إعجابه بشخصيتين اثنتين “الأسد وبوتين”, ثم أعقب ذلك تصريحات أمريكية “ودودة” تجاه النظام السوري عندما أعلن عدد من المسئولين الامريكيين عن أن إزاحة الاسد عن السلطة لم تعد من أولويات الإدارة الجديدة, تصريح استقبله النظام وروسيا “التي تتهمها الولايات المتحدة اليوم” بإعادة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين من جديد ولكن مع تغير في موقع الجريمة التي كانت من نصيب أهل مدينة “خان شيخون” في ريف إدلب الجنوبي, حيث أتى هذا الاستخدام الجريء لاعتبارات عديدة في مقدمتها الإفلات من العقاب منذ أربع سنوات بعد مجزرة الغوطة الشرقية, والتصريحات الأمريكية الجديدة.
إلا أن المفاجأة كانت قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالرد الفوري على هذه الجريمة لاعتبارات كثيرة أيضاً, فقامت باستهداف مطار الشعيرات العسكري ب59 صاروخ من نوع “توما هوك”, رغم قيامها بإخبار السلطات الروسية عن عزمها القيام بذلك مسبقاً.
كانت هذه الحادثة التي يراها البعض “عملاً هزيلاً”, والبعض الآخر “مقدمة لأحداث أعظم” هي الإسفين الذي دقه ترامب في جسد العلاقات “الروسية-الأمريكية” حيث بدأت تتصاعد اللهجة المتبادلة من قبل الطرفين, وبدأت الاتهمات المتبادلة تظهر علناً للعالم أجمع, فقد عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها تغيير سلوكها اتجاه الأسد, بل اتهمت روسيا بالضلوع في المجزرة أيضاً, بينما اتهمت موسكو واشنطن بأنها تنوي احتلال سوريا,ووصفت القوات الأمريكية في الشمال السوري بأنها “قوات احتلال”, وفي نفس السياق تسوء العلاقات يوماً بعد بين الحلفين الشرقي والغربي الجديدين, فالقضية الكورية الشمالية تعود إلى الواجهة من جديد, والملف النووي الإيراني في مرمى الاتهام اليوم إذا ما وسعنا الزاوية وربطنا ما يجري من مستجدات على الأرض السورية مع مستجدات العالم.
كل ذلك يجعل من سورية المنطقة الاولى في العالم المرشحة لتفجير خطر اندلاع حرب شرقية غربية, خصوصاً بعدما اعتبر العديد من المحللين السياسيين أن سورية هي الطعم الذي ابتلعته روسيا من قبل أمريكا التي اتخذت وضعية “الموت السريري” وراقبت تصرفات موسكو الطائشة على مدى ست سنوات من عمر الحرب السورية .
فالولايات المتحدة الأمريكية هي دولة تطمح توسيع نفوذها في سورية أيضا, حتى لو اضطرت لطرد الروس والإيرانيين من سورية بشتى السبل..
ويبدو أن الحقيقة الوحيدة تبقى أن الشعب السوري سيدفع الثمن عندما تتبدل الوجوه وتتغير قواعد اللعبة التي باتت على شفا جرف هار..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي