أربع سنوات من الحرب الأهلية في سوريا والأفكار نفسها لا زالت تدور. هذا الأسبوع, عادت قضية المناطق العازلة إلى الأخبار كما هو الحال دائما منذ أن طفت على السطح عام 2012 كوسيلة لحماية المدنيين من نظام بشار الأسد. ولكن توقيت الإعلانات الأخيرة – أولا تركيا والآن الأردن يكشفان عن خطط لإنشاء مناطق عازلة داخل سوريا- يوحي بوجود جهود يقوم بها لاعبون إقليميون لإرسال رسالة إلى واشنطن دي سي مفادها أنه بوجود الولايات المتحدة أو دون وجودها فقد حان الوقت للتدخل في الصراع.
يقول فيليب سميث, الباحث في جامعة ميريلاند والذي يدرس الميليشيات الشيعية في سوريا :” أجد أن التوقيت مثير للاهتمام حقا. جاء الأتراك بهذه الفكرة أولا, ومن ثم الأردن. وهناك حديث مماثل في قطاعات معينة في العاصمة واشنطن, وهذا الحديث ليس مؤيدا بصورة كبيرة لأوباما فيما يخص كيفية تنفيذ سياسة سوريا”.
من الصعب توقع ما إذا كان توقيت الحديث حاليا حول المناطق العازلة سوف يقود إلى عمل ملموس – إذا حصل ذلك فإنها سوف تكون المرة الأولى منذ بداية الحرب عام 2011 يكون فيها وجود رسمي لجيوش أجنبية داخل سوريا. ولكن الحديث كثر مؤخرا.
أعلنت تركيا عن خطط لإرسال 18000 جندي داخل سوريا. تم تضخيم هذا الإعلان من قبل الأردن, حيث ورد في اليوم التالي في صحيفة فايننشال تايمز تقرير يفيد بأن خطة الأردن “يدعمها أعضاء رئيسيون من التحالف الدولي ضد داعش”.
أحد الأعضاء الرئيسيين في التحالف لم يدعم هذه الخطة هو الولايات المتحدة بكل تأكيد.
ولكن مسئولا في الخارجية الأمريكية قلل في نفس اليوم الذي صدر فيه التقرير من إمكانية حصول ذلك, وقال إنه ليس هناك “دليل قوي” على ذلك وأشار إلى “وجود تحديات لوجستية” في إنشاء هذه المناطق”.
لدى تركيا والأردن, اللتان تقعان على الحدود الشمالية والجنوبية على الترتيب, مصلحة مشتركة في إنشاء منطقة عازلة. كلا الدولتين استوعبتا أعدادا كبيرة من اللاجئين الهاربين من الحرب وكلاهما يشعران بالتهديد بسبب الوجود المتنامي لعناصر معادية على عتبات بلادهم, سواء أكانوا جهاديين أو قوميين أكراد. المنطقة العازلة هي عبارة عن منطقة تسيطر عليها قوات عسكرية, سواء أكانوا جيوش وطنية أو المتمردين المتحالفين معهم داخل سوريا وتمنع هذه المناطق دخول الأشخاص والمعدات عبر الحدود. وكلا الأمرين كانا يشكلان هاجسا قديما عبرت عنه تركيا والأردن من قبل. تجدد خطط التدخل يوحي بأن التطورت الجديدة – خاصة تدهور وضع نظام الأسد ونجاح القوات الكردية في قتال داعش- ربما تغير الحسابات في كل من أنقرة وعمان.
تركيا, التي أعلنت عن خطط المنطقة العازلة أولا, تتعرض لتهديد متزايد من قبل القوة المتنامية للجماعات الكردية التي حققت سلسلة من الانتصارات مؤخرا ضد قوات داعش في سوريا.
قال الرئيس الكردي رجب طيب أردوغان في خطاب ألقاه الجمعة الماضية :” أخاطب العالم كله. لن نسمح أبدا بإنشاء دولة على حدودنا الجنوبية شمال سوريا”. في إشارة منه إلى الرغبة المتزايدة التي يبديها الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (بي واي دي) الذي يتلقى الدعم والسلاح من الولايات المتحدة والتابع لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي ) الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية في إنشاء منطقة حكم ذاتي. أبدى البي واي دي نوايا واضحة جدا في إنشاء “روجافا” وهي دويلة كردية مستقلة بمثابة كردستان سوريا مشابهة تماما لما هو موجود في شمال العراق منذ عقود. أثارت المكاسب العسكرية التي حققتها قوات البي واي دي والواي بي جي حفيظة أنقرة أكثر مما فعلت داعش.
انتصارات الواي بي دي الأخيرة ضد الجهاديين في مناطق هامة مثل تل أبيض أعطت البي واي دي السيطرة على مساحة من الأراضي على طول الحدود التركية الجنوبية. ردت الحكومة التركية باتهام الأكراد بممارسة التطهير العرقي ضد العرب, الأمر الذي نفته الواي بي جي. بغض النظر, فإن أصوات أنقرة التي ترفعها بالتدخل لوقف الأكراد يجب أن تؤخذ محمل الجد. وفقا لثوماس سيبرت من دايلي بيست, فإن الجنود الأتراك ال18000 الذين سوف يتم نشرهم سوف يسيطرون على “شريط حدودي يصل عمقه إلى 30 كم و100 كم على طول المساحة التي تسيطر عليها داعش”. المنطقة العازلة التي يتم التخطيط لها “تمتد قريبا من مدينة كوباني الكردية في الشرق إلى المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها الجيش الحر المقرب من الغرب وجماعات متمردة أخرى, ابتداء من المنطقة المحيطة بمارع” ويمكن أن يتم تأمينها “من خلال قوات برية وسلاح مدفعية وغطاء جوي”.
رسميا, فإن المنطقة العازلة هي وسيلة تركيا في احتواء داعش ولكن التوقيت “ليس مفاجئا” كما يقول سميث. “بعد كل هذا التقارير حول سماح تركيا لداعش والقاعدة وأي شخص آخر بعبور الحدود, فإنها مضطرة الآن للتدخل من أجل حماية المناطق التي يعمل فيها كل من البي واي دي والواي بي جي”.
صرح السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد للدايلي بيست :” لا أعتقد أن تركيا تحب داعش. أعتقد أنهم يرونها تهديدا ولكنهم يرون أن الانفصاليين الأكراد يشكلون تهديدا أكبر على سلامة أراضيهم”.
وهذا ما يفسر دوافع تركيا. ولكن من أين أتت الأردن بفكرة إنشاء منطقة عازلة بالنظر إلى أن لدى المملكة الأردنية مخاوف سياسية مختلفة تماما؟
وفقا للفاينشال تايمز :” فإن الهدف الرئيس للعملية سوف يكون إنشاء منطقة عازلة على الحدود الأردنية, تقع على امتداد محافظات سوريا الجنوبية درعا والسويداء وتتضمن مدينة درعا.
ولكن فورد ليس مقتنعا تماما بأن عمان سوف تؤدي جيدا في هذا المجال. حيث يقول :” لست متأكدا حيال الأردن, لأكون صادقا. ولكني أعتقد بأنها طريقة الأردن لكي تقول للأمريكان, بأننا سوف نكون بحاجة لمساعدتكم”.
إعلان الأردن يعتبر بمثابة رد على “ضعف الأسد الواضح” كما يقول سميث, الذي يضيف ” بأنه عمل موجه ضد إيران أيضا”. طهران, أكبر داعم لنظام الأسد , نشرت قواتها العسكرية والميليشيات الموالية لها في محاولة منها لدعم حليفها المتعثر. في هذه الأثناء, فإن الأردن, تدعم الجيش السوري الحر, الذي يقاتل كلا من الأسديين ووكلاء إيران. يقول سميث :”الإيرانيون يديرون أرض المعركة في جنوب سوريا وقد فشلوا فشلا ذريعا”.
ولهذا فإن المنطقة العازلة على حدود الأردن ربما تكون وسيلة لاستغلال ضعف الأسد من أجل الدفع ضد زحف الهيمنة الإيرانية. أو ربما تكون طريقة عمان لتنبيه إدارة أوباما بأنه وبعد أربع سنوات من التقاعس, بما في ذلك “الخط الأحمر” لاستخدام السلاح الكيماوي, فإن حلفاء أمريكا الإقليميين قرروا حل الأزمة بطريقتهم الخاصة.
في الواقع, فإن إرسال جارين لسوريا نفس الإشارة إلى واشنطن خلال يومين لا يعني أن تركيا والأردن تريدان الأمر نفسه من الولايات المتحدة. ولكن ذلك يوحي بأن كلاهما يستخدمان الإعلام العالمي للفت النظر إلى نفاد صبرهما, كما هو حال السعودية التي لا زال الأمير بندر بن سلطان وزير الاستخبارات السابق يدير فيها ملف سوريا.
يقول سميث :” عندما أرى ما يحدث جزء مني يريد أن ينتفض ويقول إنهم التقوا جميعا في غرفة واحدة وقالوا لنقم بالأمر. ولكن ربما أن ما يجري يرسل رسالة أقوى إلى واشنطن فيما يتعلق بكيفية سير التطورات الإقليمية وتظهر بأن أمريكا لم تسحب كافة اوراقها”.
دايلي بيست
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي