تصور المشهد: في مارس/آذار 2017 يخرج الرئيس دونالد ترامب من البيت الأبيض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عدة ساعات من المحادثات. لغة الجسد جيدة؛ يربت كل منهما على كتف الآخر ويتبادلان الضحكات. يصرح ترامب لوسائل الإعلام المحتشدة أن روسيا شريك مهم في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وشريك إستراتيجي رئيسي.
بالنسبة لبوتين، يعتبر هذا النوع من الصفقات الخالية من المواعظ حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإطلاق يده في التعامل مع دول الجوار، أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، هو ما كان يتمناه في العلاقات مع نظرائه الأميركيين، ولكنه كان يبدو حلماً مستحيلاً، حتى الآن.
ماذا يعني انتخاب ترامب بالنسبة لبوتين؟
انتخاب ترامب يعني أن بوتين حصل على ما يتمناه وزيادة. لكن عقلاء موسكو يدركون أن السيناريو الأسوأ ربما يصبح أكثر سوءاً. من المؤكد أن العلاقات بين بوتين وهيلاري كلينتون كانت ستبدو باردة، ولكن كانت ستسير وفق إطار يمكن التنبوء به. أما الآن، لم تعد القواعد المعتادة للعبة ذات أهمية، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطاينة، السبت 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
هناك أيضاً مسألة الحرس القديم من الجمهوريين المتشددين المحيطين بترامب. قال أليكسي فنديكتوف، رئيس التحرير بإذاعة إيكو موسكفي “قد يكون الكرملين راضياً عن النتيجة الآن، ولكن في وقت لاحق سيدركون أن هذا قد لا يكون أمراً جيداً. تخيل لو أن جون بولتون [السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة] تقلد منصب وزير الخارجية! تخيل!”.
المرشح المفضل للكرملين
على الرغم من عدم ارتياح البعض في دوائر صنع القرار الروسية إلى عدم القدرة على التنبوء بسلوك ترامب، يبدو أنه كان المرشح المفضل لدى الكرملين طوال الوقت. فقد اتُّهمت روسيا صراحة من قبل الإدارة الأميركية الحالية بمحاولة التدخل في الانتخابات لصالحه، من خلال شبكة من الروابط الغامضة بعدد من الشخصيات المحيطة بترامب، وكذلك باختراق البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي، ونشر رسائله عبر ويكيليكس.
نفت روسيا كل تلك الاتهامات علناً، ووصفها بوتين بأنها “هستيريا”. وقال المحلل السياسي الموالي للكرملين سيرغي ماركوف للغارديان يوم الأربعاء إنه لا يعتقد أن روسيا حاولت التدخل، ولكن “ربما ساعدت قليلاً مع ويكيليكس”. ولم يوضح ما يعنيه بالضبط أو كيف عرف ذلك.
كما أعلن عدد من الأصوات من مناصري الكرملين عن سعادتهم بالنتيجة. كتبت مارغريتا سيمونيان، رئيسة قناة روسيا اليوم التي يمولها الكرملين، على تويتر “ارقدي في سلام أيتها الديمقراطية” في يوم الانتخابات، كما احتفلت بفوز ترامب قائلةً إنها تريد أن تجوب أنحاء موسكو ملوحةً بعلم الولايات المتحدة.
وكتب أليكسي بوشكوف، الذي كان حتى سبتمبر/أيلول المسؤول الأعلى عن السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي “لا ينبغي لنا أن نتوقع الحب أو الهدايا من ترامب: إنه رجل وطني ورجل أعمال. لكنه ليس أيديولوجياً، بل هو واقعي. والواقعي يفهم لغة المساومات”.
وأضاف “كانت كلينتون ستعرّض الولايات المتحدة وروسيا حتماً إلى خطر الصراع. أما ترامب فيقدم فرصة للهروب من هذا الصراع. هناك فرق كبير”.
وكان بوتين أحد أوائل القادة المهنئين لترامب، بإرسال برقية، قبل أن يُعلن من خلال خطابٍ بالكرملين عن “الأمل في فترة ذهبية جديدة” من العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
قال بوتين في خطابه “نحن نفهم أن الطريق لن يكون سهلاً نظراً للحالة الراهنة من التدهور في العلاقات. وكما قلت مراراً، ليس خطأنا أن وصلت العلاقات الروسية – الأميركية إلى تلك الحالة السيئة. لكن روسيا تريد ومستعدة لإعادة العلاقات الكاملة مع الولايات المتحدة”.
جزء من جاذبية ترامب هو وضعه “كمرشح الفوضى” الذي سوف يزعزع النظام القائم، ويكسر الوحدة الغربية.
وقال فلاديمير فرولوف، محلل الشؤون الدولية، “سوف تغرق الولايات المتحدة في فترة من الاضطراب ويقل نفوذها في العالم. من المتوقع أن تصبح علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها أكثر توتراً، وبالتالي ستصير أقل حدة في معارضة روسيا”.
وبصرف النظر عن الفوضى، يتنامى الأمل في موسكو في أن ترامب وبوتين يمكنهما عقد صفقات حقيقية. قال ترامب في خطاب النصر “إننا سوف نتقارب مع جميع الدول الأخرى الراغبة في التقارب معنا”، مما طربت له أذنا بوتين بلا شك، بينما سبب الرعب في كييف وعواصم دول البلطيق.
وقال المتحدث باسم بوتين ديمتري بيسكوف في مقابلة مع التلفزيون الروسي هذا الأسبوع إن الرجلين يتوافقان بشكل مذهل من حيث نظرتهما للسياسة الخارجية. وأضاف “إن تذكرت خطاب بوتين في منتدى فالداي الأخير وقارنته بخطاب ترامب.. ستجد أن لديهما رسائل رئيسية متطابقة حول السياسة الخارجية”.
خارج الكرملين والبيت الأبيض في عهد ترامب، ستكون هناك مخاوف بشأن ما قد يعنيه هذا التقارب بالنسبة للعالم، وكذلك بشأن ما قد يحدث إذا ما سارت الأمور بشكل خاطئ.
يفضل الزعيمان التحدث بخشونة. فقد ادعى بوتين أنه مستعد لوضع القوات النووية الروسية في حالة التأهب القصوى أثناء ضم شبه جزيرة القرم، في حين أن التلفزيون الرسمي الروسي أصدر تذكيراً للولايات المتحدة بأن روسيا هي “البلد الوحيد القادر على تحويل أميركا إلى رماد مشع”. من جانبه، رفض ترامب استبعاد استخدام الأسلحة النووية، حتى في أوروبا.
الكثير من هذا مجرد تهديد، ولكن لا ترامب ولا بوتين يشتهر بالبرود، ومع سيطرتهما على أكبر ترسانتين نوويتين في العالم، قد تحدث أزمة حقيقية غير متوقعة.
وكما أوضح المحلل ماركوف الموالي للكرملين “بوتين يهوى استعراض قوته، وكذلك يفعل ترامب. وهذا قد يسبب مشكلة”.
يتوقع المحللون في الأسابيع المقبلة أن ترسل موسكو مبعوثين رفيعي المستوى لاستطلاع رأي ترامب بشأن أولوياته وحدوده. وقال مسؤولون روس في وقت سابق من هذا الأسبوع إن هذه الاتصالات قد جرت بالفعل أثناء الحملة. لكن متحدثة باسم ترامب نفت ذلك.
ستكون السيطرة على أوكرانيا والتخلي عن الدفاع الصاروخي الأميركي من الأولويات الرئيسة للكرملين في أوروبا، لكن ليس واضحاً ما يمكن أن يقدمه بوتين لترامب في المقابل.
قال فرولوف “قد لا تكون اتفاقات رسمية. من الصعب جداً تصور اتفاق مكتوب بشأن أوكرانيا، على سبيل المثال. ولكن يمكن أن تكون التفاهمات غير رسمية. هذا هو نوع المحادثات التي سوف تتطلع إليه روسيا”.
هافنغتون بوست