الحديث عن تقسيم سوريا يعود بقوة هذه الايام. وسائل اعلام ومراكز ابحاث غربية واسرائيلية تتداول تقارير عن نقاشات أميركية – روسية في هذا الشأن. وفي تقويمها أن هذه النقاشات هي السبب الحقيقي لاحتدام الحرب في سوريا على أكثر من جبهة، حيث يحاول كل فريق توسيع مكاسبه قبل وقف محتمل للنار.
في التوزيع المفترض استنادا الى هذه التقارير، يحتفظ الرئيس بشار الاسد بالسيطرة على المناطق المحيطة بدمشق، وبممر الى الجولان، اضافة الى المنطقة الساحلية المحيطة بطرطوس، حيث القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في المتوسط. والثوار يبسطون سيطرتهم على شمال سوريا وجنوبها حيث وسعوا نفوذهم أخيرا. أما “دولة الخلافة” في شرق سوريا فلا يزال مصيرها غير محسوم.
وفي ما عدا دعوة ايران الى المشاركة في محادثات جنيف، ليس ثمة ما يدل على أن الاميركيين والروس توصلوا الى قواسم مشتركة في الموضوع السوري. من هذا المنطلق يبدو الحديث عن محادثات اميركية – روسية لتقاسم سوريا أمرا مبالغا فيه. لكنّ ادارة الرئيس باراك أوباما الساعية الى اتفاق نووي مع طهران بأي ثمن، تسعى بالتأكيد الى تعاون أوسع مع موسكو من أجل موقف موحد مع الغرب للضغط على ايران كي تلتزم الشفافية في برنامجها النووي، قبل رفع العقوبات عنها. لذا، ليس مستبعدا أن يندرج تحرك وزير الخارجية الاميركي جون كيري في اتجاه موسكو للمرة الاولى منذ سنتين تقريباً، في اطار صفقة ما بين الجانبين.
في اي حال، لا تقتصر النظريات التقسيمية على التقارير الاجنبية والاسرائيلية. ففي دراسة لمدير مركز الشرق للدراسات الدولية سمير التقي أن المعارك على الارض تدخل مرحلة ثانية من توازن القوى ستؤدي على الارجح الى وضع جديد يرقى الى مستوى تقسيم بحكم الامر الواقع. وفي رأيه أن ايران وحلفاءها يأملون في أن يتحول هذا التقسيم المتعمد “ستاتيكو” طويل الامد.
وفي ظل تقارير عن تباينات بين الزعماء الايرانيين والسوريين، يقول التقي إن الضباط الايرانيين ارتأوا، تحت ضغط تقدم المعارضة، تطبيق “الخطة ب” القاضية بسحب كل قوات -وعتاد- الميليشيات الشيعية و”حزب الله” من شمال البلاد ونشرها في دمشق وجنوب غرب سوريا، فيما تتمركز قوات الاسد في العاصمة والساحل الشمالي الغربي. هذه الخطة تخدم الهدف الاستراتيجي الاول لطهران بابقاء ممر مفتوح ل”حزب الله” في لبنان، الا أنها تقوض أوهام الاسد بالبقاء رئيسا لسوريا كاملة. وفي اطار الخطة نفسها، ليس مصير دمشق أفضل من مصير بيروت خلال الحرب اللبنانية. فمع وصول قوات زهران علوش الى مسافة سبعة كيلومترات تقريبا من دمشق، يتوقع العضو السابق في مجلس الشعب تقسيم العاصمة السورية، مع بقاء غرب العاصمة في قبضة قوات النظام.
منذ اليوم الاول للنزاع السوري بدأ الحديث عن تقسيم البلاد. ومع دخول الحرب سنتها الخامسة تخرج من تحت الركام والدمار خرائط لسوريا مقسمة لن تضع اي منها حدا لهذا النزاع.
موناليزا فريحة – النهار