يمكن إضافة قائمة من الابتكارات لما اقترحه الكاتب مايكل سكابنكر الذي توقع أن يضحك الناس ضحكة مكتومة بعد عشرين سنة من الآن، لدى سماعهم الضجة التي نقيمها من أجل خدمة واي فاي المجانية في الفنادق اليوم.
من يدري ماذا سيحل محل واي فاي؟ مثل الفاكسات، تلك الأجهزة الإلكترونية التي عاشت أقصر عمر من غيرها من الابتكارات، هي موجودة لكنها قد تدخل إلى متحف التكنولوجيا.
ربما يكون المستقبل لأجهزة الاستقبال التي تثقب أصابع الإبهام لدينا عندما يكون الإنترنت أشبه بعصب في داخل أجسامنا أو عين شفافة تتواءم مع عيوننا، أو… من يدري؟ عن ماذا سنكتم ضحكاتنا في المستقبل، عن أجهزة الكمبيوتر المحول، الهاتف الذكي، التلفزيون، طريقة استهلاك الأخبار، الصحف مثلا…؟!
لأننا “نعتقد دائما بأننا وسط ثورة تكنولوجية كبيرة، وأن المستقبل سيكون امتدادا للأشياء الرائعة التي لدينا اليوم”، حسب سكابنكر في مقاله بصحيفة فاينشال تايمز.
بقدر روعة المستقبل التكنولوجي وتسهيل سبل الحياة أمامنا، فإنه يهدد مستقبل صناعات تآلفنا معها سنين طويلة وامتهنتها أجيال من المحترفين، وكانت موضع استهلاك ومتعة وفائدة للناس، وليس من المتفق عليه أن تكون البدائل التي توفرها تكنولوجيا المستقبل عميقة الفائدة والتأثير على دماغ الإنسان. لذلك يبقى الإنسان مسكونا بالحنين إلى الماضي لما يتركه من لمسة حسية في داخله بعد أن يفتقد ما كان بين يديه.
كيف سنتعامل مع الأخبار مستقبلا؟ هل ستكتفي الجريدة بكونها كيانا قائما بذاته مع كل التطورات التي يمكن أن تحدث عليها بمواصفات إلكترونية قابلة للطي مثل الورق؟ هل سينتهي دورها بتقديم الأخبار وستكون سلتها ملآى بمحتوى آخر شيء يمكن أن نجده فيه هو الأخبار؟
أين سيكون موقع الصحيفة حينذاك؟ بعد الصدمة التي تركها أريك شميدت رئيس مجلس إدارة شركة غوغل خلال مشاركته في الدورة الأخيرة للمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” عبر استباق رؤيوي لشيوع أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء، والتي ستصبح جزءا لا يتجزأ من عالمنا.
إننا لن نلحظ وجود مثل هذه الأجهزة التكنولوجية في وقت قريب، بقوله “تخيل أنك تمشي في غرفة تتحرك كل أجزائها وتتفاعل معك وفقا لأوامرك”. لن يبقى الإنترنت، سيختفي أو يتخذ حيزا وكيانات مختلفة، وهذا ما يؤول بالضرورة إلى كل الخدمات التي تؤسس بناءها على الإنترنت ومن بينها الصحف وطريقة استقبالنا للأخبار، سواء في منازلنا أو تنقلنا.
لا أحد يستطيع أن يضمن أن الأخبار محمية من صدمة تكنولوجيا المستقبل، وهذا ما عبر عنه مايك دارسي الرئيس التنفيذي لمجموعة تضم مؤسسات إعلامية في بريطانيا والولايات المتحدة، عندما عرض رؤيته بالقول “إن ثمة جهدا ضائعا بذله العديد من مخططي وسائل الإعلام حول الإجابة عن أسئلة ضيقة تؤدي إلى كيفية معرفة تسييل المحتوى الرقمي، الأمر الذي أفقدهم المسار حول تأمين مستقبل مستدام على نطاق واسع”.
بينما يؤمن ويليام ستولرمان مؤسس موقع ذي نيوز هوب، بصفته صحفيا محترفا بأن الأخبار صناعة تتطلب التغيير بدلا من دق المسمار الأخير في نعشها. لذلك يسعى عبر موقع ذي نيوز هوب لتحسين علاقة المستخدم بالمحتوى، والتي غالبا ما تسير في اتجاه واحد وتعمل على تحويل القارئ من شخص متلق سلبي إلى شخص إيجابي مشارك وفاعل، كل ذلك عبر تقديم مناقشات حية وتعليقات على كل الموضوعات المطروحـة.
إن أسئلة مثل هل تكمن المشكلة في صناعة الأخبار أم في طريقة تقديمها أم في وسائل استقبالها، لا تحمل أيا من الإجابات الواضحة ولا حتى عند مخططي مستقبل وسائل الإعلام، لأن هناك مشكلة قائمة سببها الإنترنت أمام الواقع الورقي للصحف، فكيف سيصبح الحال عندما يختفي الإنترنت وفق رؤية أريك شميدت مع شيوع أجهزة الاستشعار القريبة وظهور لوحات إخبارية على راحة اليد؟!
لا أحد متأكد من طبيعة المستقبل، قد نرسم افتراضات مذهلة عن أشياء رائعة، لكن الإعلام بصفته صناعة تطورت مع وعي الإنسان وأخذت أشكالا متصاعدة، والصحافة بصفتها جزءا أساسيا في بنية الإعلام ترنو بعين القلق المشوب بالسعادة المشكوك فيها للمستقبل، لا أحد يستطيع أن يؤكد أن الصحافة محمية من صدمات المستقبل.
العرب -كرم نعمة