“هناك أربعة أجهزة أمنية سرية تعتبر أساس قوة النظام, وفي منتصف مارس أعلن النظام صراحة أن رؤساء اثنين منهم أعفوا من مناصبهم. عزل مدير الأمن السياسي رستم غزالة ومدير المخابرات العسكرية رفيق شحادة ليس بالأمر العادي. هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن غزالة وشحادة اختلفا حول استقلال النظام عن إيران؛ كما أن هناك تقارير غير مؤكدة أيضا بأنه وعلى إثر جدل حاد بينهما تم نقل غزالة إلى المشفى بعد أن تعرض للاعتداء الجسدي مباشرة”.
دلائل على استنزاف مصادر النظام في الحرب:
“في حين أعلنت المعارضة المسلحة خطتها للهجوم على محافظة إدلب قبل أسابيع على تنفيذها, إلا أن النظام يفتقر إلى القوات اللازمة لحماية المدينة, والتي سقطت في 28 مارس بعد أسبوع على بداية المعركة. حاول النظام منذ ذلك الوقت تجميع قواته من أجل شن هجوم معاكس, ولكن مكاسبه كانت في الحد الأدنى. في الطرف الآخر من البلاد, قرب الحدود الأردنية, فقد النظام معقلا قويا من معاقله وهي بلدة بصرى الشام في 25 مارس ومن ثم معبر نصيب الحدودي العام في 2 إبريل – وهو المعبر الذي يفصله عن الأردن. هجمات النظام المعاكسة في هذه المناطق توقفت تماما. بالمجمل, يبدو أن النظام في حالة دفاعية واسعة الآن, ويبدو أن سيطرته على غرب حلب منعدمة بسبب ضعف خطوط إمداده.
علامات الإجهاد على قواعد النظام التي أرهقتها الحرب:
بعد عشرات الآلاف من الضحايا, هناك تلميحات مفادها بأن المجتمع العلوي الصغير نسبيا أصبح يشعر بحالة من التعب من الحرب ويريد الخروج منها. جهود النظام للتجنيد في اللاذقية ودمشق لم تلق دعما شعبيا. عوضا عن ذلك, هناك روايات حول أسر تحاول إخراج أبنائها من سوريا. ( على العكس من ذلك, استجاب الشيعة العراقيون بقوة لنداء آية الله السيستاني للتعبئة لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق). علاوة على ذلك, فإن حركة صرخة الوطن التي نشأت بين العلويين لا زالت تحافظ على وجودها على الرغم من جهود النظام لاقتلاعها من جذورها بعد إنشائها عقب وقوع ضحايا كثر لدى النظام إثر سقوط مطار الطبقة العسكري في صيف عام 2013.
تبقى هزيمة الأسد أفضل ما يمكن أن يحدث في الأزمة المندلعة في الشرق الأوسط. هزيمة واحدة لإيران في عمق المنطقة من شأنها أن تساهم في استعادة توازن القوى بين السنة والشيعة التي ربما تشكل قاعد لنظام إقليمي جديد. عندما سقط الدكتاتور العلماني إسما صدام حسين الذي ضمن سيطرة الأقلية السنية على العراق, انقلب الحكم في العراق لصالح المعسكر الشيعي. كان من شأن ذلك أن ينجح لو أن الولايات المتحدة كانت مستعدة للعمل قربيا من العراق ومساعدته في إيجاد طريقه بعيدا عن الاصطفطاف إلى جانب إيران. ولكن عندما ترك الانسحاب المبكر لإدارة أوباما البلاد دون بديل واقعي لتسقط في فلك إيران, وضع التوازن الإقليمي في حالة من الفوضى. التصور بأن الولايات المتحدة تميل نحو إيران أدى إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في العالم السني, مما أدى إلى كل من إضعاف تحالفات الولايات المتحدة وزيادة التعاطف مع الجماعات السنية المتطرفة مثل داعش والقاعدة مع استعداد الداوئر السنية للدخول في حرب طائفية.
علينا أن لا نحمل أية أوهام حول المشكل القادمة. تقاعس أمريكا ساعد كثير في خلق أحد أكثر البيئات السياسية سمية في العالم في سوريا, والتبعات القادمة سوف ترافقنا وقتا طويلا. هزيمة الأسد في بداية الحرب, عندما كان المتمردون أقل تطرفا ولم يكن لديهم عقلية تحمل ثأرا كبيرا كما هو الحال بعد سنوات من القتال المرير, كان من شأنها أن تعني أمرا واحدا. سقوط الأسد الآن سوف يعني بكل تأكيد أمرا أكثر قتامة مما عليه الوضع حاليا, في الوقت الذي أصبحت فيه بدائل الأسد غير مقبولة بصورة كبيرة.
ولكن ومع ذلك, فإن أي شئ يمكن أن يستعيد التوزان المعقول بين الشيعة والسنة يمكن أن يكون على الأقل شعاعا من الشمس في المشهد المظلم إلى أبعد الحدود. مهما كانت الأهوال التي يمكن أن تنشأ في سوريا إذا انتهى الأمر بأن يهزم الأسد على يد المعارضة الأكثر ميلا للانتقام والأكثر تطرفا, فإن انهيار النظام الموالي لإيران والملطخة يداه بالدماء سوف يجعل من مهمة إدارة أوباما أكثر صعوبة. لقد كان شبح تحالف الولايات المتحدة مع إيران المنتصرة هو ما يقلق العالم العربي السني. إذا تلقت طموحات إيران الإقليمية ضربة حاسمة, فإن هناك مجالا أكبر بالنسبة للولايات المتحدة لتناور.
تبددت الكثير من فوائد هزيمة الأسد بسبب سياسة الولايات المتحدة. لن ينس السنة في كل مكان وعلى وجه الخصوص السوريون تبديد الآمال والسخرية التي كانت من مساهمات الولايات المتحدة في الأزمة السورية. التنازل عن القيادة السياسية سوف يكون لها صدى أكثر قوة في ذاكرة التاريخ من أي مساعدات إنسانية قدمتها واشنطن. الإرث المحدد للحرب – التمكين للجهاديين في سوريا الذين حصلوا على جوائز كبيرة وأصبحوا شخصيات أسطورية على امتداد العالم السني إذا سقط الأسد- سوف يكون مشكلة طويلة الأمد بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها, وسوف يكون من أصعب المواقف التي سوف يواجهها الرئيس القادم. التقدم الاستراتيجي في موقف أكثر الإرهابين خطرا في العالم من انهيار الأسد لن يحدث في سوريا فقط؛ السياسة المتبعة هناك جعلت من النتائج أكبر مما يجب أن تكون عليه حقيقة.
ربما يكون لسقوط الأسد انعكاسات على استراتيجية أمريكا تجاه إيران. إذا سقط عميلها السوري, وإذا تعرضت هيبتها الإقليمية إلى ضربة قوية, هل ستستمر إيران في الاندفاع نحو الاتفاق النووي؟ إذا كان الجواب نعم – إذا جعلت الهزيمة إيران أكثر مرونة- فإنها أخبار جيدة إذا, ولكن مع عدم اتخاذ الولايات المتحدة موقفا أكثر قوة لحد الآن. و إذا جعلت الهزيمة إيران أكثر ضعفا, فإن موقفا إقليميا أقوى من قبل إدارة أوباما يمكن أن يؤدي إلى اتفاق نووي بشروط أفضل. ولكن من ناحية أخرى, إذا جلعت هزيمة الأسد في سوريا إيران تتخذ موقفا أكثر تشددا في المفاوضات, فإن الإدارة الأمريكية سوف تفشل على الأرجح في الحصول على اتفاق نووي, وسوف يكون إرثها في نهاية المطاف في المنطقة نشر الفوضى في ليبيا وتعزيز قوة حفنة من الإرهابيين في سوريا, والفشل في حصول إي انفراج في سوريا.
النظام الإيراني المعتدل حقا يمكن أن يتعايش مع سوريا السنية, ولكن لا يبدو أن الحكام الحاليون في طهران يملكون الصبر والهدوء اللازم لذلك. يمكننا أن نتوقع بعض الجهود الإيرانية الجادة لدعم العلويين, إذا لم يدعموا أسرة الأسد. سوريا تهم إيران أكثر مما تهمهم اليمن؛ إيران لن تسلم دمشق (وبيروت) دون جهد حقيقي لدعم النظام الصديق هناك. كلا طرفي الحرب السورية فاجئوا الأطراف الخارجية بأنهم أكثر تصميما وأكثر وحشية مما يتوقعه أي شخص. ربما تشعر إيران بالتعب من الأسد؛ ولكنها لن تتعب من السيطرة على دمشق. تشير الدلائل إلى ضعف نظام الأسد, ولكن الأمور لم تنته بعد.
في هذه الأثناء, ومع استمرار الحرب فإن أكبر الخاسرين, وكما هي العادة, هم الناس الذين يعانون في سوريا. سوف يكون هناك انهيار اقتصادي أكبر, ومجاعة أكبر والمزيد من اللاجئين والمزيد من المذابح. إنها حرب الشعوب وليست حرب النخب فقط؛ العلويون وحلفاؤهم يخشون من الإبادة على يد أعدائهم إذا انهزموا, وهم على استعداد تام لارتكاب المجازر ضد معارضيهم إذا كان ذلك ما يتطلبه الأمر للبقاء. بالنسبة للعديد من المشاركين بها, فإن الحرب الأهلية السورية أصبحت حرب بقاء, كحال حروب البلقان في التسعينات, أو مثل الصراعات اللبنانية خلال الخمسين عاما الماضية, فإن الحروب التي تشعر فيها كل المجتمعات بأن بقاءها على المحك فإنها تميل لتصبح حروبا غاية في البشاعة بسرعة كبيرة. ربما نعتقد أننا شهدنا الأسوأ في سوريا, ولكن الحقيقة هي أنه ربما يكون هناك المزيد, والأسوأ قادم مع استمرار الحرب.
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي