إن لتطورات الأوضاع في الشمال السوري عامة والتدخل التركي في سوريا خاصة إيجابيات قد يحققها لكن لها بعض السلبيات سواء على الصعيد الميداني أم السياسي.
بعد التدخل التركي في الشمال السوري منطقة جرابلس، من خلال دخول عشرات الدبابات ومئات الجنود على مدى الأيام الأربعة الماضية، لا بد أن تطفو على السطح جملة من النتائج التي باتت تلوح في الأفق، كتوقعات باتساع الحرب خارج نطاق الأراضي السورية، ما يعني انزلاق تركيا في حرب مفتوحة ليس لها أهداف أكثر من حرب استنزاف للموارد والأمن والاستقرار، لكن رغم هذه السوداوية التي نتوقعها فلا بد من معالجة موضوعية لجملة من الإيجابيات والسلبيات التي باتت أمرا واقعا أو متوقعا يلوح في الأفق.
فمن إيجابيات التدخل التركي:
التدخل التركي يفرض نفسه بقوة في الصراع مع الإرهاب، من خلال قتاله تنظيم الدولة ومنعه من السيطرة على مناطق جديدة على الحدود السورية التركية، ما قد يقطع صلة الوصل بين الداخل السورية والجانب التركي، وهذا مضمون الرسالة التي حملها جون بايدن خلال زيارته لتركيا في الأيام الأخيرة الماضية، إن حاجة أمريكا إلى تركيا كونها ثاني أكبر حليف في الناتو، ما يمثل جانبا مهما من نظام محاربة الإرهاب على المستوى العالمي.
التدخل التركي يكفل استمرار دعم أمريكا لفصائل من الجيش الحر بطريقة مباشرة، يقصد بالفصائل هنا الفصائل التي تحارب تنظيم الدولة وتتلقى دعما مباشرا من أمريكا.
التدخل التركي يقطع امتداد الحدود بين الرقة والمناطق شمال شرق حلب التي تعد بوابة دخول أفراد منتمين لتنظيم القاعدة يدخلون إلى سوريا عبر البوابة التركية، وفي فرض مساحة 70/20كم يمكن لكل من أوروبا وأمريكا وتركيا الاطمئنان إلى صعوبة عبور العناصر الذين يرغبون بالانضمام إلى التنظيم في سوريا.
التدخل التركي يقطع امتداد الحلم الكردي بإقامة كردستان على طول الحدود السورية التركية ما يعني جيب كونفدرالي أو كانتون استقلالي يقلق تركيا على مدى السنوات القادمة.
إلا أن التدخل التركي قد يثير بعض السلبيات على الصعيد الميداني الداخلي والإقليمي والسياسي.
فعلى الصعيد الميداني:
قد يؤدي تدخل تركيا إلى توسيع دائرة الصراع في الشمال والشرق السوري بسبب حالات وقعت فعلا وقد تتكرر في الأيام القادمة من النزاع المسلح بين فريقين تدعمهما أمريكا هما الجيش الحر والقوات الكردية، هذا يشير إلى غياب الهدف الرئيسي من تواجدهما ودعمهما، فأمريكا تدعمهما من أجل قتال تنظيم الدولة، لا من أجل الاقتتال فيما بينهما.
إن قتال فصائل الجيش الحر المدعوم من قبل أمريكا مع وحدات كردية مسلحة قد يساعد في خلق فرص يستطيع تنظيم الدولة بسببها التوسع وبسط النفوذ لعدم وجود من يقاتله ويمنعه من التمدد.
التدخل العسكري التركي قد يؤدي إلى أزمات أكبر من المتوقع؛ إذ علينا أن نأخذ بالحسبان ردة فعل النظام السوري من جهة والقوى الإقليمية من جهة أخرى، فإننا نجد تصريحات إيرانية باتت تظهر إلى العلن مفادها أن التدخل التركي العسكري في الأراضي السورية شكل من أشكال الإرهاب. واليوم هناك تصريحات فرنسية في هذا الشأن فقد حذر وزير الخارجية الفرنسي “جان مارك ايرولت”، تركيا من أي تعرض للقضية التركية في مناطق غرب الفرات من خلال قوله: “إنه لأمر جيد أن تنخرط تركيا بوضوح في مكافحة “تنظيم الدولة” التي يهاجمها بعنف، فضمان تركيا لحدودها أمر شرعي، ولكن يجب الحذر من الغرق في العنف ونزوع محتمل للرغبة في التعرض لجزء من المسالة الكردية في سوريا”.
كما أشار مراقبون أن التدخل العسكري التركي في سوريا، هدفه منع قيام دولة “كردستان سوريا” على غرار “كردستان العراق”.
دونك عن ردة فعل أمريكا إذا تطور الاشتباكات بين الجانب التركي المدعوم عسكريا وسياسيا من قبلها، وفصائل من الجيش الحر تدعمها أمريكا إضافة إلى الجانب التركي الصديق القديم معها، ما قد يضع أمريكا أمام دراسة أفضل الخيارات الواجب اتخاذها، فإما أن تترك الأكراد وشأنهم كونهم أدوا حتى الآن ما عليهم من دور من خلال تجنيده في حرب تنظيم الدولة ومنع توسعه في المناطق الشرقية والشمالية فكأننا أمام انتهاء الدور المرتبط بالجانب الكردي وحان الوقت لتحييده، وبذلك تختار أمريكا الجيش الحر وتركيا كونهما يمثلان الجانب الأقوى في المعادلة لما فيها من ارتباطات ومصالح أكثر بعدا وأعمق استراتيجية.
كل هذا ومزيد من التوقعات يمكن أن تتكشف لنا في الأيام القليلة القادمة، فتطور الأحداث في الشمال السوري والمناطق الساخنة تزداد اتساعا قرب الحدود التركية ما قد ينذر فعلا بضرورة قراءة تركيا لمجمل الرسائل الإقليمية والدولية قراءة تنبع من ارتباط المصالح لا من علاقات ثقة أو وعود جوفاء وزيارات تخلو من هدف واضح يبررها.
المركز الصحفي السوري – علاء العبدالله