في الآونة الماضية، اتخذت قضية تحطم طائرة تابعة للجيش الأمريكي في مقاطعة غزنة الأفغانية بعداً جديداً. فبعد عدة ساعات من سقوط الطائرة العسكرية الأمريكية في مقاطعة غزنة الأفغانية، أعلن عدد من مسؤولي طالبان، من بينهم ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم حركة طالبان، مسؤوليتهم عن إسقاط تلك الطائرة، كاشفين عن أن الطائرة الأمريكية كانت في مهمة تجسسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة طالبان، حتى تم إسقاطها من قبل قوات الحركة “بشكل تكتيكي”. وعلى الرغم من أن حركة طالبان لم تكشف عن الآلية التي تم فيها إسقاط الطائرة الأمريكية، إلا أن البنتاغون أكد يوم الإثنين الماضي أنه لا يوجد ما يشير إلى أن الطائرة الأمريكية قد أسقطت بنيران العدو.
الطائرة الأمريكية المتحطمة هي طائرة من طراز بومباردييه كانت تقوم بمهمة تقديم الدعم اللوجستي للطائرات بدون طيار، وهي مجهزة بمعدات للاتصالات المتطورة جداً. وتعتبر هذه الطائرة التابعة للقوات الأمريكية، المسؤولة عن تأمين الاتصال الأرضي والجوي بين القوات الأمريكية المتواجدة على مختلف الأراضي الأفغانية، وذلك نظراً للطبيعة الجبلية لتلك المناطق، والتي لا توفر الأرضية المناسبة للاتصال الجيد بين القوات الأمريكية في المناطق المختلفة. هذه الطائرة كانت متمركزة في إقليم قندهار في جنوب أفغانستان، بالقرب من الحدود مع باكستان، ومن هناك كانت تقوم بتنفيذ مهامها ونشاطاتها.
لكن ادعاء طالبان إسقاط هذه الطائرة، أضاف أبعاداً جديدة للقضية، في الوقت الذي رفضت في القوات الأمريكية احتمالية إسقاط تلك الطائرة على يد طالبان، وذلك لأن الطائرة الأمريكية تلك تطير على مستويات مرتفعة نسبياً، وطالبان لا تمتلك ذاك النوع من الأسلحة التي تمكنها من إسقاط مثل هذه الطائرات التي تطير على على علو مرتفع. على الرغم من ذلك كله، لا يمكننا أن نغفل وجود بعض الفرضيات التي تتحدث عن أن طالبان ربما قد أسقطت الطائرة الأمريكية.
بعد مقتل قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية في العراق، تحدث مسؤولو النظام الإيراني عن الانتقام الصعب من الولايات المتحدة. أحد الأدوات التي يمكن أن تكون إيران قد استخدمتها هي تحريك ورقة طالبان
صواريخ ستينغر الحرارية:
لعبت صواريخ ستينغر الأمريكية التي قدمت للمجاهدين الأفغان في منتصف الثمانينيات دوراً كبيراً في إسقاط طائرات الاتحاد السوفياتي السابق، وبالتالي هزيمة واندحار الجيش الأحمر، وفاقت فاعليتها الأسلحة الأخرى التي تلقاها الأفغانيون من الولايات المتحدة وباكستان والسعودية. في ذاك الوقت، قيل أن هناك حوالي ٢٠٠٠ صاروخ استينغر قد وصل لأيدي المجاهدين الأفغان، لكن بعد تشكيل حكومة المجاهدين، طالبت الولايات المتحدة استعادة الصواريخ المتبقية، لكن عدداً من تلك الصواريخ بقي مخفياً داخل أفغانستان، في حين أن تقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية تقول بأن حوالي ستمائة صاروخ من نفس الطراز بقي مفقوداً في أفغانستان عقب الانسحاب السوفياتي من الأراضي الأفغانية.
وعلى الرغم من أن بعض الخبراء قالوا إنه من المحتمل أن تكون صواريخ ستينغر في حالة سيئة بعد كل هذه السنوات، وذلك نظراً لأن أجهزة الاستشعار والبطاريات المخصصة لتلك الصواريخ تحتاج للتجديد، ومن المحتمل أنها لا تعمل، إلا ترسانة طالبان من السلاح التي شملت في السنوات الأخيرة أعداداً محدودة من الجيلين الأول والثاني من الأسلحة المضادة للطائرات، من بينها الصاروخ السوفياتي سام 7 والصاروخ الصيني إتش إن 5، وعدد قليل من صواريخ ستينغر قديمة الطراز، يبقى احتمال إسقاط الطائرة الأمريكية على يد حركة طالبان احتمالاً قائماً يفرض نفسه بقوة.
بعد مقتل قاسم سليماني على يد القوات الأمريكية في العراق، تحدث مسؤولو النظام الإيراني عن الانتقام الصعب من الولايات المتحدة. أحد الأدوات التي يمكن أن تكون إيران قد استخدمتها هي تحريك ورقة طالبان، وذلك بعد تحول العلاقة بين النظام الإيراني وحركة طالبان من صورة نمطية تتمثل في العداء المستحكم، الذي يعزى لعدة أسباب أهمها الاعتبارات الطائفية (إيران شيعية وطالبان سنية) إلى تقارب إيديولوجي اتخذ من عداء الولايات المتحدة منهجاً له، وتعاون امتد ليشمل مجالات اقتصادية وأمنية وسياسية.
فبعد سقوط حكومة طالبان في كابل، تغيرت الظروف الإقليمية والدولية بشكل كلي، ووجدت طهران في دعم حركة طالبان أمراً ضرورياً لكبح الولايات المتحدة على حدودها الشرقية، وخطوةً لا بد منها لتقييد نفوذ القوات الأمريكية في أفغانستان. لذلك من المحتمل في سياق ما يطلق عليه النظام الإيراني “انتقامه الصعب”، أن تكون إيران قد أرسلت صواريخ مضادة للطائرات إلى حركة طالبان لتمكينها من إسقاط الطائرة الأمريكية، الأمر الذي إن حدث فعلاً سيغير الكثير من موازين القوى على الأرض الأفغانية، في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لمغادرة الأرض التي خاضت فيها أطول حروبها. من ناحية أخرى، الخوف الحقيقي في أفغانستان يكمن في التقاء مصالح الإيرانيين والروس على غرار ما هو حاصل في سوريا الآن.
التجربة الحالية بينهما في سوريا قد تشجع طهران وموسكو على بناء شراكة تهدف إلى إيذاء أميركا وحلفائها داخل أفغانستان، الأمر الذي سيعيد الكرة بامتلاك طالبان لصواريخ مضادة للطائرات لكنها روسية الصنع، وموجهة ضد الولايات المتحدة هذه المرة. صحيح أن إيران وروسيا تدعمان طالبان بصورة غيرة مباشرة، لكن يمكن أن نصل إلى مرحلة يغدو فيها تدخلها علنياً، الأمر الذي سيجعل من أفغانستان ساحة لتنافس هاتين الدولتين. مع ذلك يبقى موضوع سقوط إحدى الطائرات التجسسية الأمريكية الأكثر تطوراً أمراً مثيراً للشكوك والاستغراب، حيث لا توجد وسيلة أخرى للتأكد من سبب سقوطها سوى انتظار ظهور السبب الحقيقي للتحطم، وذلك نظراً إلى حقيقة أن الطائرة عسكرية وسرية إلى حد ما، مما يجعل من الصعب الكشف عن حيثيات الموضوع.
الكاتب: نقيب قدور
نقلا عن: مدونات الجزيرة