في تحول سياسي كبير واضح، أعلنت روسيا أنها كمسألة مبدأ لا تقول بوجوب بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. من الناحية الفنية فإن روسيا لا تختلف عن الراعي الرئيسي الآخر للأسد، إيران. فنظرياً كلتاهما ستحافظان على مقولة أن الأمر متروك للشعب السوري في نهاية المطاف لكي يقرر مستقبل سورية. خلاصة القول إنه في النهاية سوف يثبت وضع الأسد على نحو متزايد أنه مُستهلك وموقفه قابل للتفاوض، بينما بقاء النظام ليس كذلك. في الجوهر، قد يصبح الأسد في النهاية ورقة مساومة دبلوماسية.
بيد أن رحيل الأسد سيكون تجميلياً إلى حد كبير. فمن سيحل محله سيكون مجرد شكل مطواع تم تعيينه لدعم النظام. وعلاوة على ذلك، فإن أي انتقال سياسي سيشمل على الأرجح فترة تدريجية للتخلص من الأسد، ربما تستمر ما بين ستة إلى اثني عشر شهراً. وستكون مصحوبة أيضاً بانتخابات مفتعلة والتي توفر نوعاً من الشرعية الديمقراطية. وبالإضافة إلى ذلك، فسوف توفر للولايات المتحدة وحلفائها طريقة لحفظ ماء الوجه بالزعم أن المطلب الرئيسي في إزالة الأسد قد تم تحقيقه. فالنتيجة النهائية ستكون تغييراً في الوجه، وليس في النظام بحد ذاته. النظام سيبقى إلى حد كبير على قيد الحياة شأنه في ذلك شأن مصالحه المكتسبة ومصالح رعاته الخارجيين، روسيا وإيران في المقام الأول.
تسرع روسيا حالياً لاستضافة محادثات بين مسؤولي الأسد وقادة المعارضة السورية وذلك في منتصف تشرين الثاني. وهذا من شأنه متابعة اجتماع القوى الكبرى في فيينا الذي حصل في 30 تشرين الأول. شهد المؤتمر الذوبان الأولي للجليد، ولكن ليس كسره، في محاولة للتوصل إلى حل للصراع السوري. ولم يكن من المتوقع حدوث أي اختراقات كبرى ولم يتحقق أي منها.
يشكل اجتماع جميع اللاعبين الرئيسيين في غرفة واحدة لأول مرة، وخاصة السعودية والعدو اللدود إيران، تحولاً دبلوماسياً كبيراً في الديناميات. ومع ذلك، اجتماع كل شيء على الصفحة نفسها لايزال تحدياً هائلاً، ولكن يمكن التغلب عليه. حقيقة موافقتهم جميعاً على استئناف المناقشات في المستقبل القريب يوفر شعوراً ببعض الزخم الإيجابي.
ومن المفارقة، أن مناقشة مستقبل سورية تجري من دون تمثيل مباشر للسوريين أنفسهم بعد. لم يكن نظام الأسد ولا الجسم السياسي للمعارضة السورية موجوداً على طاولة فيينا. ويؤكد هذا، أكثر من أي وقت مضى، كيفية تأثير القوى الخارجية على هذا الصراع ونتائجه في نهاية المطاف إلى حد كبير. بعد خمس سنوات من الحرب، وأكثر من 250,000 قتيل وملايين المشردين، تهدف روسيا إلى أن تصبح صاحبة السلطة الرئيسية في الصراع، دبلوماسياً وعسكرياً.
باستثناء المتطرفين الذين ينمون في العنف والانقسام، فليس لدى أي قوة إقليمية أو عالمية أي مصلحة مكتسبة حقيقية في استمرار الصراع. شهدت الآونة الأخيرة إجماعاً دولياً متزايداً ومصلحة متقاربة لتسوية النزاع في سورية. ببساطة، المد يؤثر على كل الجوانب. وهناك إدراك واسع بأن لا أحد يستطيع الهرب من الأخطار المتزايدة والعواقب الناتجة. فعلى وجه الخصوص، أولئك الذين يعملون مباشرة على الخطوط الأمامية، بما في ذلك إيران وروسيا، يرغبون في تجنب المستنقع.
مع مرور الوقت، لن يبقى رحيل الأسد حجر عثرة أساسي في محاولة حل النزاع في سورية على الأرجح. وفي الوقت نفسه، سوف تستمر أعداد القتلى وأعداد المشردين بالارتفاع بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، مازالت المعارضة السورية منقسمة تماماً، الأمر الذي يؤثر سلباً على إمكانية حدوث أي تسوية قابلة للتطبيق. وأخيراً قدرة داعش على نشر الفساد في جميع أنحاء المنطقة تستمر بلا هوادة، مع أو من دون الأسد.
ترجمة السورية نت